السنة النبوية-تويتر

الجواب على هذا السؤال يتألّف من شقّين: 

شقٌّ يتعلّق بطبيعة السُّنّة المطهّرة خصوصاً، والدين الإسلاميّ عموماً.

وشقٌّ يتعلّق بمن يثير هذه الشبهات.

أمّا الجواب على الشقّ الأوّل:

 فإنّ الشُّبَه تثار حول السُّنَّة النبويّة لسببين عامّين:

السبب الأوّل: لأنّ السنّة النبويّة أعظم أصلٍ في الدين بعد القرآن الكريم، فإذا طعنوا بهذا الأصل هان عليهم هدم الدين من أصله، واستطاعوا تغيير معاني القرآن الكريم.

فالأحاديث النبويّة هي السياج الذي يصون تفسير القرآن الكريم من التغيير والتزوير، حيث تقف هذه الأحاديث حجر عثرة أمام الذين يحاولون تغيير الدين وتزويره باسم القراءة المعاصرة ونحوها؛ لأنّ المعاني الشرعيّة والأحكام التكليفيّة التي ترد في القرآن الكريم لا يمكن تفسيرها إلاّ عن طريق السنّة النبويّة كما أجمع العلماء على ذلك، فألفاظ الكتاب والسُّنَّة تحمل ثلاثة أنواع من المعاني، وهي: المعاني الشرعيّة، والمعاني العرفيّة، والمعاني اللغوّية، وإنّ تفسير الأحكام التكليفيّة في القرآن الكريم على مراد الله تعالى يُحمَل على المعاني الشرعيّة حصراً، وإنّ المصدر الوحيد الذي يحدّد المعاني الشرعيّة التي جاء بها القرآن الكريم هو السنّة النبويّة؛ فهي التي توضّح نصوص الشريعة وتبّين مُجمَلَها، وتفصّل أحكامها بدقّة.

وكذلك فإنّ السُّنَّة النبويّة تستقلّ في كثيرٍ من الأحكام الشرعيّة، وهي أيضاً منهجٌ علميٌّ وعمليٌّ عظيمٌ في الإصلاح والرقيِّ بالمجتمع، وقد شهد المستشرقون أنفسهم بذلك. 

قال المستشرق الفرنسي د. وايل في كتابه (تاريخ الخلفاء): «إنّ محمّداً يستحقّ كلّ إعجابنا وتقديرنا كمصلحٍ عظيمٍ، بل ويستحقّ أن يُطلَق عليه لقب (نبيّ) ولا نصغي إلى أقوال المغرضين وآراء المتعصّبين، فإنّ محمّداً عظيمٌ في دينه وفي شخصيّته». 

وقالت الباحثة البريطانيّة المتخصّصة في الأديان كارين أرمسترونج في مقدّمة كتابها (سيرة النبيّ محمّد):

«تُكوّن الأحاديث النبويّة مع القرآن أصول الشريعة الإسلاميّة، كما أصبحت أيضاً أساساً للحياة اليوميّة والروحيّة لكلّ مسلم، فقد علّمت السُّنَّة المسلمين محاكاة أسلوب محمّد في الكلام والأكل والحبّ والاغتسال والعبادة، لدرجة يعيدون معها إنتاج حياة محمّد على الأرض في أدقّ تفاصيل حياتهم اليوميّة بأسلوب واقعيّ».

السبب الثاني: لأنّ الإسلام دينٌ عظيمٌ في تشريعه وتأثيره: فالإسلام رسالة الله في الأرض، وله تأثيرٌ كبيرٌ في النفوس، وهو أكثر الأديان جاذبيةً واستقطاباً للأتباع، لذا فزع الغرب منه، لأنّه إذا ظهرت حقيقته للعالم فسيعارض مصالحهم، ويبطل مخطَّطاتهم التي رسموها في استعباد الأمم والشعوب، ونَهبِ خيراتها، ويقضي على الرأسماليّة، ويحرّم عليهم صناعة الموت والتجارة بالأسلحة والدماء، لأنّه دين العدالة والحقّ والأخلاق.

قال المستشرق البريطاني هاملتون جب في كتابه: (دراسات في حضارة الإسلام): «إنّ التعاليم الاجتماعيّة التي جاء بها محمّد في أساسها إعادةٌ لإحقاق المبادئ الأخلاقيّة التي تشترك فيها ديانات التوحيد، فازداد ترسيخ معنى الأخوّة، ممّا جعل الجميع سواسيةً من حيث القيمة الشخصيّة الفطريّة، دون النظر إلى مكانتهم الدنيويّة ووظائفهم وثرواتهم». 

لذا فقد حاولوا تشويهه والطَّعن فيه بشتّى الأساليب، ومن أعظم مفاصل هذا الدين وأصوله السُّنَّة النبويّة، فكانت الأحاديث النبويّة غرضاً يصوّبون سهام الحقد نحوه.

 فما الذي يُرعِب الغرب من هذا الدّين ويجعلهم يبذلون الأموال الطائلة في محاربته وتشويهه، ويعقدون المؤتمرات ويعدّون المخطّطات في تقويضه لولا عظمتُه وكماله.

يقول عالم الأديان السويسري هانزوكونغ: «إنّ ما يمكن أن يسمعه المرء أو يقرأه عن الإسلام في وسائل الإعلام الغربيّة، وما يقوله المثقّفون عنه أمرٌ مزعجٌ ومخيفٌ بمعنىً مزدوج، أوّلاً: بسبب الاعوجاج والأحكام المغلوطة التي تتكشّف في هذه العقول، وثانياً: بسبب الطَّريقة المخيفة والخبيثة التي تُلقى بها الأحكام عن الإسلام وعن رسوله الكريم».

فقد أقام الغرب مؤسّساتٍ متخصّصةً بدراسة الإسلام والطعن فيه، مع أنّ المسلمين اليوم أهون الأمم وأضعفها على وجه الأرض، فلماذا يهدر الغربيُّون طاقاتهم وأموالهم في محاربة هؤلاء المسلمين الذين لا يقيمون لهم وزناً لولا عظمة الدين الذي يدينون به؟

الشقّ الثاني: وهو يتعلّق بمن يثير الشبهات:

يكفي لمعرفة حقيقة الطاعنين بالسنّة النبويّة بأنّ أوّل من تناول الطعن بالحديث النبويّ هو المستشرق اليهودي: (جولد تسهير) في كتابه (دراسات إسلاميّة) وجاء بحججٍ واهيةٍ، وتناقضاتٍ علميّةٍ بيّنةٍ في الطعن بالقرآن والسُّنَّة والتشريع الإسلاميّ، ثمّ جاء المستشرقون والكُتّاب الذين أرادوا أن يطعنوا في السُّنَّة النبويّة فأخذوا منه هذه المغالطات، ورصفوها بعباراتٍ رنّانةٍ، خاطبوا فيها العواطف، واستغلّوا سطحيّة بعض المتلقّين لنشر أفكارهم، وتلقّي كتاباتهم بالقبول .

ولا عجب أن نجد مستشرقاً يهوديّاً قد كُلّف بمهمّة الطعن في الدين الإسلامي عامّة والسُّنَّة النبويّة خاصّة، وقد أُوكِلَت إليه هذه الوظيفة مقابل امتيازاتٍ يتلقّاها من ساسة الغرب، فهذا من أنواع الإفساد الممزوج بدماء الحاقدين من اليهود منذ القِدَم.

فالطعن في السُّنَّة النبويّة عند هؤلاء غير قائمٍ على الأدلّة والبراهين العلميّة، وإنّما هو نوعٌ من أنواع الحروب الفكريّة والكيد للإسلام؛ وإذا قارنّا تلك الدراسات والطعون بالمنهج العلميِّ الدقيق الذي سلكه المحدّثون نجد التخبّط العلمي والمغالطات المنهجيّة عند هؤلاء الطاعنين، حيث لا يوجد وجهٌ للمقارنة بين دراسة المستشرقين والطاعنين، والمنهجيّة العلميّة التي سار عليها علماء الحديث حتّى إنّ بعض المستشرقين المنصفين أعجبوا بمنهجيّة العلماء في دراسة الحديث وعلم الرجال، وأقرّوا بأنّ هذا المنهج الدقيق في علم الحديث قد تفرّد به علماء المسلمين دون غيرهم.

قال المستشرق الإنكليزي برنارد لويس في كتابه (الإسلام في التاريخ): «في وقتٍ مبكّرٍ أدرك علماء الإسلام خطر الشهادات الكاذبة والمذاهب الفاسدة، فوضعوا علماً لانتقاد الأحاديث والتراث وهو علم الحديث كما كان يُدعى…ففي حين أثبتت الدراسات الحديثة اختلافاً دائماً في تقييم صحّة ودقّة السرد القديمة، نجد أن الفحص الدقيق له (أي لعلم الحديث) باعتنائه بسلاسل السند والنقل وجمعها وحفظها الدقيق من المتغيّرات في السرد المنقول تعطي التاريخ العربي في القرون الوسطى احترافاً وتطوّراً لم يسبق له مثيلٌ في العصور القديمة، ودون حتّى أن نجد له مثيلاً في الغرب في عصوره الوسطى في ذلك الوقت».

كما أشاد بطريقة المسلمين في علم الحديث والإسناد عددٌ من الغربيين، منهم: باسورث سميث عضو كلّيّة التثليث في أكسفورد وكاليل، و برنارد شو، وسبرنجر كان. ]المستشرقون والحديث النبوي للأستاذ محمد بهاء الدين[

  والمستشرق الإنكليزي دافيد صموئيل مرجليوث رغم عدائه الشهير للإسلام فقد قال: «ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم» ]المقالات العلميّة (234) وما بعدها[.قال ذلك معترفاً بقيمة هذا العلم دون مكابرة.

ومن كان مبهوراً بأقوال المستشرقين فقد عرضنا آراء بعض المنصفين منهم لعلم الحديث، وما أعجبوا به إلّا لأنّهم وجدوا المنهجيّة العلميّة لدى المسلمين في دراستهم للحديث. 

ولنختصر الطريق على القارئ الكريم، فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما:

إنّنا نتناول بحثاً يتعلّق بالدين، لا بأفكار وفلسفات، ومن ثمّ:

 فإمّا أن نكون مؤمنين حقّاً، ونسعى إلى مرضاة الله تعالى، وحينئذٍ لا بدّ أنّ نتّبع سبيل المسلمين منذ بعثة رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا، فنأخذ ديننا من علماء الأمّة الراسخين، و هم أعلم الناس بالحديث النبويّ، فقد درسوه دراسةً دقيقةً أبهرت  بمنهجيَّتها وطريقتها علماءَ الغرب.

وإمّا أن نتّبع فكر المستشرقين والطاعنين والحاقدين، ونحن ندّعي تنقيح السُّنَّة النبويّة، وهيهات هيهات أن تؤخذ الحقيقة من هؤلاء الحاقدين الكائدين الذين ظهروا آخر الزمان ممن  يُعادون الإسلام، ويدرسونه لمآرب أخرى، وقد حالت القرون بينهم وبين لقاء أهل هذا الفنّ والمشتغلين فيه، إضافةً إلى أن هؤلاء المستشرقين بدراستهم لعلم الحديث إنّما ينفذُّون المخططات الاستعماريّة، ويتعمّدون المغالطات العلميّة، لحرفِ النظر عن الحقِّ أو للتشويش على الطريق إليه.

فبماذا يحكم العقل السليم إذاً؟ وأيَّ الخيارين يختار؟

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *