كيف لإلهٍ رحيمٍ ورؤوفٍ ودودٍ أن يمنع المتحابَّين من الزَّواج لمجرَّد أنَّ أحدهما لا يؤمن بوجود الإله؟
إنَّ الزواج عقدٌ له مقاصده العظيمة، وغاياته النَّبيلة، والأسرة هي نواة المجتمع وأساسه، وقد اعتنى بها الإسلام عنايةً فائقةً تحفظ كيانها وكيان المجتمع.
يقيم في واقعنا المعاصر اليوم عددٌ كبيرٌ من المسلمين خارج بلاد المسلمين لأسبابٍ مختلفةٍ، وقد يضطَّرُّون إلى الزَّواج من غير المسلمات.
أمَّا الكتابيَّات فقد أحلَّ الإسلام الزَّواج منهنّ بضوابط وشروطٍ معيَّنةٍ، أمَّا من لا تؤمن أصلاً بوجود إلهٍ خالقٍ للكون؛ فحرَّم الإسلام زواج المسلم منها، ذلك أنَّ الإسلام قد حرّم الزَّواج من المشركات مُطلقاً، سواء كنَّ مشركاتٍ من العرب يعبدن الأوثان، أو مشركاتٍ من غير العرب كالهندوسيات، والبوذيات، والمجوسيات، وما شابههن، أو كنَّ مُلحداتٍ عربياتٍ، أو أعجميَّات، أو كنَّ مُرتدَّاتٍ عن الإسلام بعد دخولٍ صحيحٍ فيه.
ما هذا الجور والظلم في الإسلام؟ شابٌّ وفتاةٌ يريدان الزَّواج فيُحرمان من بعضهما! أيُّ ظلمٍ هذا؟ وأيُّ استبداد؟ وما هذا الانغلاق، وعدم الانفتاح على الآخَر!
إذن… علينا أن نفهم الشريعة الإسلامية بمقاصدها الكبرى، ونعرف الحكمة الإلهيَّة من ذلك قبل أن تأخذنا العاطفة وننساق وراء أيِّ كاتبٍ من الكتّاب وخطيبٍ من الخُطباء.
بدايةً: إنَّ الإسلام حريصٌ على دوام المودَّة والرَّحمة والتّآلف بين الزّوجين، وحصول السكينة والمودَّة والتآلف بينهما من أدعى أسباب استمرار عقد زواجهما، والمحافظة على حياتهما الأسريَّة المقصودة بعقد النّكاح بينهما.
فلابدَّ أن يكون الزوجان على قدرٍ من التَّوافق الذي تتحقَّق معه المقاصد المرجوَّة من هذا الزواج، ومن أبرز نواحي التوافق بين الزَّوجين: التّوافق في الدّين؛ لأنّه يمثّل عقيدة الإنسان وفكره وإيمانه ومنهج حياته، فلم نجد خلافاً في أولويّة زواج المسلم من المسلمة للتّوافق الإيمانيّ والانسجام الفكريّ بينهما، وإلى هذا كان التوجيه النّبويُّ الشَّريف في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فاظفرْ بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) [متفق عليه].
ثمّ كان التّشريع الإلهيُّ في حِلّ نكاح الكتابيّات؛ لأنَّهنّ يؤمنّ بشريعةٍ سماويّة الأصل، تلتقي فيه مع المسلم في الأصول والمنبت والخُلُق، مما يجعل دوام العشرة المعتدلة ممكنةً بينهما، الأمر الذي قد تتحقق معه مقاصد الزّواج.
لكنّ الحال مع المرأة المشركة “غير الكتابيّة” أو الملحدة يختلف وينقلب تماماً بشكلٍ تتنافر فيه مع المسلم في مبادئ الأخلاق وأساسياتها، فلا تلتقي معه في الفكر أو العقيدة أو الخلق، أو حتَّى في منهج الحياة وهدفها، فلا شيء مشتركاً بينهما على الإطلاق، ممّا يقلب الموازين ويُفسد جوَّ الأُلفة والمودَّة بين الرَّجل وزوجته حتَّى يخشى على إيمانه من هذه المرأة، التي لا تكفر بالشرائع السماوية وحسب بل إنّها تحاربها وتنكر وجودها أصلاً، ولا تؤمن بمن أنزلها، والإيمان هو أغلى ما يملكه الإنسان المؤمن، فهو مستعدٌّ أن يضحي بنفسه وماله وكلِّ ما لديه في سبيل إيمانه، مما يعني انعدام مقاصد الزّواج مع هذه المرأة الملحدة، وبالتالي يكون فساد الحياة الزوجية متحقّقاً، وإن فات في الزَّواج ما شُرِعَ لأجله، لم يُشْرَعْ أصلاً.
ثمَّ إنَّ هذه المرأة لا دين عندها يحرّم عليها العلاقات خارج إطار الزوجيّة، لأنّ كلَّ شيءٍ عندها له تبريرٌ مادِّيٌ، فهي تخون زوجها حين ترى تبريراً مادّياً كافياً لذلك، فكيف يضمن هذا الرجل أن يعيش مع امرأةٍ لا عهد لها ولا ذمّة؟ من هذا نفهم قول أحد الفلاسفة: «إنّي اعشق الإله لأنّه بسببه لا تخونني زوجتي ولا يسرقني خادمي»
فلذلك كانت قطعيّة حُرمة زواج المسلم من هذه المرأة منسجمةً تمام الانسجام مع الحرص على تحقيق مقاصد الزَّواج ودوام استمراره، وبالتَّالي يتكوّن لدينا مجتمعٌ متجانسٌ متآلفٌ غير متفكّك.