الديانة الإبراهيمية

الديانة الإبراهيمية

Loading

الديانة الإبراهيمية

إنّ من أهمِّ أهداف القوى الغربيّة؛ الهيمنة الفكريّة والسيطرة على الأديان والمقدّسات، لا سيّما الإسلام، وقد أسَّسوا في سبيل ذلك مراكز، وعقدوا المؤتمرات، وألّفوا الكتب، وألقوا المحاضرات، واتبعوا في ذلك أسلوبين متغايرين يؤدّيان إلى نتيجة واحدة.

الأسلوب الأوّل: الطعن في القرآن الكريم والسنّة النبويّة وشخصيّة سيِّدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وانتقاد الأحكام الشرعيّة، وانتقاص الأئمّة والعلماء، كلّ ذلك في سبيل تقويض الثوابت والأصول.

 الأسلوب الثاني: إطلاق الشعارات البرّاقة، والتلاعب بالمصطلحات، لتبديد ملامح الإسلام، وإفراغ القرآن الكريم من مضمونه بتزوير تفسيره ومعانيه باسم القراءة المعاصرة، والاستدراج بالخطوات للوصول إلى الهدف المنشود، كما هو معهود من أساليب الماسونيّة.

ومن خلال ذلك يحاولون صياغة الإسلام ضمن رؤى وضعيّة، فوظّفوا شخصيّات تقوم بهذه الأدوار، ليُنتجوا إسلاماً بصورة معدّلة مبدّلة.

وضمن هذا السياق، وتحت مسمّى التعايش والتآلف ووحدة الأديان أسَّسوا (الديانة الإبراهيميّة) بدعوى أنّ اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام كلّها تابعة لإبراهيم عليه السلام، وعلى أصحاب هذه الديانات أن يتّحدوا ويجتمعوا، ولا يتفرّقوا ولا يتنافروا.

إنّها كلماتٌ برّاقة، يُظهِرون من خلالها التقارب البريء بين أصحاب الديانات السماويّة؛ لكنّها تخفي أهدافاً وغايات سياسيّة وفكريّة هدّامة.

وفي الحقيقة إنّ مشروع الديانة الإبراهيميّة أو المسار الإبراهيمي ليس وليد الساعة، وليس فكرةً عابرةً رغبوا في تنفيذها، وإنَّما هو مشروعٌ سياسيٌّ مدروسٌ يسعى إلى توسيع الهيمنة الصهيونيّة في المنطقة، وقد بدأ منذ عام 1993م -كما نوّه أستاذ العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة عصام عبد الشافي- بعد توقيع اتّفاقيّة أوسلو، حيث أخذ رئيس الكيان الصهيوني الأسبق شمعون بيريز يتحدّث عن (الشرق الأوسط الجديد) للسيطرة الفعليّة على المنطقة.

وثمّة مجموعة من الدراسات والأوراق والتقارير الرسميّة صدرت في جامعة (هارفارد) عام 2013م سُمّيت (مسار إبراهيم) ووثيقةٌ رسميّةٌ صدرت عن جامعة فلوريدا الأمريكيّة عام 2015م تتحدّث عن (الاتّحاد الفيدرالي الإبراهيمي) [ينظر صحيفة BBC 10 تشرين الثاني 2021م].

وقد اتّخذت الدول المتبنّية لهذا المشروع حادثة توقيع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب مع البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكيّة وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السلام العالمي والعيش المشترك في فبراير عام 2019م  رمزاً للديانة الإبراهيميّة، وما ذاك إلّا خداعٌ وتدليسٌ واتّهامٌ مبطّن لحقيقة الإسلام، وكأنّه لا يقبل الآخرين إلَّا بتبديد معالمه وتهجينه ومزجه بالديانات الأخرى، وفي الحقيقة فإنّ الإسلام مبنيٌّ على السلام والتعايش والتآلف، منذ أن عاهد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  اليهود في المدينة المنورة وضَمِن لهم حقوقهم كاملةً؛ ونصَّ على العيش المشترك بينه وبينهم، لكنّ خيانتهم ونقضهم للعهود والمواثيق حالا دون الاستمرار بهذه المعاهدة. 

رحمته في الجهاد

وقد نصّ القرآن الكريم على حسن التعامل مع غير المسلمين، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[الممتحنة: 8]، وشدّد النبيّ صلى الله عليه وسلم  النكير على من يتعرَّض لأهل الكتاب، ونصَّب نفسه خصماً له فقال: «ألا مَن ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة» [أبو داود].

وتوعّد من يقتل معاهَداً بنار جهنّم فقال: «ألا ومن قتل معاهداً له ذمَّة الله وذمَّة رسوله، حرّم الله عليه ريح الجنة، وإنّ ريحها ليوجد من سبعين عاماً» [الأموال لابن زنجويه].

فالإسلام دين الإنسانيّة، وهو الذي احتضن الديانات وضمن الحقوق لجميع الطوائف والملل، ولا يحتاج إلى دعواتٍ مشبوهةٍ ليتعايش مع الآخرين.

على أنّ حقيقة البيت الإبراهيمي ليست كما يدّعون بأنّها دعوة إلى الألفة والتعايش، بل هي دعوة إلى مصادرة الحرّيّة الدينيّة من المسلمين، قال شيخ الأزهر د. أحمد الطيب: (إنّ فكرة الديانة الإبراهيميّة تصادر حرّيّة الاعتقاد، وحرّيّة الإيمان والاختيار).

وقد أعلن الأزهر تبرّؤه من أيّ دعوةٍ تسعى إلى دمج الديانات السماوية الثلاث (الديانة الإبراهيمية) مؤكّداً أنَّ إعلان رفضه لا يتعارض مع التعاون في المشتركات بين الأديان، لتقديم العون والمساعدة للناس وتخفيف آلامهم وأحزانهم.

وأصدرت الأمانة العامّة لمجمّع البحوث الإسلاميّة في الأزهر الشريف بياناً رسميّاً في استنكار مشروع الديانة الإبراهيميّة ورفضه، وبيان خطره الديني والسياسي [ينظر: صحيفة المصري اليوم الإلكترونيّة: 23/2/2023م].

ولم يقتصر استنكار الديانة الإبراهيميّة على علماء المسلمين فحسب، بل أنكرها رجال الكنيسة أيضاً، ومن بينهم الراهب القمص (بنيامي) فقد قال: (إنّ الديانة الإبراهيميّة دعوةٌ مُسَيّسةٌ تحت مظهرٍ مخادعٍ واستغلال للدين) [BBC 10 تشرين الثاني- 2021م].

كما استنكر رجل الأعمال علاء مبارك المهتم بالشؤون السياسيّة والدينيّة مشروع الديانة الإبراهيمي، ووصفه بأنّه فكرة ماسونيّة تدعو إلى هدم الإسلام، فقال: (فكرة الديانة الإبراهيميّة الجديدة ليست مصطلحاً إسلاميّاً، ولا متداوَلاً في مصادرنا ولا في تراث أئمّتنا، وليس لها أصلٌ في الشرع، فضلاً عن مضمونها المناقض لنصوص الشريعة الإسلاميّة ومقاصدها، والذي تعلّمناه هو مصطلح دين الإسلام الذي هو دين إبراهيم وجميع الأنبياء، فما الهدف من هذه الفكرة… هي فكرة ماسونيّة، فلسفيّة النزعة، سياسيّة النشأة، تستهدف الإسلام والمسلمين) [صحيفة cnn العربية- 23 مارس 2023م].

والخلاصة: فإنّ الدعوة إلى الديانة الإبراهيميّة لونٌ من ألوان الحرب الفكريّة وخطط السياسة الماسونيّة، تهدف إلى تقويض الدين الإسلامي وهيمنة الدول المعادية على المنطقة.  

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *