هو يختار ويحاسبه

Loading

كيف يهدي الله أشخاصاً ولا يهدي آخرين, ثُمَّ يحاسبهم على ذلك!

وضع الله تعالى كتابه دستوراً للعباد, وإرشاداً إلى أصحِّ الطرق التي يجب على العبد اتّباعها حتى يسعدَ في الدنيا والآخرة, ولا يكون ذلك إلا عند الاستمساك بهذا النور والعمل بما جاء به.

 وجاء في القرآن الكريم بيانٌ للتَّكاليف التي كلَّفَ الله تعالى بها العباد وما أمرهم به, وفيه عدله تبارك وتعالى في محاسبة الناس بناءً على ما قاموا به, وقد رزقهم الإرادة والمشيئة في الاختيار, قال تبارك وتعالى في سورة غافر: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾]غافر17[, وهذا تمام العدل الذي يتَّصف به سبحانه.

ولقد عبَّد الله تعالى طريق الهداية والوصول إليه للبشر كافَّة, وأيَّدَ ذلك بإرسال الرسل والأنبياء للدّلالة على الحقِّ ببراهين واضحةٍ ومعجزاتٍ خالدةٍ لا يُنكرها إلَّا فاسد القلب والعقل, وأضاف إلى ذلك الكتب السماويَّة الإرشاديَّة لحياة العبد التي ما فرَّطَ بها من شيء, ثمَّ فتح أمام العبد باب الاختيار بين طريقي الخير والشِّرِّ بعد أن صارا واضحين له, ولم يُبقِ لهم الحجَّة عليه أبداً. لكنَّ علمَ الله كاشفٌ فهو يعلمُ اختيار العبد قبل أن يختار, قال تعالى في سورة الصافَّات: ﴿واللهُ خَلَقَكَمْ وَمَاْ تَعْمَلُونَ﴾.

 لكنَّه جلَّ جلاله لا يحاسب العبد على علمه به, فهذا العلم ليس لِزاماً على العبد, وليس مسيَّراً به, بل هو يختاره بكامل حريَّته وإرادته مع علم الله السابق لاختياره.

وصِفَةُ العلم ثابتةٌ لله تعالى, يقول جلَّ جلاله في مُحكَم تنزيله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. وهي صفةٌ أزليَّةٌ قائمةٌ بذاته تعالى, متعلِّقةٌ بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات على وجه الإحاطة على ما هي عليه من غير سبق خفاء, ويعلمُ الله من الأزل أنَّ هذا العبد سيختار طريق الهداية والخير أو طريق الضلال والشَّرِّ, فإنَّه جلَّ جلاله لا يسخِّرُ الطريق لشخصٍ ويمنعه عن آخر جبراً وقسراً, فصفةُ علم الله كاشفةٌ وليست مُؤثِّرة, لكنَّ مشيئة العبد تتعلَّق بمشيئة الله وسابق علمه, قال تعالى في سورة التكوير: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾]التكوير29[.

وإرادة الله تعالى مرتبطةٌ بالعلم, ولقد علم جلَّ جلاله أنَّ أبا لهبٍ لن يؤمن باختياره المطلق مع وصول سُبل الهداية إليه, ولم يُرد له الإيمان بناءً على ذلك, فكفر أبي لهب غير مأمورٍ لله, وغير مرضيٍّ له, وهو مرادٌ له.

ولا يرضى الله عزَّ وجلَّ لعباده إلا الهدى, فكفر الكافر غير مرضيٍّ له, ولو أسلم لكان مرضياً ومراداً له, ولكن لعلم الله أنَّه لن يؤمن فلم يُرد له الإيمان نتيجةً لاختياره للكفر.

ختاماً:

يُحاسب الله تعالى العبيد على اختياراتهم وأعمالهم بعد تقديم الدليل الإرشاديِّ لهم, وبعد تبيين طريق الخير وسبل السير فيه, وطريق الشرِّ وسبل الابتعاد عنه واجتنابه, وبناءً على اختياراتهم يحاسبهم بكمال عدله, وإن أراد عاملَهم وحاسبَهم برحمته, وهذا مزيدُ كرمٍ منه سبحانه وتعالى.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *