كن بخاري عصرك

كن بخاري عصرك

كن بخاري عصرك

روى الإمام البخاريُّ في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (بلِّغوا عنِّي ولو آية وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأ مقعده من النار) [٣٢٣٧]
نرى في هذا الحديث أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُرغِّبنا بنشر العلم، وكذلك يحذِّرنا من مغبَّة الكذب عليه صلَّى الله عليه وسلَّم. ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم فيما رواه الإمام مسلم في مقدِّمة كتابه: (من حدَّث عنِّي بحديثٍ يُرى أنَّه كذب فهو أحد الكذَّابين)، والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ لا مجال لذكرها.
_ نحن اليوم نعاني من هجمةٍ شرسةٍ قوامها:
1_ الكيد للإسلام، ومن صوره محاولة التشكيك بثبوت أحاديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكذلك الطعن في سيرته العطرة، ولا نستبعد دسَّ أحاديث مكذوبةٍ على لسانه صلَّى الله عليه وسلَّم. .
2 _ الجهل بعلوم الحديث، مما يؤدِّي إلى إصدار أحكامٍ على الأحاديث بالعقل أو التشهِّي، مخالفين بذلك منهج العلماء والمحدِّثين الذين أسَّسوا لهذه العلوم قواعد راسخةً مازالت تُدرَّس إلى يومنا هذا.

_ السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو واجبنا اليوم تجاه حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟

قبل أن أشرع في بيان ذلك لابدَّ أن أُذكِّر بما عنونت له في هذا المقال (كن بخاريَّ عصرك). يقولون:

فتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلهم        إنَّ التشبُّه بالكرام فلاح

ذكر الإمام الحافظ بن حجر العسقلاني في مقدِّمة كتابه: (فتح الباري شرح صحيح البخاري) سببين لتصنيف الإمام البخاريّ لكتابه الصحيح الجامع، وبيان نيَّته في ذلك، ونصُّه ما يلي: [قال الإمام البخاري: كنَّا عند  إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سُنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح، وروينا بالإسناد الثابت عن محمَّد بن سليمان بن فارس، قال: (سمعت البخاريَّ يقول: رأيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكأنِّي واقفٌ بين يديه، وبيدي مروحةٌ أذبُّ بها عنه، فسألت أحد المعبِّرين، فقال لي: أنت تذبُّ الكذب عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم). انتهى
فهذا الإمام البخاري رحمه الله جعل لنفسه مشروعاً مازال يُذكر فيه بالخير إلى يومنا هذا، وكذلك كثيرٌ من أئمَّة الحديث الذين صنَّفوا كُتُباً كانت لهم ذخراً إلى يوم القيامة بإذن الله تعالى.
فإذا نظرنا في حال الإمام البخاري وغيره من المحدِّثين، عرفنا مقدار حُبِّهم لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وغيرتهم على حديثه، فندرك وقتها كم بذلوا من جهود، وكابدوا من عناء الأسفار حتَّى وصل إلينا حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سائغاً روياً، وتبيَّن لنا هدفهم من هذه التصانيف.
_ هناك أمرٌ مهمٌّ يجب الحذر منه والتنبُّه لخطورته، وهم أصحاب دعوى التصحيح العقلي الذين يقولون: نحن نُحكّم العقل في هذا الحديث، فإن وافق ذلك العقل نأخذ بهذا الحديث، وإن لم يوافق العقل لا نأخذ به، وهذا الأمر فيه طعنٌ في ثبوت الحديث، فستصحّح أحاديث، وتضعَّف أحاديث بسبب هذه الدعاوى، وفيه ايضاً نسفٌ لجهود العلماء والمحدِّثين أصحاب المنهج العلمي الصحيح الذي امتاز بالدِّقَّة في معرفة المراد من الحديث، واستنباط الاحكام المتعلِّقة به، ولذلك نردُّ عليهم: 

  1.  بأنَّ العقل البشري قاصرٌ، فكيف لك أن تُحكّم عقلك على ما تفوَّه به المعصوم صلَّى الله عليه وسلَّم، وكم تبنَّى العقل أفكاراً ثبت بطلانها مع مرور الزمن.
  2.  العقول البشرية متفاوتة، فما يقبله عقلك قد لا يقبله عقلي، والعكس صحيح، ولذلك لابدَّ أن نتصدَّى لأمثال هؤلاء الجهلة، ونحاورهم بما يدحض حُجَجهم الباطلة بالحجَّة القوية والدليل.

– فالواجب اليوم تجاه حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أن نشدَّ الهمَّة، ونقتدي بمن سبقنا من العلماء والمحدِّثين، فأوصي نفسي وإخوتي من طلَّاب العلم، وكل من في قلبه حبٌّ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن نتثبَّت من أيِّ حديثٍ يطرق مسامعنا، أو نقرؤه سواء في الكتب أو المقالات أو وسائل التواصل الاجتماعي، وأخصُّ بالذكر وسائل التواصل لأنَّنا بتنا نرى وبكثرةٍ من ينشرون على صفحاتهم أحاديث مكذوبةً أو مشتهرةً على الألسنة دون التثبُّت من صحَّتها، أو حتَّى السؤال عن درجتها، وهذا لا يكون إلَّا عن جهلٍ وغفلة، وربَّما يكون عمداً من أولئك الذين يكيدون للإسلام، فلنتنبَّه لذلك.

ربَّما يقول البعض: أنا لا علم لي بطرق تخريج الحديث، فأقول له: لم يعد الأمر اليوم صعباً، ولا يحتاج إلى كثير جُهدٍ، فكتب الحديث متوفِّرةٌ ولله الحمد، والسؤال غير محرّم كذلك، فلا ينال العلمَ مُستحٍ ولا متكبِّر، وبإمكاننا أن نسأل أهل العلم المتخصِّصين في هذا المجال فنجد الجواب الشافي بإذن الله تعالى.

ويجب أن نجعل لأنفسنا مشروعاً هو حفظ ما نستطيع من أحاديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، نجعل هذه الأحاديث في صدورنا وصدور أولادنا، هؤلاء الذين سيحملون راية الإسلام بإذن الله، فإن لم نبدأ من الآن بحثِّهم على حفظ القرآن وحفظ حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمتى نبدأ، نحن بحاجةٍ إلى حُفَّاظ، وعلماء أصحاب ذاكرةٍ متقدة، وحُجَّةٍ دامغةٍ في مواجهة أعداء الإسلام الذين يبذلون الجهد في الكيد للإسلام والمسلمين.

أرجو أن أكون قد أوصلت فكرة عامة لخطورة ما نعاني منه في زماننا هذا ، وما قد يواجهنا في مستقبل الايام ، فكن بخاري عصرك تذب الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كن بخاري عصرك حافظاً لأحاديث رسول صلى الله عليه وسلم ، كن بخاري عصرك عالماً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  .
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا انه هو العليم الحكيم
ما كان من توفيق فمن الله وما كان من زلل فمن نفسي والشيطان

والحمد لله رب العالمين 

 

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *