مع رجالات خوار -محمد الغزالي- مستطيل

انتشار الإسلام

Loading

إذا كان هدف الفتوحات الإسلامية إكراه الناس على دخول الإسلام بحد السيف، فقد فشل فشلاً ذريعاً، أما إذا كان الهدف فسح المجال لرؤية حقائق الإسلام فقد نجح الإسلام بذلك نجاحاً بيِّناً

ظهر خلال هذا القرن الزعيم الألماني ((هتلر)) يزعم أن الدم الآريّ أرقى من غيره، وهذا الكلام خرافيٌ لا وزن له.

إنَّ بني آدم من ناحية الخلقة يستوون في أنّهم نفخةٌ من روح الله الأعلى حلّت في إهابٍ من تراب هذه الأرض، فالبشر كلُّهم ينمّيهم أصلٌ واحدٌ، ويجمعهم نسبٌ مشتركٌ، لا فروق بين أبيض أو أسود.

البعض يتشبَّث بهذه الأوهام لأنّها رجَّحت كفَّته دون جهد، ومنحته شرفاً جعله –دون حركة– يسبق النَّاشطين، إنَّه لشيءٌ ظريف أن يُحسب المرء سيِّداً لأنَّه تكوَّن في بطنٍ معيّن، ونشأ النَّاس من ماءٍ مهين، أما هو فمن ماءٍ شريف.

إنَّه-مع احترامنا لقوانين الوراثة- نقرِّر أنَّ الوراثة لا تُنشئ عظمةً ولا تُكسب نجاحاَ، فهناك أنبياء من أصلابٍ كافرةٍ، وهناك فجَّارٌّ من أصلاب أنبياء، وقد كان أبو الطَّيب شاعراً مُفلِّقاً من أبٍ لا يعرف شعراً و لا نثراً، وكان أبو العلاء فيلسوفاً متشائماً من أبٍ لا يدري شيئاً عن  الفلسفة.

ثمَّ إنَّ روافد الوراثة غامضةُ المنبع والكُنه في أبناء الجيل الواحد، فكيف إذا تكاثرت الأجيال؟

إنَّ القول بأنَّ جنساً ما ذكيٌّ بأصل الخلقة، وجنساً آخر غبيٌّ بأصل الخلقة قولٌ فيه ادعاءٌ ظاهرٌ، إنَّ ظروف البيئة هي التي تصنع الأعاجيب، وهي التي تنمِّي المواهب أو تقتلها، بل هي التي تُحيي الفطرة أو تميتها.

والجنس الأبيض الذي يعمر غرب أوربا وشمالها، والذي يرفض وصايته على العالم كله، كان أياماً طوالاً يشتهر بالغباوة والانحطاط، وقد نقلنا في كتابنا ((مع الله)) كلام المستشرق “فيليب حتي” عن تأخر الأوربيين الحضاري وتفوُّق عرب الأندلس عليهم، ويدلُّنا على موقف العرب حيال برابرة الشمال وهكذا كان آباؤنا يسمُّون سكان أوربا.

والعالم اليوم ينظر إلى هزائم العرب أمام اليهود، ويبتسم ساخراً، وقد كان آباء أولئك المهزومين يحتقرون الجبن اليهودي ويبرؤون منه، ويقولون لنبيِّهم في أول قتالٍ له مع الوثنية: لا نقول لك ما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنَّا ها هنا قاعدون.

بل اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون، إن خُضتَ بنا هذا البحر لخضناه معك، ما يتخلَّف منَّا أحدٌ.

إنَّ الإسلام بين أفراد وأجناس يصنعون يومهم وغدهم بأنفسهم، وهم في سباقٍ مفتوحٍ يتقدَّم فيه من شاء ويتأخَّر فيه من شاء لا دخل للون أو عرق، فقد يسبق الأسود في الدنيا والآخرة، أو يقع العكس.

وجاء في السُّنَّة أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نبَّه قومه: ((لا يأتيني النَّاس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم))، وقال: ((من أبطأ به عملُه لم يُسرع به نسبه)).

ومع كثرة ما نبَّه الإسلام إلى مبدأ: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))[الحجرات13]، لوحظ أنَّ العرب يُغالون مغالاةً مُنكرةً بالأنساب، ويجعلونها محور تقدير جائرٍ وعصبيَّاتٍ عمياء. فقد فرضت تقاليد البدو نفسَها على المجتمع العربي، بل على جانبٍ من الفقه الإسلامي، فإذا عددٌ كبيرٌ من رجال الفقه يرون أنَّ الهاشميَّة لا يكافئها عربيٌّ عاديٌّ، وأنَّ العربية لا يكافئُها أعجميٌّ، وحَكَمَ القضاء الشرعي بتطليق فتاةٍ من أسرةٍ شريفةٍ تزوَّجت بالشيخ علي يوسف محرِّر صحيفة ((المؤيد)) المشهورة.

أمَّا حديث الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه و مروءته فزوِّجوه، إلَّا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير)) فقد وضع على الرَّف. وكما تسلَّلت هذه التقاليد إلى ميدان الفقه تسلَّلت إلى ميدان الحكم والسياسة.

وعندما يُبحث سبب فساد المجتمع الإسلامي وانهيار الحضارة الإسلامية عموماً، فستكون هذه الجاهليَّات من أبرز العلل.

وإلى يوم الناس هذا لا تزال الكفاءة الشَّخصيَّة تؤخَّر أمام مكانة العائلة وقيمة النَّسب.

ذلك في وقت يشيع في أرجاء العالم تنافسٌ لا حدود له في البحث العلمي والإنتاج الغزير، وتجويد السلع، وكشف المجهول، ومراقبة الخصوم، وكشف الأصدقاء، إنَّه تنافسٌ ترتبط به مصائر أممٍ ومستقبل رسالات، ترى ما موقفنا؟

جاء في السُّنَّة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً ألا إنِّي جعلت نسباً وجعلتم نسبأ، جعلت أكرمكم عند الله أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان خيرٌ من فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون)).

والحمد لله رب العالمين

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *