لا تساوي جناح بعوضة -مستطيل-

لماذا خلق الله الدنيا وهي لا تساوي عنده جناح بعوضة؟

يخلق اللهُ تعالى الأشياء لحكمةٍ عظيمة، فلم يكن خلقُه لعباً ولا سهواً، وإنَّما لغايةٍ يعلمها سبحانه, وعندما نُسلِّم أنَّه عزَّ وجلَّ هو الخالق المُطلق فعلينا التَّسليم بكلِّ أفعاله التي كانت والتي ستكون، إذعاناً منَّا لقوله:
((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) [الأنبياء 23] .
وخلق الله الكون كلَّه، والحياةُ الدنيا جزءٌ منه، وكلُّ خَلْقِه أثرٌ مِن آثار صفاته التي تدلُّ على عظمته وعظمة ما يتَّصِفُ به سبحانه.
خلق الله العباد وهو غنيٌّ عنهم وخلَقَهم آمراً لهم بالعبادة وهم محتاجون إليه احتياجَ افتقارٍ ونقصٍ, ولم يخلقهم احتياجاً لهم أو نقصاً منه تبارك وتعالى.
وكلّما أمعن العباد النَّظر في عظمة هذا الكون والدنيا بكلِّ ما فيها من إبداعٍ وتنظيمٍ بتفكيرٍ وتأمُّلٍ زاد تعظيم الله تعالى في قلوبهم, وزاد تصديقُهم به, وإذعانهم له، وكلُّ ذلك يدلُّ على عظمة الخالق ووحدانيَّته.
والدنيا حقيقةً لا تساوي عند الله ولا جناح بعوضة, تلك التي تُعتبر من أبسط خلق الله, فالدُّنيا ليست دار الخلود ولا البقاء, وإنّما جعلها الله فتنةً وابتلاءً, وأراد من خلالها تمييز المؤمن من غيره, واختبارَ غير المؤمنين في حياتهم, وهذا ما ذكره الله تعالى في قوله: ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)) [سورة الملك2], وقد يفتح الله خيرات الدُّنيا على بعض عباده دوناً عن غيرهم, إذ ليست هذه الدار دار النَّعيم الدَّائم, وهذا ما بيّنه قوله تعالى: ((وَلَوْلَا أَنْ يَكُوْنَ النَّاسُ أُمَّةً وَاْحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلِيْهَا يَظْهَرُوْنَ)) [سورة الزخرف33], فهي دارٌ مؤقَّتةٌ تجهيزاً للخلود في الدَّار الآخرة التي بها كمال عدله
سبحانه, وهذا مما أراده رسول  الله صلى الله عليه و سلم حين قال: “لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء” (رواه الترمذي)
ولا يعرف حقيقة مراد الله تعالى إلا هو, فهو الخالق المُطلق المتصرّف بإرادته، سواءً اتَّضحت لنا الحكمة من تصرُّفاته أم لم تتَّضح، ويجب علينا التَّسليم والإذعان والقبول, فقد أوجد الله تعالى الحياة الدنيا وغيرها من المخلوقات للدلالة بها على ربوبيَّته, ووحدانيَّته, وألوهيَّته, من غير شريكٍ ولا نِدٍّ, ومع ذلك هو غنيٌ عن مخلوقاته كامل الغنى, وهم الفقراء إليه كامل الفقر, وبذلك فالدنيا وكلُّ المخلوقات لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
و عندما خلق الله الدنيا لقيام الحياة بها لم يدفعنا لحبِّها أو للرغبة فيها بل ذكّرنا بفنائها وزوالها وأنَّها ليست دار إقامةٍ وقرارٍ, إنَّما جعلها دار ابتلاءٍ وامتحانٍ وعمل، في حين رغَّبنا في الآخرة والسَّعي لإعمارها بالصالح من أعمال الدنيا لأنّها دار الجزاء والعقاب والعدل والإنصاف.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *