للباحثين عن إشكاليات البخاري

للباحثين عن إشكاليات أحاديث البخاري....دعونا نخبركم بهذا

Loading

ما ادخلت في كتابي الجامع إلا ما صحَّ وتركت من الصحاح لحال الطول [ الإمام البخاريّ ]

الدَّعوى الأولى:

بعد كلِّ هذه الدِّقَّة والمنهجيَّة العلمية التي رأيناها في صنيع المحدِّثين، وعلى رأسهم الإمام البخاري، يّدعي المشكّكون أنَّ في صحيح البخاري أحاديث وضعها الزَّنادقة!

وقد نشأ هذا التَّشكيك من خلال التَّصوُّر الدَّالّ على الجهل المطبق، وكأنّ صحيح البخاري كتابٌ منقطعٌ عن سلسلة الأحاديث النبويّة، ولا علاقة له بكتب الحديث التي سبقته، وأنَّ البخاري كان يجمع الأحاديث كحاطب ليل، فيروي عن الكذَّابين والزَّنادقة دون أن يتنبَّه لذلك!

وإنَّ مثل هذه السذاجة لا تستحقُّ الردَّ والنقاش، ولكن لابدَّ من تلقيح العقول من هذه الشبهات، وبيان الحقيقة لمن يتحرَّى الصواب ويطلب الحقّ.

فلنذكّر بمصادر الإمام البخاري مرةً أخرى؛ ليعلمَ القارئ بأنَّ الإمام لم يأت بشيءٍ من عنده، وإنَّما الأحاديث التي أخرجها في صحيحه موجودةٌ كلُّها في كتب الحديث الأخرى، التي رويت بالسَّند المتَّصل إلى النَّبيِّ ﷺ، ككتب الإمام الزُّهري، وابن جريج، والأوزاعي، ومعمر، والإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، ومصنَّف عبد الرَّزاق، ومسند ابن أبي شيبة، وغيرها من الأمَّهات، أو الأجزاء الحديثيَّة الأخرى التي كانت قبل صحيح البخاري، أمَّا جهود الإمام فكانت تتمثَّل بأنَّه تلقَّى الحديث عن شيوخه بالسَّند المتَّصل إلى النَّبيِّ ﷺ، ثمَّ صنَّف (الجامع الصحيح) واشترط فيه الصّحّة، فانتقى بعض الأحاديث الصحيحة ودوَّنها في هذا الكتاب، وإنَّ جُلَّ الأحاديث التي أوردها فيه لها طرقٌ عديدةٌ من شواهد أو متابعات.

وقد قال الإمام: (ما ادخلت في كتابي الجامع إلا ما صحَّ وتركت من الصحاح لحال الطول)

 وقد فاق الإمام البخاري أقرانه في ذلك، فاشترط أعلى شروط الصّحّة، وكان يدع آلاف الأحاديث من الرّاوي لعدم الاطمئنان إليه.

قال محمّد بن أبي حاتم: (سئل محمّد بن إسماعيل عن خبر حديث، فقال: يا أبا فلان أتراني أُدَلِّس؟ تركتُ عشرة آلاف حديثٍ لرجلٍ فيه نظر، وتركتُ مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر).

فما أخرجه في صحيحه وأثبته إلى رسول الله ﷺ كان أصحَّ الصَّحيح، وإنَّ الإمام -رحمه الله– جعل كتابه الصَّحيح حجَّةً له بين يدي الله تعالى، لثقته بصحَّته فقال: (صنّفت كتابي الصَّحيح لست عشرة سنة، خرَّجته من ستّمئة ألف حديثٍ، وجعلته حجّة فيما بيني وبين الله تعالى)

ومن ثمَّ نجد الهجمة المقصودة على صحيح البخاري بالذَّات؛ لأنَّه الصَّحيح من حديث النَّبيِّ ﷺ، وإنَّ أعداء السُّنَّة إنَّما يصوِّبون أهدافهم إلى الأحاديث الصحيحة لا إلى الضعيفة.

وإنَّ من يطعن في صحيح البخاري ويشكِّك فيه ويدَّعي أنَّ فيه أحاديث مكذوبة فإمَّا أن يكون جاهلاً وعليه أن يتعلَّم من أهل الاختصاص.

أو أن يكون مُغرضاً يريد أن يهدم الإسلام بدعوى الحرص على أحاديث رسول الله ﷺ، وعلى الدِّين، ومن ثمَّ فإنَّ هذا القدح لا وزن له لأنَّ الخوض في مثل هذه المواضيع يجب أن يكون مبنيّاً على منهجيَّةٍ علميَّةٍ لا عن هوى.

وأين ذلك القادح من مُحدِّثي الأمَّة وهم أعلم النَّاس بهذا الفنِّ وأغْيَرُهم على دينهم، فقد أفنوا حياتهم في حفظ حديث رسول الله ﷺ، بحثاً وشرحاً، وتتبُّعاً، وسبراً، وبذلوا للسُّنَّة النَّبويَّة كلَّ غالٍ ونفيسٍ، ومع هذا الحرص الشَّديد لم نجد منهم هذا العويل وهذا التَّباكي على الحديث، والقدح بصحيح البخاري، بل اتَّفقوا جميعاً على صحَّة أصل كتاب الإمام البخاري دون منازعٍ، وكفى بأولئك الأئمَّة وحفَّاظ الأمَّة شهادةً مزكَّاةً.

ويطرح بعضهم الشُّبهة بطريقةٍ أخرى فيقول: الأحاديث المكذوبة ليست من صنيع البخاري وإنَّما ألصقها الزَّنادقة بالجامع الصحيح بعد وفاة البخاريّ, والدَّليل على ذلك فقدان النّسخة التي خطّها البخاريُّ بيده.

الجواب: لقد أحكم علماء الحديث كتب السُّنَّة إحكاماً تامَّاً لا سيَّما صحيح البخاريّ فقد لقي عنايةً منقطعة النّظير, ولم يقبلوا النّسخة من كتاب الحديث مالم تُقابل بنسخٍ أخرى.

ومن المعلوم أنَّ كتاب: (الصحيح الجامع) رواه جمعٌ عظيمٌ عن الإمام البخاريّ نفسه سماعاً وإجازةً ومناولةً.

قال تلميذه الفربري: (سمع كتاب الصحيح لمحمَّد بن إسماعيل سبعون ألف رجل) وفي روايةٍ: (تسعون ألف رجل).

وقد قرأه في كلِّ طبقةٍ عشرات الآلاف من المحدِّثين على شيوخهم حتَّى يومنا هذا، فكانوا يقرؤون هذا الكتاب ويقابلون نسخهم على نسخ من يقرؤون عليهم حتّى وصل إلينا بالسّند المستفيض من عدّة طرقٍ إلى الإمام البخاريّ جيلاً بعد جيلٍ حتَّى يومنا هذا.

وأشهر روايات صحيح البخاريّ هي:

١-رواية ابي ذرّ عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عبد الله الهرويّ الحافظ.

٢-رواية ابن السّكن: أبو عليّ سعيد بن عثمان الحافظ.

٣-رواية الأصيليّ: أبو محمّد عبد الله بن إبراهيم الأصيليّ.

٤-رواية النَّسفيّ: أبو إسحاق بن معقل النّسفيّ.

والرّوايات الثّلاث الأولى كلُّها عن طريق الفربري, وهو أشهر تلاميذ البخاريّ الذي قرأ عليه الصحيح.

أمّا الرّواية الرّابعة فهي للنّسفيّ نفسه عن طريق البخاريّ، فقد سمع بعضه وأجاز له من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب.

ومن أشهر مخطوطات الكتاب التي وصلتنا في العصر الحديث:

نسخة الحافظ أبي عليّ الصّدفي (ت٥١٤) التي كتبها من نسخةٍ بخطّ محمّد بن عليّ بن محمود مقروءةٌ على أبي ذرّ الهرويّ رحمه الله.

وهناك نسخةٌ خطيَّةٌ لتلميذه كُتبت عام (٣٧٠ ه)، برواية المروزيّ عن الفربري نفسه الذي قرأها على الإمام البخاريّ.

وممّن كانت له جهودٌ في ذلك: الحافظ شرف الدِّين عليّ بن محمّد بن عبد الله اليونيني، جهبذ زمانه، وحافظ أوانه، فقد قام بضبط رواية البخاريّ، وقابل أصله بأصلٍ مسموعٍ على الحافظ أبي محمّد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي وبأصل أبي القاسم ابن عساكر وبأصلٍ مسموعٍ على أبي الوقت.

فلا يمكن لذي منهجيّةٍ علميّةٍ أن يشكّك بأنّ الطريقة التي نُقل فيها صحيح البخاريّ هي أقوى طرق النقل وإنَّ الجامع الصحيح وصلنا عن طريقٍ قطعيٍّ يقينيّ.

وعندما نشأت المطابع أصدر السُّلطان عبد الحميد الثاني أمره بطبع صحيح البخاريّ سنة ١٣١١ ه، على أن يعتمد تصحيحه على النسخة اليونينية -المعوّل عليها عند المتأخّرين في جميع رواياته- وعلى نسخٍ أخرى عرفت بالصّحّة واشتهرت بالضّبط.

وقد قوبلت هذه النسخة المعتمدة برواياتٍ كثيرةٍ لصحيح البخاري قبل صدور الطَّبعة.

وقد أعاد طباعة النُّسخة (السُّلطانيَّة) الشيخ أحمد شاكر، وكتب مقدّمةً عرَّف بها النسخة اليونينية وما فيها من مزايا، وعرَّف بالحافظ اليونيني الذي اشتهرت النسخة بنسبتها إليه.

أمّا الأخطاء التي وقعت في نسخ البخاريّ الأخرى فهي طفيفةٌ وأكثرها مكرّرٌ ومعظمها -إن لم يكن كلّها- راجعٌ إلى اختلافاتٍ في الشكل أو الرّسم الذي اتبع في رسم المصحف، أو في تسهيل بعض الهمزات أو قطعها ووصلها، أو في بعض أسماءٍ اختُلِف في ضبطها أو صرفها، أو في بعض أرقام الصفحات المطبوعة وهذا مما لا يخلو منه كتاب.

والخلاصة: إنَّ صحيح البخاري قُرئ عشرات آلاف المرَّات قبل طباعته، وقوبلت نُسَخُهُ ببعضها، ولقي عنايةً من العلماء، فصحّحوه وضبطوه.

وعند طباعته روعيت فيه ضوابط البحث العلمي فقوبلت بطبعاتٍ عديدةٍ، وألّفت لجنةٌ من كبار العلماء لتحقيقه وتدقيقه، والتَّثبُّت من سلامته وصحَّته تحت إشراف شيخ الأزهر آنذاك فكانوا يتابعون الفروق بين النُّسخ على حرفٍ واحدٍ, فمن أين يُخترق هذا الكتاب، وقد حُصِّن بالتَّحقيق والعناية التي لا نظير لها!

الدَّعوى الثَّالثة:

يطرح الْمُتمارون إشكالاً يُجافي الحقيقة العلميّة فيقولون: إنَّ الحديث الشَّريف ظنّيٌّ وليس قطعياً لأنَّ الذين نقلوه بشرٌ غير معصومين ولا يبتعد عنهم الخطأ والسَّهو، وما جاز عليه الخطأ لا يحتجُّ به، والجواب:

 إنَّ هذا الإشكال يدلُّ على انزواء الفكر عن الواقع وبعده عن المنهجيَّة العلميَّة، فالظَّنِّية حكمٌ عقليٌّ لا واقعيّ أي لا علاقة للظنِّ العقليّ بعدم الصّحّة.

وإليك مثالاً يُوضح ذلك:

إذا نقل رجلٌ ثقة خبراً وهو صادق فيه فإنَّ الخبر يكون ظنِّياً وليس قطعيَّاً لأنَّ الخطأ يجوز عليه.

فالحكم العقليُّ يقول: هو خبرٌ ظنِّي لأنَّ الذي نقله رجلٌ واحدٌ ويجوز عليه الخطأ، والواقع يقول: إنَّ الخبر صادقٌ مئةً بالمئة، ومن ثمّ نجد أنَّ الصّحّة والضّعف يحكم عليهما الواقع، لا علاقة لهما بالتجويز العقليّ.

لذا نجد رسول الله ﷺ كان يبعث رجلاً أو رجلين إلى الأمراء أو الأقوام ويُلزِمهم بالحجّة؛ لأنَّ نقل الرَّجل الصادق للخبر وإن كان ظنِّيَّاً عقلاً إلَّا أنَّه صحيحٌ شرعاً وتقوم عليه الحجَّة.

وإنَّ أكثر العلوم النّظرية ظنّيّةٌ لا قطعية، ولو أخذنا بهذه الشُّبهة لما تعلَّم أحدٌ علماً نظريّاً ولا سعى إليه أحدٌ لنيل مصلحةٍ دنيويّة لا أخرويّة، لأنَّ جلَّ المصالح ظنّيّة الوقوع، ولا يُنكِر العمل بالظّنّ إلا جاهل.

قال الإمام العزُّ بن عبد السلام: (لا يجوز تعطيل هذه المصالح الغالبة الوقوع خوفاً من ندور وكذب الظّنون، ولا يفعل ذلك إلّا الجاهلون).

ومن ثمَّ فإنَّ الله تعالى قَبِلَ من عباده غلبة الظَّنِّ في علومهم وأمور دينهم ودنياهم وعبادتهم، بشرط بذل الجهد وإفراغ الوسع في أخذ الأسباب وطلب الكمال.

فإذا قام المكلَّف بواجبه على أكمل وجهٍ فقد برئت ذمَّته أمام الله تعالى، وهذا ما فعله الإمام البخاريّ في إخراج أصحّ الصّحيح من الحديث الشّريف.

ولنذهب إلى ما هو أبعد من ذلك:

فلو افترضنا أنَّ أحد أئمَّة الحديث أخرج حديثاً صحيحاً حسب الظاهر لِورودهِ عن طريق الثّقات العدول، وحَكم عليه أهل الاختصاص بالصّحّة والقبول حسب منهجيّة الجرح والتّعديل وعلم الحديث، وهو في الحقيقة لم يقله النَّبيّ ﷺ، لزم العمل به ومن يأخذ به يثاب ومن يردُّه بقصد مخالفة أمر رسول الله ﷺ يأثم، وبالمقابل لو ورد حديثٌ عن طريق الكذَّابين والواهين، أو كانت فيه علَّةٌ قادحةٌ وردَّه علماء الحديث لعدم تحقيقه لشروط الصّحّة، وكان هذا الحديث المردود في الحقيقة قد قاله النَّبيُّ ﷺ ولكن لم يروِه إلَّا الضعفاء والمتروكون فإنَّ العمل به غير لازمٍ بل لا يجوز.

وهذا لا يمكن وقوعه، ولكن لبيان أنَّ التّكليف مبنيٌّ على الظَّاهر، وإنَّ الله تعالى لم يكلِّف عباده أن يصلوا إلى الحقائق الخفيَّة، فمتى كان الرُّواة مُنصفين، ومتى جاوز شروط الصّحة وجب طرحه.

قال الإمام الكمال بن الهمام: (فالعمل بالظَّنِّي واجبٌ قطعاً في الفروع).

وهذا لا خلاف فيه عند أهل الحقّ.

ويلزم العمل بالحديث الشريف مادام الرّواة الذين نقلوه ثقات، أي متَّصفين بالعدالة والضّبط، وحينئذٍ يكون حجَّةً.

ومن ثمَّ يرد الكلام على المعترضين أنفسهم فيقال لهم:

أيّهما أولى: أن نأخذ بقول الأئمّة العلماء الذين بذلوا أعمارهم في دراسة الحديث الشّريف، مع قربهم من عهد النُّبوّة ومعرفتهم بالرّجال الذين رووه، وملاقاتهم، ومعرفة أحوالهم، وتمكُّنهم من هذا العلم -وإن جاز عليهم الخطأ والوهم بنسبةٍ ضئيلةٍ- أم ممّن جاء بعد اثني عشر قرناً، وليس لهم صلةٌ بهذا العلم أبداً، وإنّما كان انتقادهم إنشائيَّاً من وهمٍ وخيالٍ وتكرارٍ لأقوال المستشرقين الحاقدين؟

فأيّهما نقدّم: غلبة الظَّنِّ أم الوهم الذي يطرحه المشككون!

الدّعوى الخامسة:

زعموا أن الإمام البخاري لا يجيد العربية لأنَّه أعجمي، ومن ثمّ فلا يمكن أن يحفظَ الحديث الشريف ويصنِّفَ فيه.

الإمام البخاري من بخارى على نهر جيحون من بلاد ما وراء النّهر، وقد وصلها الإسلام باكراً، فقد فُتحت عام (٦١ه) ودخل أهلها في الإسلام وأحبُّوا هذا الدِّين وتمسَّكوا به، وشاع فيها العلم وانتشر سريعاً، ونبغ فيها كثيرٌ من الأئمَّة، فكانت اللغة العربية جزءاً من حياتهم؛ لأنَّها لغة الدِّين والوحي.

وفي هذه البيئة نشأ الإمام البخاري رضي الله عنه في مجتمعٍ مسلم يتكلَّم باللغة العربية في بيت علمٍ وصلاحٍ، بل كان أبوه مُحدِّثاً أيضاً كما ترجم له الإمام البخاري، وقد روى عنه العراقيون، قال ابن حبّان:

(إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو الحسن: يروي عن مالك وحمّاد بن زيد، روى عنه العراقيون)

فتح الإمام البخاري عينيه على كتاب الله وسنة رسوله، فدخل الكتّاب منذ نعومة أظافره، وتعلَّم اللغة العربية وأخذ في حفظ القرآن الكريم، وأمَّهات الكتب المعروفة في زمانه حتّى بلغ العاشرة من عمره ثمَّ بدأ بحفظ الحديث والاختلاف إلى الشيوخ والعلماء، وملازمة حلقات الدروس.

واذا نظرنا في علماء العربية أنفسهم نجد أنَّ أساطينها من الفُرس، فمصدّر قواعد النَّحو العربي هو كتاب سيبويه الفارسيّ الأصل، وقد فاق أهل زمانه بعلوم اللغة العربية، ومثله الفارسي والزَّجاج وغيرهم.

وقد شهد للإمام البخاريّ أهل عصره بالذّكاء، والهمَّة العالية في تعلُّم العلوم، وسرعة الحفظ والدّقة والاتقان حتّى بلغ مرتبة الاجتهاد، قال عنه ابن حجر: (كتابه الجامع يشهد له بالتّقدم في استنباط المسائل الدّقيقة، وبالاطلاع على اللغة والتوسُّع في ذلك، وبإتقان العربيّة والصرف وبما يعجز عنه الواصف، ومن تأمَّل في اختياراته الفقهية في جامعه علم أنَّه كان مجتهداً)

ويظنُّ المشكِّكون أنَّهم قد وقعوا على أمرٍ عظيمٍ فيستشهدون بقول صالح بن محمّد الأسديّ فينقلون قوله عن البخاريّ: (ما رأيت خرسانيّاً أفهم منه، لولا عيٌّ في لسانه)!

إن العيّ والحبسة باللسان لا علاقة لها بفهم اللغة العربية ومعرفة اصولها، فقد أثنى القائل على الإمام البخاري وذكر أنَّه تميَّز بالفهم، وهل اللغة العربية إلّا وسيلةٌ لفهم النُّصوص؟

وقد وجدت هذه الحُبسة في النطق عند كبار أئمّة النحو والبيان، فما عُدَّ ذلك منقصةً فيهم، كإمام النَّحو سيبويه، والمبرّد، وشيخ شيوخ عصره صفيِّ الدّين الهندي، وأمير الشعراء أحمد شوقي وغيرهم.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *