موت الأطفال

Loading

يطرح بعضهم هذا السؤال ويعدّه إشكالاً.
فإن كان السائل مؤمناً بالله تعالى، فالجواب:

 إنّ من معاني العبوديّة لله أن نثبت له جميع صفات الكمال، وأنَّه تعالى لم يفعل شيئاً عبثاً، وقد تغيب عنّا الحكمة لكنّ عَجْزَنا عن إدراكها لا يعني عدم وجودها، فمن القواعد المنطقيّة: (إنّ عدم الوجدان لا يلزم منه عدم الوجود).
وليس من نهج المسلم عدم التسليم لقضاء الله إلّا أن يتبيّن الدّليل، فالله تعالى خالق الأكوان، ويتصرّف في ملكه ما يشاء، ولا يسأله أحدٌ عن أفعاله، قال تعالى: ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) [الأنبياء: 23]
بل إنَّ هذا القانون قائمٌ عند قادة البشر وسلاطينهم، فهل يحقّ لرجلٍ من الرعايا أن يسأل مَلِكاً عن تصرّفاته؟
وإذا أصدر قائد جيشٍ أمراً عسكريّاً، فهل يحقّ لجنديٍّ من جنوده أن يسأله عن الغاية والحكمة؟
فإذا كان نظام البشر قد اتّفق على قبح مثل هذا السؤال للسلاطين والأمراء والقوّاد، وأنّ السائل يستحقّ بذلك العقوبة؛ لأنّه يخلُّ بمقام ذوي المناصب والجاه، وهم بشر لم يمتازوا عن الناس بشيءٍ من حيث الجوهر والذات والقدرة، فلم يخلقوا رعاياهم، ولا يستطيعون أن يردّوا الضرّ عن أنفسهم، ولا أن يجلبوا لها النفع، فكيف يصدر مثل هذا السؤال من المخلوق الضعيف إلى خالق السموات والأرض الملك العظيم الذي تخضع له رقاب الجبابرة، وتخشاه الملائكة المقربون!
ومع هذا فإنَّ نصوص الشريعة وقواعدها تبيّن لنا وجهاً من الحكمة في موت الطفل قبل التكليف، وذلك من جهتين، جهة آباء الأطفال، وجهة الأطفال أنفسهم.
أمّا آباء الأطفال: فموت أولادهم نوعٌ من أنواع الاختبار على البلاء في هذه الدنيا، لإظهار حقائق إيمانهم، ودرجة الصبر والرضا والإيمان بقضاء الله وقدره لديهم، قال تعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)) [البقرة: 155 – 157]
ومن معاني الابتلاء بالثمرات: (موت الأولاد؛ لأنَّ ولد الرجل ثمرة قلبه) [الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعالبي: (2/ 22)]
فإذا صبروا واحتسبوا نالوا أرفع الدرجات وأعظم الرحمات وكانوا من المهتدين، وبنى الله لهم قصوراً في الجنان كما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسمّوه بيت الحمد)) [الترمذي وأحمد، واللفظ للترمذي].
وإذا لم يصبروا فيكون قد مرّ عليهم نوعٌ من أنواع الاختبار والابتلاء الذي خُلِقَت الدنيا لأجله، قال تعالى: ((الذِيْ خَلَقَ الموتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلَاً)) [الملك: 2]
وقد فاتهم فضل الصبر، وظهرت حقائقهم.
أمَّا من جهة الطفل: فإنّ الله إذا برأ نسمةً وجعل فيها الحياة فإنّ روحه لا تموت أبداً، بل يبعث الله هذا الطفل يوم القيامة، ويدخل الجنّة دون حساب؛ لأنَّه مات قبل سنّ التكليف، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: ((أنّه عليه الصلاة والسلام رأى مع إبراهيم عليه السلام أولادَ المسلمين وأولاد المشركين)) [أخرجه البخاري] أي رآهم في الجنة.
وفي كلتا الجهتين فإنّ موت الطفل قبل سنّ التكليف يكون لصالحه وصالح أبويه إذا صبروا.
أمّا إذا كان المعترض غير مؤمنٍ بالله تعالى، ونسب تصاريف الكون إلى الطبيعة، فنقول له: إنّ هذه جزئيّة صغيرةٌ لا تصلح موضعاً للنقاش مع إنكار الكلّيّات الكبرى، وهي الإيمان بالله تعالى، وإنَّ إنكار وجود خالقٍ للكون، وإدخال النفس في دوّامة الصُّدَف والعبثيّة ليس أمراً منطقيّاً، ولا تزول هذه الأسئلة والإشكالات إلّا بالإيمان بخالقٍ عظيمٍ بيده تصاريف الأكوان، وأنَّه يسيِّرُها بمنتهى الحكمة.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *