الحب و اختلاف الدين

الحب واختلاف الأديان -مربع-
الحب واختلاف الأديان -مستطيل-

كيف لإلهٍ رحيمٍ ورؤوفٍ ودودٍ أن يمنع المتحابَّين من الزَّواج لمجرَّد أنَّ أحدهما لا يؤمن بوجود الإله؟ 

إنَّ الزواج عقدٌ له مقاصده العظيمة، وغاياته النَّبيلة، والأسرة هي نواة المجتمع وأساسه، وقد اعتنى بها الإسلام عنايةً فائقةً تحفظ كيانها وكيان المجتمع.  

يقيم في واقعنا المعاصر اليوم عددٌ كبيرٌ من المسلمين خارج بلاد المسلمين لأسبابٍ مختلفةٍ، وقد يضطَّرُّون إلى الزَّواج من غير المسلمات. 

أمَّا الكتابيَّات فقد أحلَّ الإسلام الزَّواج منهنّ بضوابط وشروطٍ معيَّنةٍ، أمَّا من لا تؤمن أصلاً بوجود إلهٍ خالقٍ للكون؛ فحرَّم الإسلام زواج المسلم منها، ذلك أنَّ الإسلام قد حرّم الزَّواج من المشركات مُطلقاً، سواء كنَّ مشركاتٍ من العرب يعبدن الأوثان، أو مشركاتٍ من غير العرب كالهندوسيات، والبوذيات، والمجوسيات، وما شابههن، أو كنَّ مُلحداتٍ عربياتٍ، أو أعجميَّات، أو كنَّ مُرتدَّاتٍ عن الإسلام بعد دخولٍ صحيحٍ فيه. 

ما هذا الجور والظلم في الإسلام؟ شابٌّ وفتاةٌ يريدان الزَّواج فيُحرمان من بعضهما! أيُّ ظلمٍ هذا؟ وأيُّ استبداد؟ وما هذا الانغلاق، وعدم الانفتاح على الآخَر! 

إذن… علينا أن نفهم الشريعة الإسلامية بمقاصدها الكبرى، ونعرف الحكمة الإلهيَّة من ذلك قبل أن تأخذنا العاطفة وننساق وراء أيِّ  كاتبٍ من الكتّاب وخطيبٍ من الخُطباء. 

بدايةً: إنَّ الإسلام حريصٌ على دوام المودَّة والرَّحمة والتّآلف بين الزّوجين، وحصول السكينة والمودَّة والتآلف بينهما من أدعى أسباب استمرار عقد زواجهما، والمحافظة على حياتهما الأسريَّة المقصودة بعقد النّكاح بينهما.  

 فلابدَّ أن يكون الزوجان على قدرٍ من التَّوافق الذي تتحقَّق معه المقاصد المرجوَّة من هذا الزواج، ومن أبرز نواحي التوافق بين الزَّوجين: التّوافق في الدّين؛ لأنّه يمثّل عقيدة الإنسان وفكره وإيمانه ومنهج حياته، فلم نجد خلافاً في أولويّة زواج المسلم من المسلمة للتّوافق الإيمانيّ والانسجام الفكريّ بينهما، وإلى هذا كان التوجيه النّبويُّ الشَّريف في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فاظفرْ بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) [متفق عليه]. 

ثمّ كان التّشريع الإلهيُّ في حِلّ نكاح الكتابيّات؛ لأنَّهنّ يؤمنّ بشريعةٍ سماويّة الأصل، تلتقي فيه مع المسلم في الأصول والمنبت والخُلُق، مما يجعل دوام العشرة المعتدلة ممكنةً بينهما، الأمر الذي قد تتحقق معه مقاصد الزّواج. 

لكنّ الحال مع المرأة المشركة “غير الكتابيّة” أو الملحدة يختلف وينقلب تماماً بشكلٍ تتنافر فيه مع المسلم في مبادئ الأخلاق وأساسياتها، فلا تلتقي معه في الفكر أو العقيدة أو الخلق، أو حتَّى في منهج الحياة وهدفها، فلا شيء مشتركاً بينهما على الإطلاق، ممّا يقلب الموازين ويُفسد جوَّ الأُلفة والمودَّة بين الرَّجل وزوجته حتَّى يخشى على إيمانه من هذه المرأة، التي لا تكفر بالشرائع السماوية وحسب بل إنّها تحاربها وتنكر وجودها أصلاً، ولا تؤمن بمن أنزلها، والإيمان هو أغلى ما يملكه الإنسان المؤمن، فهو مستعدٌّ أن يضحي بنفسه وماله وكلِّ ما لديه في سبيل إيمانه، مما يعني انعدام مقاصد الزّواج مع هذه المرأة الملحدة، وبالتالي يكون فساد الحياة الزوجية متحقّقاً، وإن فات في الزَّواج ما شُرِعَ لأجله، لم يُشْرَعْ أصلاً. 

ثمَّ إنَّ هذه المرأة لا دين عندها يحرّم عليها العلاقات خارج إطار الزوجيّة، لأنّ كلَّ شيءٍ عندها له تبريرٌ مادِّيٌ، فهي تخون زوجها حين ترى تبريراً مادّياً كافياً لذلك، فكيف يضمن هذا الرجل أن يعيش مع امرأةٍ لا عهد لها ولا ذمّة؟ من هذا نفهم قول أحد الفلاسفة: «إنّي اعشق الإله لأنّه بسببه لا تخونني زوجتي ولا يسرقني خادمي» 

فلذلك كانت قطعيّة حُرمة زواج المسلم من هذه المرأة منسجمةً تمام الانسجام مع الحرص على تحقيق مقاصد الزَّواج ودوام استمراره، وبالتَّالي يتكوّن لدينا مجتمعٌ متجانسٌ متآلفٌ غير متفكّك. 

 

الحاكم والحدود

الحاكم والحدود -مربع-
الحاكم والحدود -مستطيل-

حين يسرق السارق، أو يزنى الزاني، أو يشرب شاربٌ الخمر، فقد خالف أمر الله وحكمه، ولكن هل هذا الخروج عن حكم الله وأمره يفضي بصاحبه إلى الكفر؟

لقد اتفق أهل الحقّ من المسلمين على أنّ مرتكب المعصية لا يكفر، قال الطحاوي: (إنّ أهل السنة متفقون كلّهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملّة) [شرح الطحاوية: (ص: 301)]

وإنّما الذين كفّروا المسلمين بالمعصية هم الخوارج ومن وافقهم، قال الشاطبي عنهم: (وأشهر بدعهم هو تكفير مرتكب الكبيرة) [الاعتصام: (3/ 358)].

وإذا اتفقنا على أن السرقة والزنا وشرب الخمر خروج عن حكم الله، وأنّ علماء السنة اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر ولا يخرج عن الإسلام بمجرّد المعصية، مع إثمها العظيم، وخطرها الجسيم، نقول:

إذا جئنا  بالسارق و الزاني وشارب الخمر إلى القاضي، فلم يقطع يد السارق، ولم يُقِم الحد على الزاني وشارب الخمر، فما حكم هذا القاضي الذي عطّل حدود الله؟

فإن قيل: إنه يكفَّر لأنه لم يحكم بما أمر الله، يقال لهم: ألم يجترئ السارق والزاني وشارب الخمر على حدود الله  ومخالفة حكمه، وقد اتفق أهل الحقّ من المسلمين أنّ السارق والزاني والشارب لم يكفروا بهذا الفعل، فلماذا لا يكفر الجاني الذي اجترأ على حدود الله، ويكفر من لم يعاقبه، وكلاهما خرجا عن حكم الله؟! 

فإن قيل: إنّ ما فعله السارق والزاني معصية، وأما ما فعله الحاكم فإنّه جعل نفسه ندّاً لله تعالى، وحكم عليهما بغير الحكم الذي أمر الله به، وبهذا قد كفر.

فنقول لهم: وما أدراك أنّ الحاكم جعل نفسه ندّاً لله عندما عطّل إقامة الحدّ؟ ولماذا لا تحكم على السارق والزاني والشارب بأنّهم فعلوا ذلك تحدّياً لدين الله مستحلّين لمعصيته ؟

فإن قيل: ما دام العصاة مسلمين لا نحكم بأنهم فعلوا المعصية استحلالاً لها وتحدّياً للدين، وإنما فعلوها وهم مقرّون بالخطأ؛ لأنّ الظاهر أن المسلم لا يفعل المعصية استحلالاً لها ولا تحدّياً لدين الله، لذا فلا يكفر بفعلها.

فنقول لهم: وكذلك الحاكم إذا كان مسلماً ولم يُقِم الحدود فلماذا نحكم بكفره، ونحمل تعطيله للحدّ على أنّه جعل نفسه ندّاً ومشرّعاً من دون الله؟! فكما أن الظاهر من مرتكب الكبيرة أنّه لم يفعلها استحلالاً لها وتحدّياً للدين، فكذلك الحاكم المسلم لم يعطّل الحدّ لكونه جعل نفسه مشرّعاً من دون الله، بل يحكم عليه بأنّه مقرّ بأنّ شرع الله هو الأصل، ولا شكّ أنّه عاصٍ مذنب بترك إقامة الحدود؛ لكنه لا يكفر، ، وإن الشرع قد درأ شُبَة التكفير عن المسلمين؛ لأنّ أصل عقدة الإسلام ثابتة له بيقين، ولا يخرج منها إلا بيقين.

والأدلة على ذلك في السنة النبويّة كثيرة، منها:

 أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة لوليّ الأمر، ونهى عن الخروج عليه مهما كان، إلا إذا ظهر منه كفر صريح بواح بدليل قطعي لا خلاف فيه، كما روى عبادة بن الصامت قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعَناه، فقال فيما أخذ علينا: «أن بايعَنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثَرَة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان» [متفق عليه].

فقد أكّد النبيّ صلى الله عليه وسلم صفة الكفر التي تبيح منازعة ذلك الحاكم بأنه كفر ظاهر بواح، مع الأدلة والبراهين الساطعة التي لا تقبل الشك أبداً بأنه فعل شيئاً مكفّراً.

 وإنّ عدم إقامة الحدود ليست كفراً بواحاً باتفاق أهل الحق من المسلمين، بل جاء في حديث آخر: عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم»، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة» [صحيح مسلم (3/ 1481)]

فعندما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأئمة بصفات السوء والجور نهى عن الخروج عليهم إذا أقيمت الصلاة بالبلاد، ولم يقل: إن جَور الحكام كفر لأنّ الله يأمر بالعدل، وهم يجعلون أنفسهم أنداداً لله، ويخالفون حكمه، ويظلمون العباد، وإنما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم من الحكام بإقامة الصلاة في البلاد لمنع الخروج عليهم، ويلزم من ذلك أنه حكم بإسلامهم مع سوء الصفات التي ذكرها فيهم؛ لأنّ الكفر الصريح البواح يجيز الخروج عليهم، وعندما نهى عن الخروج عليهم دلّ ذلك على إسلامهم، ثمّ أكّد مرّة أخرى الأمر بطاعتهم في قوله: «وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة».

قال ابن البطال: (والذى عليه جمهور الأمة أنه لا يجب القيام عليهم، ولا خلعهم إلا بكفرهم بعد الإيمان، وتركهم إقامة الصلوات، وأما دون ذلك من الجور فلا يجوز الخروج عليهم إذا استوطأ أمرُهم وأمْرُ الناس معهم؛ لأن في ترك الخروج عليهم تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء، وفى القيام عليهم تفرق الكلمة وتشتت الألفة.) [شرح صحيح البخاري لابن بطال: (5/ 126)]

ثمّ إذا نظرنا في الأحكام والقوانين، نجد أنّ الأحكام التي تجب إقامتها وفق الشريعة الإسلاميّة على الأفراد وجوباً محتّماً لا تخالف قوانين أي بلد إسلامي تطبق فيه أحكام الشريعة، كأحكام الزواج والطلاق والميراث،  وإقامة شعائر الإسلام كاملة من صلوات وجُمْعات، وتحرّي هلالي رمضان والعيد، وتنظيم أداء الحجّ، وإقامة التعليم الشرعي في المدارس والجامعات، وإتاحة الدروس الدينية في المساجد، وتحفيظ القرآن الكريم ونحو ذلك.

ولم يبق من الأحكام سوى العقوبات، والعقوبات نوعان: تعزيرية، وحدود وقصاص، أما العقوبات التعزيرية فهي موكولة إلى الحاكم، أي فسح الشرع للإمام والقاضي أن يختار العقوبة المناسبة، وهي كثيرة.

أما القصاص: فإن أكثر الدول تقيم القصاص على القاتل عمداً، مع أنّ الشريعة رغّبت بالعفو عنه، وأنّ عدم إقامته هو الأولى، ومن ثمّ فقد اتّفقت القوانين مع الشريعة في هذه الأحكام.

وبقي عدم تطبيق أحكام الشريعة عمليّاً في أضيق نطاق من القوانين، وهي إقامة الحدود، كقطع يد السارق، وإقامة الحدّ على الزاني والمرتد، وإنّ عدم إقامة هذه الأحكام لا تؤدّي إلى الكفر في الظاهر كما يُظَنُّ ، ما دامت شعائر الإسلام قائمة .

على أنّ الشريعة تريد دائماً دفع هذه الحدود بأدنى شبهة، حتى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا إذا جاءهم سارق اعترف بالسرقة يلقّنونه ليتراجع عن قوله كي لا يقام عليه الحدّ.

ومن ثمّ نجد أنّ هذه الجزئيّة الصغيرة المبنيّة على الدرء بأدنى شبهة قد ضُخّمت كثيراً من قِبل المتطرّفين، ومن قِبَل أعداء الدين، حتّى اختزلوا معنى (الحُكم بالشريعة الإسلاميّة)، بقطع يد السارق، وجلد الزاني، وقتل المرتدّ، ورسّخوا ذلك عند الناس لتشويه صورة الدين، فغيّبوا المعاني السامية التي جاء بها الإسلام.

 ولم يعدّ المتطرّفون إقامة أحكام الشريعة من صلاة، وشعائر، ونكاح، وطلاق، وميراث، وإقامة التدريس الديني، والتعليم الشرعي، وتحفيظ القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، ونحوها، لم يعدّوها إقامة لحكم الله، وحكموا على الدول المدنية بأنّها كافرة، ونظروا فقط إلى عدم قطع يد السارق ورجم الزاني وقتل المرتدّ.

لذا كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يرى الخوارج شرار خلق الله؛ لأنهم سلكوا مسلك التكفير، وقال: «إنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفّار، فجعلوها على المؤمنين» [صحيح البخاري (9/ 16)].   

التشكيك 2

التشكيك والطعون -مربع-

التشكيك 2

Loading

ظهرت الطعون والتشكيكات والشبهات نتيجة لعدّة أسباب و هي :

أولاً: ظهور العلمانيّة في أوربّا.

ثانياً: ظهور الشيوعيّة الإلحاديّة في روسيا.

ثالثاً: ما كتبه المستشرقون من مؤلفات تطعن في الإسلام.

رابعاً: إعادة إحياء أفكار المستشرقين على أيدي بعض المسلمين وذلك بتوظيف من الغرب ، مقابل امتيازات وإغراءت مادّيّة ومعنويّة.

ويلاحَظ أنّ أصل هذه الشبهات دخيلة إلى بلاد المسلمين، وقد أسّسها أعداء الإسلام، وانتشرت بانتشار وسائل التواصل والإعلام الغربي أو المستغرب، وأنّها لم تقم على مبدأ العقل والفكر، وإنّما على مبدأ التمرّد أو الإغراءات المادّية والمصالح الدنيويّة.

بل إنّ كثيراً من الذين يطرحونها عبر المؤسسات المدعومة من الغرب يعترفون ضمناً أو تصريحاً بأنهم يقصدون من ذلك  المصلحة، وأنّهم لم يطرحوا هذه الأفكار من مبدأ أو اعتقاد راسخ عندهم .

وإليك مثالاً واحداً في ذلك وهو طه حسين:

يُوصفُ طه حسين بأنّه عَرّاب و رائد حركة التغريب، ومحو الهوية الإسلامية، وقد قال في كتابه: “مستقبل الثقافة في مصر عام 1938“: (إن سبيل النهضة واضحةٌ بيّنة، مستقيمةٌ ليس فيها عوجٌ ولا التواءٌ، وهي أن نسير سيرة الأوربيين، ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يُحب منها وما يكره، وما يُحمد منها وما يُعاب، ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع.) [أعلام وأقزام في ميزان الإسلام، تأليف: أبي التراب سيد بن حسين العفاني، دار ماجد عسيري، (1/ 230) جدة – الطبعة: الأولى، 1424 هـ – 2004 م].

وهو تلميذ المستشرق (كازانوفا) الذي قال: (إني أؤكد أنّ مذهب محمد الحقيقي إن لم يكن قد زُيف فهو على الأقل سُتِر بأكثر العنايات، وأن الأساليب البسيطة التي سأشرحها فيما بعد هي التي حملت أبا بكر أوّلاً، ثم عثمان من بعده على أن يمدّا أيديهما إلى النص المقدس بالتغيير، وهذا التغيير قد حدث بعبارة بلغت حدًا جعل الحصول على القرآن الأصلي يشبه أن يكون مستحيلاً.)

إنّ التشكيك بصحّة القرآن الكريم الذي بين أيدينا، واتّهام أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما بتزويره وتغييره هي العقيدة التي باح بها أستاذه (كازانوفا) وقد أشاد بها طه حسين وأعجب بها. [يُنظَر: أعلام وأقزام: 1/233]

وبعد أن قضى طه حسين حياته في هذه الأفكار وغيرها، رجع عنها آخر حياته وتاب منها.

وقد أكّد تلميذه الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ الإسلامي: (بأن طه حسين تاب في آخر أيامه، ولكنه كان عاجزًا عن إعلان توبته، والتنكّر لكل ما كتبه، حيث منعه أناس من خارج بيته ومن داخله -يعني زوجته- واستدل د. عويس على توبة طه حسين بعدّة أدلة:

– منها ما ذكرته (مجلة العربي) الكويتية في تحقيق لها عن (حجِ طه حسين)، وذكرت أنه بكى وقبّل الحجر الأسود لمدّة ربع الساعة فمنع الناس من الطواف، وذكر من شهد هذا الموقف أنّ طه حسين كان يردد عبارات التوبة بأنه أخطأ في حق دينه، وكان طه حسين يقوم بتقبيل تراب مكّة وهو في طريقه إلى الحج.

وأضاف عويس بأن العلمانيين يتعمدون إخفاء هذه الصفحة من حياة طه حسين.

– وذكر د. عبد الحليم عويس واقعة أخرى تؤكد توبة طه حسين، وهذه الواقعة يشهد عليها اثنان من تلامذة طه حسين هما على قيد الحياة الآن: د. محمد عبد المنعم خفاجي (85 سنة)، ود. علي صبح: (عميد كلية اللغة العربية بالأزهر في القاهرة)، فيذكر أنهما ذهبا إلى طه حسين وهو محمول على الأيدي بعد جلسة مجمع اللغة العربية في أواخر حياته وقالا له: بحق الله أكتبتَ في الشعر الجاهلي عن علم، أم كتبته للدنيا والشهرة؟! فأجاب طه حسين: بل كتبته للدنيا والشهرة!!

واستحلفهما أن يكتبا هذه الشهادة، ويوقّعا عليها ليظهرا توبة طه حسين للعالمين.. [مقال “رحلة قلم.. مع الحق والحقيقة” لكمال السعيد حبيب -مجلة المنار الجديد-العدد18 محرم/ربيع 1423 هـ -أبريل 2002م (ص 131، 139)].

التشكيك 1

التشكيك والطعون -مربع-

التشكيك 1

Loading

1- غالب الطعون والتشكيكات الموجهة ضد فكرٍ أو دين أو عقيدة ما إنما هي هدميّةٌ لا بنائيّة، فوضويّةٌ لا منهجيّة، تثير الإشكالات وتبرز الاعتراضات، فلا تنير فكرةً، ولا تقدم رؤيةً بديلةً متماسكة، ويظهر هذا في صورٍ واقعيّة متعدّدة، منها:

أ- أنّ المتابع  لهذه الطروح المشككة يجدها بعيدةً عن تقرير الفكرة الإلحاديّة ذاتها، وإنّما يتوجّه إلى نقد الدين، وخصوصاً الإسلام، مع وجود ثغرات كبرى في صميم الفكرة الإلحاديّة التي يتبنّاها هؤلاء المشكّكون، لكنّهم يُعرضون عنها، ولا ينشغلون بالإجابة عن الأسئلة الحقيقيّة التي تواجه اعتقادهم.

ب- إنّهم يتّخذون في طعوناتهم وتشكيكاتهم أساليب السخرية والاستهزاء والتسخيف، وهذا يناقض المنهجيّة العلميّة، وما هو إلاّ فرض حالة نفسيّة متعاليةٍ لجذب البسطاء والعامّة، وإبهارهم بهذه الأفكار.

ومن أمثلة ذلك: عُرِضت على قناة الجزيرة الإنكليزيّة مناظرة بين كبير الملحدين ريتشارد دوكنـز، والإعلامي البريطاني المسلم مهدي حسن، وقد وجّه الملحد دوكنـز سؤالاً بطريقة السخريّة والاستهزاء والاستخفاف، فقال: هل تؤمن بأنّ محمّداً صعد إلى السماء بفرس له أجنحة؟!

وأثارت طريقة عرضه التهكّمية للسؤال إعجاب الجمهور، فصفّقوا له بحماس.

على أنّ ريتشارد دوكنز نفسه الذي يحمل فكرة الإلحاد والدفاع عنها ويدّعي العقلانيّة والمنهجيّة العلميّة، سئل في برنامج آخر عن شيء يتعلّق بأصل فكرته الإلحاديّة، وهو أصل نشأة الحياة، فكان ردّه هزيلاً واهياً، مخيّباً لآمال الملحدين، أظهر خواءه وضعفه، فقال: (ربّما في وقت ما.. في مكان ما في الكون تطورّت حضارة بالطريقة الداروينيّة على الأرجح، وصمّمت شكلاً من أشكال الحياة، وربّما بذوره في كوننا.).

ومن المعلوم أنّ هذا الكلام ضعيفٌ واهٍ بعيدٌ عن المنهجيّة العلميّة التي يدّعيها في إشكالاته وطعوناته،  فالمنهجيّة العلميّة لا تقبل كلمة (ربّما… والأرجح)، ولا تقبل هذا الكلام الإنشائي الذي لا صلة له بالعلم، ولا هذه النظريّة المنقوضة.

2- هذه الموجة من التشكيكات والطعون محمّلة بالأسئلة المفتوحة دون حدود، سواء كانت هذه الأسئلة متعلّقةً بالله أو بالتشريعات الإسلامية أو الأنبياء أو بالقضايا الفلسفية في أزليّة الكون و حدوثه، وهي تستدعي استعداداً نفسيّاً ومعرفيّاً من المتخصّصين للتعامل معها.

3- تحمل هذه الموجة المعاصرة التشكيكيّة شعاراتٍ عامّةً ذات بريق وجاذبيّة، لكنّها غير محدّدة المعالم وليست منسوجة نسجاً منهجيّاً علميّاً يقي صاحبه من الفوضى والتناقض، ومن أبرز هذه الشعارات: (تحرير العقل، نقد الموروث، رفض الوصاية، الحريّة) ونحو ذلك، فإنّ هذه الشعارات فضفاضة، يقصدون بها التفلّت والخروج عن كلّ دين وقانون، بيد أنّ هذه الشعارات إذا كانت منضبطة بالعقل السليم، والعرف العامّ، والقانون الصحيح، فإنّ الدين لا يخرج عنها.

4- الميدان الأكبر لبثّ هذه الشبهات هي شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يكتب كلُّ من شاء ما شاء فلا يتميّز العالم من الجاهل، ولا الكلام المنطقي من غيره.

5- هذه الموجة موجّهة إلى أصل الإسلام وثوابت الشريعة، وإنّ الخروج عن الثوابت يؤدّي إلى تضييع الهويّة وانحراف البوصلة والانحلال من التكاليف.

المتأثّرون بهذه الموجة 

أكثر المتأثّرين بهذه الموجة هم جيل الشباب، وذلك للأسباب الآتية:
أ- طبيعةُ الشباب التمرّدُ والخروج عن الأجواء العامّة، والظهور بصورة البطل أمام الناس.
ب- سرعة التأثّر العاطفي وطغيانه على العقل.
ج- دور الإعلام العامّ -لا سيّما الغربي- في جذبهم وإبهارهم.
د- الفتن التي يتعرّضون لها تجعلهم يميلون إلى التحرّر المطلق عن الأديان والقوانين؛ لتحقيق رغباتهم وأهوائهم. 

ينقسم المتأثّرون بالشبهات المعاصرة إلى قسمين:

القسم الأوّل: العابثون الفوضويّون الباحثون عن أهوائهم، وهم الأكثريّة.
القسم الثاني: الذين تأثّروا بالشبهات تأثّراً حقيقيّاً أدّى إلى تبنّيهم لأفكار جديدة مخالفة لأصول الدين، ولم يجدوا من يفتح صدره لهم ويردّ على إشكالهم وتساؤلاتهم.

وإنّ هذه الشريحة التي نظرت إلى الشُّبَه بعقلانيّة وهي تقصد الحقّ قادرةٌ أن تصل إلى مبتغاها بالحوار والاستفسار؛ لأنّ الإسلام دين العقل والعلم. 

حاجة الله إلى المخلوقات!!

حاجة الله إلى المخلوقات
حاجة الله إلى المخلوقات

يطرح بعضهم إشكالاً يقول: إنّ الإله لا يستطيع أن يعيش دون مخلوقاته، ولا معنى لألوهيّته دون مخلوقاتٍ تعبده، فهو بحاجةٍ إلى عباده؛ ليفرض عليهم أحكامه، ويحقِّقوا له ألوهيّته.

والجواب:
إنّ هذا الكلام متناقضٌ؛ لأنّ مجرّد طرحه ينقض الإشكال كما سيتبيّن خلال البحث.
 فإنّ من يظنّ ذلك لا يعلم شيئاً من صفات الإله وكماله، وغاية تصوّره له أنه يشبّهه بالملوك والسلاطين الذين يحتاجون إلى رعايا يحكمونهم، ولا يدري أنّ الإله الذي يحتاج إلى غيره فهو لا يستحقّ الألوهيّة أصلاً.
كما أنّ التعبير في قولهم: (لا يستطيع أن يعيش دون مخلوقاته) فيه خطأ من جهتين:
 جهة اللفظ والصياغة، وجهة المعنى والقصد:
أمَّا من حيث اللفظ والصياغة: فلا يصحُّ وصف الإله بأنَّه (يعيش) لأنّ الذي يعيش سوف يموت، وهذه صفة المخلوقات، أمّا الله تعالى فلا يوصف بالعيش، وإنَّما يوصف بالحياة.
فالسائل لا يفرّق بين حياة الإله الواجب الوجود، وبين حياة المخلوق الذي يتوقَّف وجوده على إيجاد الله تعالى له، ومآله في الدنيا إلى الموت.
وأمّا من حيث المعنى: فعندما يقصد بقوله: (لا يستطيع أن يعيش دون مخلوقاته) أي أنّه لا يهنأ بالحياة التي يشعر فيها بعظمته وسلطانه وألوهيّته إلّا بوجود مخلوقاتٍ يعبدونه، فهذا المعنى من صفات البشر المجبولين على الحاجة والافتقار إلى الآخرين، من أجل أن يتمّموا نقصهم بغيرهم، وهذا الوصف يناقض صفات الألوهيَّة المبنيّة على الكمال المطلق، والتي وصف بها نفسه.
فالله تعالى يتصف بالصمديّة، قال تعالى: ((الله الصمد)) [الإخلاص2], (والصَّمد: هو الذي يحتاج إليه كلُّ شيءٍ، ولا يحتاج إلى شيء، ولا يؤثِّر فيه غيره) [لوامع الأنوار البهية (1/ 264) للسفاريني الحنبلي], فالخلائق كلُّهم يحتاجون إلى الله تعالى في كلِّ لحظة، أمّا الله تعالى فلا يؤثّر عليه شيءٌ، ولا يتوقَّف عزّه ولا عظمته على أحدٍ من خلقه، فيستحيل في حقِّ الله أن يحتاج إلى أحدٍ لتحقيق سلطانه وألوهيّته.
ويتَّصف كذلك بالغنى، فالله غنيٌّ عن كلِّ شيءٍ، وعباده هم الفقراء إليه، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) [فاطر: 15].
(والغنيُّ: هو الذي لا تَعَلُّقَ له بغيره لا في ذاته ولا في صفات ذاته، بل يكون منزّهاً عن العلاقة مع الأغيار) [المقصد الأسنى (ص: 144) للإمام الغزالي], أي إنَّ صفة (الغنى) التي يتَّصف بها الله تعالى هي عدم الحاجة إلى غيره البتّة، لا إلى من يوجده ولا إلى من يمدّه بصفةٍ ما، كالهيبة والعظمة ونحو ذلك، فلا تتوقَّف ألوهيّته ولا عزّته على أحدٍ من خلقه أبداً، بل عظمته وعزّته ومحامده وسلطانه وألوهيّته وربوبيّته كلُّها ذاتيّة، فهو يتَّصف بها منذ الأزل، ولا تتخلّف عنه لا بوجود الخلق ولا بعدمهم، فلا تتعلّق صفات عظمته وألوهيّته بشيءٍ من مخلوقاته؛ ولو كفر كلُّ من في الأرض فلا ينقص ذلك من ألوهيّة الله وسلطانه، قال تعالى: ((وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)) [إبراهيم: 8].
وقال في الحديث القدسيّ فيما يرويه عن ربّه: ((يا عبادي إنَّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً… يا عبادي إنَّما هي أعمالكم أُحصِيها لكم، ثم أوفّيكم إيَّاها، فمن وجد خيراً، فليحمد الله ومن وجد غير ذلك، فلا يلومَنّ إلّا نفسه) [صحيح مسلم: (2577)].
بل إنّ عالم الملائكة والإنس والجنّ وغيرهم لو تفرّغوا جميعاً لعبادة الله تعالى منذ أن خلق الله السماوات والأرض إلى يوم القيامة، فهم عاجزون عن أداء أدنى ما يستحقّه الله تعالى من الثناء والمحامد التي تجب له؛ لأنّ العباد ضعفاء، ومهما اجتهدوا في عبادتهم فمن المستحيل أن يؤدّوا حقّ الله تعالى، فعباداتهم هي بمقدار ضعفهم، أمّا الإله فهو متَّصفٌ بكمال العظمة التي لا يصل إلى محامدها أحد، ولا يؤدّي حقّ الثناء على الله إلّا ذاته العليَّة؛ وقد أدرك هذا المعنى رسول الله سيِّد الخلق وأتقاهم, فاعترف بعجزه عن أداء حقّ الله تعالى في الثناء عليه، وكان ممَّا يقوله في دعائه وثنائه: (لا أحصي ثناءً عليك, أنت كما أثنيت على نفسك) [صحيح مسلم (486)], وفي روايةٍ أخرى: (اللهمَّ لا أستطيع ثناءً عليك ولو حرصتُ، ولكن أنت كما أثنيت على نفسك) [السنن الكبرى للنسائي (9/ 328)].
قال الإمام النووي في هذا الكلام: (اعترافٌ بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنَّه لا يقدر على بلوغ حقيقته، وردٌّ للثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصار والتعيين، فوكّل ذلك إلى الله سبحانه وتعالى المحيط بكلِّ شيءٍ جملةً وتفصيلاً، وكما أنَّه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثَّناء عليه؛ لأنَّ الثَّناء تابعٌ للمُثنى عليه، وكلُّ ثناءٍ أثنى به عليه وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم، وسلطانه أعزّ، وصفاته أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ) [شرح النووي على مسلم (4/ 204)]
فلا يثني على الله حقّ الثناء إلّا ذاته؛ لأنّه متّصفٌ بالكمال، وثناؤه على نفسه ثناء كمال، أمّا العباد فهم ضعفاء عاجزون, وثناؤهم عليه ثناء نقصٍ، فلا يبلغون في عبادتهم وثنائهم ما يليق بكماله وعظمته تعالى، ومن ثمّ فلا حاجة لله تعالى لعباده، بل هم المحتاجون والمفتقرون إليه.

وإضافةً إلى ما ورد في الشرع فإنّ العقل ينقض احتياج الله تعالى إلى عباده: وذلك بوجود كفّار وفجّار وعصاة، فإذا كانت عبادة الخاشعين والناسكين والملائكة المقرَّبين لا تؤدّي ما يجب لله تعالى من الثناء، ولو لم يخلقهم أصلاً ما نقص شيءٌ من ألوهيّته وعظمته وسلطانه، فما بالك بوجود العصاة المذنبين؟ وما بالك بالكفرة الجاحدين؟
فهل يُعقَل أن يحتاج الخالق إلى من يحقِّق به معنى الألوهية، ويخلقه كافراً، وهو يعلم أنّه سيختار طريق الضلال والكفر والجحود!
بل إنّ أكثر أهل الأرض في كلِّ زمانٍ هم الكفرة وليسوا المؤمنين، قال تعالى: ((وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)) [يوسف: 103], والشاكرون هم القلّة قال تعالى: ((وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) [سبأ: 13]
ولو كان الله بحاجةٍ لعبادةِ خَلْقِه لجعلهم مسيّرين للعبادة، لا مُخَيّرين بين الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، قال تعالى: ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) [يونس: 99]. وقد اختار أكثرهم طريق الكفر والمعصية، وترك لهم الاختيار لغناه عنهم.
وهذا يقودنا إلى إجابةٍ عن سؤالٍ يطرحه كثيرٌ من النَّاس, يقول: لماذا لا يعجّل الله العذاب لمن يتجاوز في فجوره ومحاربته لدين الله والمجاهرة بانتهاك حرماته؟
والجواب كما تقدّم: فإنّ الله تعالى لا يعجّل بالعقوبة للكفّار والفجّار؛ لأنّ كفرهم وفجورهم لا يضرّه، كما أنّه لا تنفعه طاعة المطيع، فهو الغنيُّ الذي لا يحتاج إلى طاعة، ولا يؤثّر على عظمته وألوهيَّته معصية، وإنّ ما يظنّه العصاة والفجّار من محاربتهم لله تعالى، فهم في الحقيقة يحاربون أنفسهم، ويعرّضونها لغضب الله وعقوبته يوم القيامة.
على أنّ غضب الله ليس كغضب البشر من الانفعال والتأثّر، فالانفعال من صفات البشر المجبولين على الضعف، والله تعالى يتنزّه عن ذلك.
وعندما ترد كلمة ((غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ)) في القرآن الكريم، فالمقصود بها أنَّهم استحقّوا العذاب والعقوبة يوم القيامة، لا أنّه تأثّر وانفعل بما يفعله أولئك، فإنّ البشر إذا غضبوا لا يملكون أنفسهم ويسرعون بالانتقام والبطش، وهذا من مظاهر الضعف والخروج عن السيطرة، والله تعالى يتنزّه عن هذا الوصف؛ لذا نجده لا يُعاجل العباد بالعقوبة، وإذا غضب على قوم أخّر عذابهم، وفتح لهم الدنيا، وأمدّهم فيها, قال تعالى: ((قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا)) [مريم: 75]
بل قد يكون غضب الله على المعرضين والجاحدين بأن يفتح عليهم الخيرات والرزق، كما قال تعالى: ((فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)) [الأنعام: 44], أي: عندما أعرضوا بدَّلنا مكان البأساء الرَّخاءَ والسَّعة في العيش، ومكان الضرّاءِ الصحَّةَ والسلامةَ في الأبدان والأجسام، استدراجاً منّا لهم. [انظر: تفسير جامع البيان: (11/ 358)].
ومن ثمّ نجد أنّ الله غنيٌّ عن عباده، ولا تنفعه طاعةٌ ولا تضرّه معصية، وأنّ عظمته وألوهيّته من الصفات التي يستحيل أن تتخلَّف عنه أو تتعلّق بمخلوقاته، فهو حميدٌ مجيدٌ منذ الأزل قبل خلق المخلوقات وبعد فنائها، وأنَّه لا يؤثّر عليه شيء.   

 الكافر الصالح ودخول الجنة

الصالح
الكافر الصالح ودخول الجنة - مستطيل-

إلى المنطقة الصناعية، يذهب زيد وعمرو يومياً من الصباح إلى  المساء، حيث يعمل زيد في معمل لصناعة المنتجات البلاستيكية أما  عمرو فيعمل في معمل مجاور له للألبسة الجاهزة..

يتميز زيد بدقة مواعيده، وإخلاصه ، ومثابرته، ونشاطه في عمله ومساعدته لزملائه، وحبه للعمل الإضافي، ولا يُعرف عنه أنه تغيب أو قصّر في عمله يوماً.
بينما  يحاول عمرو في معمل الألبسة الجاهزة التهرب من العمل، ويتأخر في أداء مهامه،  محاولاً التملص منها، فيطلب الكثير من الإجازات، وسجله مليءٌ بالغيابات غير المبررة.
 يوماً ما اتفق مدير كل معمل مع عماله أن يكون أجرهم مع المكافآت والحوافز في نهاية العام ، وكان العمال جميعهم ومنهم زيد وعمرو يعملون على أمل أن ينالوا أجراً كبيراً، ومكافآت عظيمة وعدهم بها مُدراؤهم .
 تحدث العمال فيما بينهم عن مشاريع وخطط وآمال يصرفون فيها المال الذي يُدخر لهم.
 وفي نهاية العام ، جمع صاحب معمل الألبسة عماله، وأعطاهم أجورهم مع المكافآت الموعودة، و أخبر عمراً  بأنه قد سامحه على تقصيره في عمله و أنه لم يستثنه من المكافآت والحوافز التي صرفها، بل أعطاه مبلغاً كبيراً لم يكن عمرو يتخيله.
وفي معمل المنتجات البلاستيكية، اجتمع العمال ينتظرون من مُدرائهم الأجور والمكافآت المأمولة، لكن المدراء لم يأتوا، وتركوا لهم رسالة مفادها أنهم لايستطيعون إعطاءهم قرشاً واحداً.
أصيب العمال بالصدمة والذهول، ونظروا إلى العام الذي عملوا فيه، والجهد الذي بذلوه، فوجدوه هباءً منثوراً.

شعرَ زيدٌ حينها بحزن كبير، وجرح عميق، لقد كان مخلصاً محباً دؤوباً نشيطاً أخذ العمل ُكلَّ حياته ووقته، فكيف بعد ذلك  يحرم   أجره ؟
في طريق الرجوع إلى البيت وكالعادة يستقل زيدٌ وسيلة المواصلات مع عمرو، فيلحظ على وجهه علامات الفرح والسرور، وينظر إليه متسائلاً، فيخبره عمرو بما جرى له من مسامحة مديره الكريم له على تقصيره وإعطائه الكثير من المال.
استشاط زيد غضباً، وبدأ باتهام صاحب معمل الألبسة بالظلم والتمييز، فكيف يعطي عامله المقصّر هذا العطاء، ولا يعطي زيداً النشيط الدؤوب شيئاً؟
أجابه عمرو باستغراب شديد: كيف تريد من مدير معملي أن يعطيك أجراً وأنت تعمل لصالح مدير آخر.
زيد: لأنني عامل مخلص وأنت مقصر فكيف يعطيك ولا يعطيني؟
عمرو: هل كنت تعمل لأجل صاحب معمل الألبسة أم لأجل صاحب معمل المنتجات البلاستيكية؟
زيد: بل صاحب المنتجات البلاستيكية.
عمرو: اذهب إليه واتهمه هو بالظلم، لماذا تعمل طيلة العام في معمل ثم تطلب من صاحب معمل آخر أن يعطيك أجرك، هل تعتقد أن هذا الطلب يتوافق مع  العقل ؟
 ويستمر الجدل بين زيد وعمرو إلى يومنا هذا

نسأل – الآن- مَن لا يؤمن بوجود الله “مِن الذين يقومون في حياتهم  بأعمالٍ جيدة”: هل تريدون أجراً من الله على أعمالكم؟
إذا كان من يعمل العمل لا يطلب أجراً عليه من الله، فلماذا تطلبون من الله أن  يعطيكم أجراً،  وإن لم يفعل ذلك وصفتموه بالظلم؟
لسان حال من يحمل الفكر الإلحادي يقول: أنا أحاربكم وأحارب دينكم وعقائدكم وجنتكم وناركم، لكنكم إن قلتم أني لن أدخل الجنة فإنكم ظالمون إقصائيون.

رهان باسكال

رهان باسكال
رهان باسكال
رهان باسكال
ما الخيار الأسلم للاعتقاد بناءً على الاحتمالات الرياضية؟
وهل هذا الإيمان بها يعود لصالحنا أم لا؟
لن نجيب عن هذا السؤال إجابة دينيّة،
وإنّما ستكون الإجابة على لسان فيلسوف رياضي شهير

باسكال: هو بليز باسكال، فيلسوفٌ، وعالم رياضيّاتٍ فرنسيٌّ في القرن السابع عشر.

ورهانه مبنيٌّ على نظرية الاحتمالات النسبية، ويُستخدَم لضرورة الإيمان بوجود الله تعالى من باب المصلحة. 

بيد أنّ هذا الرهان ليس من شأنه إثبات وجود الله تعالى، ولا يُعتمَد عليه في الإيمان، وإنّما يقتصر دوره على حضّ منكري الدين على سلوك سبيل السلامة، بالبحث عن الإله والإيمان به قبل الندامة، فالموت آتٍ لا محالة، وليتفكّر الإنسان بما بعد الموت. ومن خلال هذه النظريّة استنتج باسكال أنّ الخيار الأفضل هو الإيمان بالله؛ لأنّه يقدّم لنا الربح الأكبر.

 وإليك هذا الرهان:

1- إن آمنت بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في الجنة، وهذا ربحٌ لا محدود.

2- إن لم تؤمن بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في جهنّم، وهذه خسارةٌ لا محدودة.

3- إن آمنت بالله وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك، وهذه خسارةٌ محدودةٌ.

4- إن لم تؤمن بالله وكان الله غير موجود فلن تُعاقب، لكنّك ستكون قد عشت حياتك، وهذا ربحٌ محدود.

فالأرباح والخسائر في النقاط 3 و4 محدودةٌ؛ لأنَّ الإنسان سيموت، وفي الرياضيات: أيُّ ربحٍ محدودٍ أو خسارةٍ محدودةٍ يمكن إهمالها عند المقارنة بالأرباح والخسائر غير المحدودة، وهذا هو الحال في الحياة الأبدية بعد الموت. 

وأما الأرباح والخسائر في النقطتين 1 و2 فإنّهما عظيمتان غير محدودتين.

ثمّ استنتج باسكال أنَّ الإيمان بالله هو الخيار الأفضل مقارنةً مع عدم الإيمان به. 

باسكال: هو بليز باسكال، فيلسوفٌ، وعالم رياضيّاتٍ فرنسيٌّ في القرن السابع عشر.

ورهانه مبنيٌّ على نظرية الاحتمالات النسبية، ويُستخدَم لضرورة الإيمان بوجود الله تعالى من باب المصلحة. 

بيد أنّ هذا الرهان ليس من شأنه إثبات وجود الله تعالى، ولا يُعتمَد عليه في الإيمان، وإنّما يقتصر دوره على حضّ منكري الدين على سلوك سبيل السلامة، بالبحث عن الإله والإيمان به قبل الندامة، فالموت آتٍ لا محالة، وليتفكّر الإنسان بما بعد الموت. ومن خلال هذه النظريّة استنتج باسكال أنّ الخيار الأفضل هو الإيمان بالله؛ لأنّه يقدّم لنا الربح الأكبر.

 وإليك هذا الرهان:

1- إن آمنت بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في الجنة، وهذا ربحٌ لا محدود.

2- إن لم تؤمن بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في جهنّم، وهذه خسارةٌ لا محدودة.

3- إن آمنت بالله وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك، وهذه خسارةٌ محدودةٌ.

4- إن لم تؤمن بالله وكان الله غير موجود فلن تُعاقب، لكنّك ستكون قد عشت حياتك، وهذا ربحٌ محدود.

فالأرباح والخسائر في النقاط 3 و4 محدودةٌ؛ لأنَّ الإنسان سيموت، وفي الرياضيات: أيُّ ربحٍ محدودٍ أو خسارةٍ محدودةٍ يمكن إهمالها عند المقارنة بالأرباح والخسائر غير المحدودة، وهذا هو الحال في الحياة الأبدية بعد الموت. 

وأما الأرباح والخسائر في النقطتين 1 و2 فإنّهما عظيمتان غير محدودتين.

ثمّ استنتج باسكال أنَّ الإيمان بالله هو الخيار الأفضل مقارنةً مع عدم الإيمان به. 

دفاع الكلمة

دفاع الكلمة
دفاع الكلمة
دفاع الكلمة
ما المقصود بدفاع الكلمة ؟!
من قال نبينا في حقّه “ما شبّهته يومئذٍ إلا بالجُنّة”؟

في كُتُبِ الرِّجال صحابيٌّ ذو شأنٍ ومكانة، هو شمّاس بن عثمان رضي الله عنه، وشمّاس لقبٌ لعلّه غلب عليه لوجهه الذي كان يسطع كالشمس، فقد كان من أحسن الناس وجهاً.

كان شمّاس من مهاجري الحبشة، كما كان من أوائل المهاجرين إلى المدينة المنوّرة عقب هجرة مصعب بن عمير رضي الله عنهُ إليها.

شهد غزوة بدر، فقد كان كوكباً يتلألأ خلال غبارها، وكتب الله النصر على يده ويد رفاقه الأبرار.

ولمّا كانت معركة أحد، وتخلّى الرماة عن مواقعهم مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومالت الكفّة إلى جانب المشركين، كان شمّاس يقاتل بفدائيةٍ عظيمة، ويسدُّ بإقدامٍ منقطع النظير كلَّ ثغرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرمي ببصره يميناً ولا شمالاً إلّا رأى شمّاساً بذلك الوجه، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يصف شدّة المعركة ودور شمّاس فيها: “ما أوتى من ناحيةٍ إلا وقاني بنفسه” 

ولما ازداد ضغط المعركة، وغشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، راح شمّاس يُتَرِّسهُ بنفسه، وقال عليه الصلاة والسلام يصف فداءه الرائع بعد ذلك: “ما شبّهته يومئذٍ إلا بالجُنّة” (والجُنَّة: هي الوقاية والستر). 

انجلى غبار المعركة عن مكان تزيَّن بالحُمرة لأجل عرسٍ احتشد فيه كوكبةٌ من أماجد الشهداء، وبينهم جريحٌ امتلأ جسمه بالجراح العميقة، إنَّه شمّاس بن عثمان الذي تنبئ ملامح وجهه الباسم الوسيم أنّه كان يحمل في طيّاته أربعة وثلاثين عاماً مفعمةً بالجهاد. 

حُمل شمّاس إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث مكث يوماً وليلة ثمَّ ارتحل إلى بارئه، وأمر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أن يُرَدَّ إلى أُحُدٍ ليكون المكان شاهداً على ما قدّم من روائع البطولات والفداء.

واليوم أيها الأحبّة -والمعركة ما زالت قائمة- من يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعنات الظالمة تُوجَّهُ إليه؟
ومن ينهض اليوم إلى ساحة المعركة دونما حاجةٍ إلى بذل الدماء؟
من سينهض إلى هذه المهمّة بالحوار؟  

 

في كُتُبِ الرِّجال صحابيٌّ ذو شأنٍ ومكانة، هو شمّاس بن عثمان رضي الله عنه، وشمّاس لقبٌ لعلّه غلب عليه لوجهه الذي كان يسطع كالشمس، فقد كان من أحسن الناس وجهاً.

كان شمّاس من مهاجري الحبشة، كما كان من أوائل المهاجرين إلى المدينة المنوّرة عقب هجرة مصعب بن عمير رضي الله عنهُ إليها.

شهد غزوة بدر، فقد كان كوكباً يتلألأ خلال غبارها، وكتب الله النصر على يده ويد رفاقه الأبرار.

ولمّا كانت معركة أحد، وتخلّى الرماة عن مواقعهم مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومالت الكفّة إلى جانب المشركين، كان شمّاس يقاتل بفدائيةٍ عظيمة، ويسدُّ بإقدامٍ منقطع النظير كلَّ ثغرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرمي ببصره يميناً ولا شمالاً إلّا رأى شمّاساً بذلك الوجه، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يصف شدّة المعركة ودور شمّاس فيها: “ما أوتى من ناحيةٍ إلا وقاني بنفسه” 

ولما ازداد ضغط المعركة، وغشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، راح شمّاس يُتَرِّسهُ بنفسه، وقال عليه الصلاة والسلام يصف فداءه الرائع بعد ذلك: “ما شبّهته يومئذٍ إلا بالجُنّة” (والجُنَّة: هي الوقاية والستر). 

انجلى غبار المعركة عن مكان تزيَّن بالحُمرة لأجل عرسٍ احتشد فيه كوكبةٌ من أماجد الشهداء، وبينهم جريحٌ امتلأ جسمه بالجراح العميقة، إنَّه شمّاس بن عثمان الذي تنبئ ملامح وجهه الباسم الوسيم أنّه كان يحمل في طيّاته أربعة وثلاثين عاماً مفعمةً بالجهاد. 

حُمل شمّاس إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث مكث يوماً وليلة ثمَّ ارتحل إلى بارئه، وأمر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أن يُرَدَّ إلى أُحُدٍ ليكون المكان شاهداً على ما قدّم من روائع البطولات والفداء.

واليوم أيها الأحبّة -والمعركة ما زالت قائمة- من يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعنات الظالمة تُوجَّهُ إليه؟
ومن ينهض اليوم إلى ساحة المعركة دونما حاجةٍ إلى بذل الدماء؟
من سينهض إلى هذه المهمّة بالحوار؟  

في أي دين نتحاور؟

في أي دين نتحاور
في أي دين نتحاور
في أي دين نتحاور
لماذا نتحاور؟
هل ما نراه في الإعلام هو صورة الدين الحقيقية؟
ما علاقة الدين بجهل وتخلف المسلمين اليوم؟

لم نُعِدَّ هذا المشروع للحوار في مذهب خاصّ، ولا في فكر محدّد، ولا في حزب إسلامي، أو إسلام سياسي، ولا للدعوة إلى جماعةٍ معيّنةٍ، أو لإحياء عاداتٍ وتقاليد …وإنّما حوارنا لإظهار دين الله الذي أنزله على محمّد صلّى الله عليه وسلّم، سليماً صافياً، والدلالة على وحدانيّة الله تعالى وكمال صفاته، وبيان الواجبات والممنوعات التي لا خلاف عليها في الإسلام، وغايتنا ردّ الشبهات، وإزالة الشكوك، والإجابة على الأسئلة والاستفسارات التي تدور في أذهان الكثيرين حول ديننا الحنيف…

إنّ أعداء الإسلام قد صوروه بمظهر رجل متزمّت، ذي أفكار متخلّفةٍ متناقضةٍ، أو بصورة فظٍّ غليظ، وربما مجموعةٍ إرهابيّةٍ تستبيح القتل والدماء… فإنّ هذه الصور كلُّها لا تمتّ إلى الدين بصلة، إنّما هي مرآة تعكس تصوّر أصحابها وطرائق تفكيرهم.

أمّا إسلامنا الحقيقي في صورته النقية،  فقد جاء بحقائق تنقض الأوهام، وتأمر بالعلم فيترفّع المسلم به عن مهاوي الجهل, وتحضّ على تزكية النفس؛ فتطهر من الرذائل، والصفات الذميمة، وهذان الأمران: (العلم، وتزكية النفس) هما المهمّة الأساسيّة التي جاء بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وعنهما قال تعالى: {{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}} [الجمعة: 2].

الدين الذي نحاور فيه هو الدين الحقيقي الذي جاء بالعلم والمعرفة، والحكمة والرقيّ والأخلاق، الدين الذي أقام حضارةً دامت ألف عامٍ ساد فيها العدل والرخاء، وقدّمت للإنسانيّة نماذج علميّة راقية.

ولا علاقة للدين بتصرّفات بعض المسلمين وسلوكياتهم المخالفة للشرع، وإن كانوا في القرون الأولى من ظهوره. فما فعله يزيد بن معاوية من حربٍ و قتلٍ  في المدينة ليس من الدين في شيء، بل إنّه يصادم الشرع الذي أنزله الله تعالى، وما فعله الحجّاج بن يوسف الثقفي من ظلمٍ وجورٍ فإنه هو مَن سيحمل وزره. وكذلك ما تفعله الفئات الجاهلة وأدعياء الإسلام اليوم من تصرّفاتٍ متطرّفة فإنَّ جميعها لا ينطلق من باعثٍ إيمانيّ، أو توجيه قرآنيّ أو نبويّ حكيمين.

ولا علاقة للدين بتخلّف المسلمين اليوم وجهلهم. فلا يكفي أن يسمَّى المرء مسلماً ما لم يطبّق تعاليم دينه السامية؛ لذلك لم يجعل الدين أحداً من الناس حجّةً إلا الأنبياء الذين اصطفاهم الله وزكاهم وكمّلهم. 

وحتى يكون تفكيرنا سديداً، فلابد أن نبحث في المبادئ التي جاء بها الدين، دون ربطه بتصرّفات المسلمين وأحوالهم، ومن لم يستطع أن يفرّق بين حقيقة الإسلام، وفعل المسلمين وأحوالهم فعليه أن يدرس المنطق قبل أن يحاور.

إن الدين الذي نحاور فيه هو الذي نرتجي فيه السلامة في الدنيا والآخرة، وهو الذي سيكون حجّتنا يوم القيامة، وبه ننجو عند الله تعالى، قال تعالى: {{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}} [آل عمران: 185]

لم نُعِدَّ هذا المشروع للحوار في مذهب خاصّ، ولا في فكر محدّد، ولا في حزب إسلامي، أو إسلام سياسي، ولا للدعوة إلى جماعةٍ معيّنةٍ، أو لإحياء عاداتٍ وتقاليد …وإنّما حوارنا لإظهار دين الله الذي أنزله على محمّد صلّى الله عليه وسلّم، سليماً صافياً، والدلالة على وحدانيّة الله تعالى وكمال صفاته، وبيان الواجبات والممنوعات التي لا خلاف عليها في الإسلام، وغايتنا ردّ الشبهات، وإزالة الشكوك، والإجابة على الأسئلة والاستفسارات التي تدور في أذهان الكثيرين حول ديننا الحنيف…

إنّ أعداء الإسلام قد صوروه بمظهر رجل متزمّت، ذي أفكار متخلّفةٍ متناقضةٍ، أو بصورة فظٍّ غليظ، وربما مجموعةٍ إرهابيّةٍ تستبيح القتل والدماء… فإنّ هذه الصور كلُّها لا تمتّ إلى الدين بصلة، إنّما هي مرآة تعكس تصوّر أصحابها وطرائق تفكيرهم.

أمّا إسلامنا الحقيقي في صورته النقية،  فقد جاء بحقائق تنقض الأوهام، وتأمر بالعلم فيترفّع المسلم به عن مهاوي الجهل, وتحضّ على تزكية النفس؛ فتطهر من الرذائل، والصفات الذميمة، وهذان الأمران: (العلم، وتزكية النفس) هما المهمّة الأساسيّة التي جاء بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وعنهما قال تعالى: {{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}} [الجمعة: 2].

الدين الذي نحاور فيه هو الدين الحقيقي الذي جاء بالعلم والمعرفة، والحكمة والرقيّ والأخلاق، الدين الذي أقام حضارةً دامت ألف عامٍ ساد فيها العدل والرخاء، وقدّمت للإنسانيّة نماذج علميّة راقية.

ولا علاقة للدين بتصرّفات بعض المسلمين وسلوكياتهم المخالفة للشرع، وإن كانوا في القرون الأولى من ظهوره. فما فعله يزيد بن معاوية من حربٍ و قتلٍ  في المدينة ليس من الدين في شيء، بل إنّه يصادم الشرع الذي أنزله الله تعالى، وما فعله الحجّاج بن يوسف الثقفي من ظلمٍ وجورٍ فإنه هو مَن سيحمل وزره. وكذلك ما تفعله الفئات الجاهلة وأدعياء الإسلام اليوم من تصرّفاتٍ متطرّفة فإنَّ جميعها لا ينطلق من باعثٍ إيمانيّ، أو توجيه قرآنيّ أو نبويّ حكيمين.

ولا علاقة للدين بتخلّف المسلمين اليوم وجهلهم. فلا يكفي أن يسمَّى المرء مسلماً ما لم يطبّق تعاليم دينه السامية؛ لذلك لم يجعل الدين أحداً من الناس حجّةً إلا الأنبياء الذين اصطفاهم الله وزكاهم وكمّلهم. 

وحتى يكون تفكيرنا سديداً، فلابد أن نبحث في المبادئ التي جاء بها الدين، دون ربطه بتصرّفات المسلمين وأحوالهم، ومن لم يستطع أن يفرّق بين حقيقة الإسلام، وفعل المسلمين وأحوالهم فعليه أن يدرس المنطق قبل أن يحاور.

إن الدين الذي نحاور فيه هو الذي نرتجي فيه السلامة في الدنيا والآخرة، وهو الذي سيكون حجّتنا يوم القيامة، وبه ننجو عند الله تعالى، قال تعالى: {{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}} [آل عمران: 185]