مع رجالات الحوار (1)

من كتاب 100 سؤال عن الإسلام – الغزالي

الشعور عامٌّ بأنّ الأمّة الإسلاميّة تعاني من عللٍ معقّدةٍ، ومُعضلاتٍ اجتماعيةٍ كثيرةٍ، ولا يزعم عاقلٌ أنَّ هذه الحالة تدلُّ على عافيةِ وسلامةِ الأوضاع.

نظرت يوماً في برنامجِ رجلٍ يدَّعي الإصلاح، كان شيوعياً يستر نفسه بعناوين مزورّة، فقلت: تجربةٌ فاشلة! فسألني سائلٌ: لماذا؟ فقلت هل يمكن أن يُزرع الشَّاي في الشَّرق الأوسط؟ لا، لا التُّربة تقبل البذر، ولا الجوُّ يعين على النمو، إنَّه جهدٌ ضائعٌ! قال: إنَّ الجيش معه، والصحافة معه، و… ، قلت: لو كان كلُّ شيءٍ معه فالتجربة فاشلةٌ، قد يملك الأجسامَ ولكنَّه لن يملك القلوب.

إنَّ هذه الأمَّة الإسلاميَّة لا تصلح إلا بالدِّين وحده، بعد استبعاد الخرافات الملصقة به.

إنَّ أمَّتنا بطبيعتها سوف تستعصي على كل حلٍّ غير إسلاميٍّ، وسوف تُبذَلُ المحاولات الدَّامية لإكراهها على تجرُّع أدويةٍ لا تريدها، وسوف تتبدَّد الطّاقة _طاقة الشعب والدولة معاً_ بين الأخذ والرد.

وهنا حقيقتان تحتاجان للشَّرح: الأولى أنَّ الإسلام هو صدى الفطرة الإنسانية، وخلاصة ما قال النبيُّون كلُّهم لكبح جماح البشرية وهداية العالم إلى ربّه الواحد: ((مَا يقال لكَ إلَّا مَا قد قِيلَ للرُسُلِ مِن قَبلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مّغفِرَةٍ وَ ذُو عِقابٍ أَلِيم))[فصلت 43].

 فإذا كان الإسلام رسالةً لإصلاح العالم بوحي اللّه، فكيف يعجز عن إصلاح الأمَّة التي حملته وبلَّغته؟

والحقيقة الثانية أنَّ العرب ما دخلوا التَّاريخ إلا بهذا الدين، وما عُرفت لهم حضارةٌ، ولا تمَّت لهم قيادةٌ، ولا تحقَّقت لهم سيادةٌ إلا تحت راية الإسلام، فكيف تُكلِّف أمَّةً بنسيان تاريخها وحضارتها وشخصيَّتها؟ إنَّ هذا تكليفٌ لها بالانتحار!

إنَّ العرب لا يصلحون إلّا بالإسلام وحده! هو الذي أذهب جاهليَّتهم وأخرجهم من الظّلمات إلى النور، والمرء قد يعرض له ذهولٌ فيكبو، ثم يفيق فيبصر الطّريق كما قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ اتّقَوا إِذَا مسَّهُم طَائِفٌ مِنَ الشَيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبصِرُون)) [الأعراف:201]، وهذا هو حال العرب، قد يفقدون رشدهم ويفسدهم التّرف والبطر، ثم تصحوا ضمائرهم فيتوبون.

واليوم نريد أن ننفض تراب الهزيمة عنّا وأن نستأنف مسيرتنا كما كنّا….أعني كما كان سلفنا الأوائل الكبار، ولابدَّ لذلك من عناصر معيَّنةٍ لا يصنعها إلا الإسلام.

نريد العاملين الذين يرقبون اللّه في الخلوات، نريد أساتذةً وطلاباً يَسعدون بالمعرفة، ويرون الدراسة عبادةً، نريد زرّاعاً وصنَّاعاً وتجَّاراً يُنمُّون اقتصادَ أمَّتهم كما يُنمُّون ثرواتهم، ويدركون أنَّ الجهاد المالي صِنوُ الجهاد النفسيّ، نريد أُناساً يحافظون على المال العامّ، ويشعرون بحقِّ اللّه فيه.

إنَّ الإٍسلام وحده هو صانع هذه العناصر التي لا تتمُّ لنا حياةٌ إلا بها، والأمر كما قال اللّه تعالى: ((إِنَّ اللّه لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم))[الرعد11].

ربما استطاعت أممٌ أخرى أن تعيش قصيراً أو طويلاً وفق فلسفاتٍ ماديّةٍ أو خَلقيَّةٍ لا صلة لها بالسَّماء! لكنَّ أمَّتنا تُحوِّل مزاجها وكيانها إلى جهازٍ فريدٍ لا يدور فيه إلا مفتاحٌ واحدٌ وهو مفتاح الإسلام، وستذهب جميع المحاولات الأخرى سدىً لامحالة.

إنَّ الحلَّ الإسلاميَّ لا يحتاج إلى عبقريةٍ في تصوُّره وتصويره، لأنّه سهل المأخذ من مصادر الإسلام المعصومة، والواقع أنّ العوائق دون تحكيم الإسلام خَلقيةٌ لا علميّة، وأنَّ الحلَّ الإسلاميُّ يعرفه أهل الذّكر ولكنَّ إبعادَهم مقصودٌ مرسومٌ له.

إنَّ الإسلام غريبٌ في هذا الجو الآسن الكريه، والحلُّ الإسلاميُّ لا يؤخذ من أفواه الجهَّال والكَذَبة.

تلخيص: أحمد البردان

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *