عبادة إجرامية

عبادة إجرامية

Loading

 هل يدعو الإسلام إلى تعنيف الحيوانات وتعذيبها، وبالتالي يكون ذبح الأُضحية منطلقاً من هذه النَّظرة الوحشية؟

يكثر الحديث في هذه الأيَّام عن الرِّفق بالحيوان, وعن وجوب الاعتناء به والابتعاد عن تعذيبه، ويتساءل كثيرٌ من النَّاس عن الحكمة من ذبح الأضاحي وأكلها، فتجد من يقول: لماذا لا نُنهي حياة الحيوانات بطريقةٍ أقلَّ وحشيةً، وتجد آخرين يرفضون أكل لحوم الحيوانات بالمطلق، إذ يعتبرون هذه الأفعال دمويةً, ولا تليق بالإنسان المعاصر.

الإسلام والرِّفق بالحيوان

قبل الحديث عن الأضاحي, لا بدَّ من إلقاء نظرةٍ شاملةٍ على تعامل الإسلام مع الحيوانات، لنرى؛ هل يدعو الإسلام إلى تعنيف الحيوانات وتعذيبها، وبالتالي يكون ذبح الأُضحية منطلقاً من هذه النَّظرة الوحشية؟

أم إنَّه دعا إلى الرِّفق بها, والابتعاد عن إيذائها؟

وفي سبيل ذلك سنستعرض الأحاديث التالية:

أوّلاً- عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنَّه قال:

((أردَفَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خَلفَهُ ذاتَ يومٍ, فدخَلَ حائِطاً مِن حيطانِ الأَنصارِ، فإذا جَملٌ قدِ أتاهُ فجَرجرَ، وذَرفَت عيناهُ فلمَّا رَأى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حَنَّ وذرفَت عيناهُ -فمَسحَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سراتَهُ وذِفراهُ، فسَكَنَ، فقالَ: مَن صاحبُ الجمَلِ؟ فجاءَ فتىً منَ الأَنصارِ، فقالَ: هوَ لي يا رسولَ اللَّهِ، فقالَ: أما تتَّقي اللَّهَ في هذِهِ البَهيمةِ الَّتي ملَّكَكَها اللَّهُ، إنَّهُ شَكا إليَّ أنَّكَ تجيعُهُ وتُدئِبُهُ)).

[رواه أحمد وأبو داود] (السَّراة: الظَّهر والسّنام- الذفرى: خلف الأذن- تجيعه: لا تُطْعِمُهُ حتَّى يُؤْذِيَه الجُوعُ- تُدئِبُه: تُكِدُّهُ وتُتْعِبُهُ في العَمَلِ الكثير)

ثانياً- عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: ((كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سفَرٍ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً (طائرٌ صغيرٌ يُشْبِه العُصفورَ) معَها فرخانِ, فأخَذنا فرخَيها فجاءت تعرِشُ (تَطيرُ وتُرفْرِفُ فزعاً) فجاءَ النَّبيُّ فقالَ: مَن فَجعَ هذِهِ بولدِها؟ ردُّوا ولدَها إليها)). [رواه أبو داوود]

ثالثا- تحريم تعذيب الحيوانات بالمطلق وقتلها من غير حاجة

  – عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم, قال: «من قتل عصفوراً عبثاً جاء يوم القيامة وله جؤار (الجؤار: رفع الصوت) إلى الله يقول: يا رب, سل هذا فيم قتلني» [رواه أحمد]

–  عن ابن عمر رضي الله عنهما -أيضاً- أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم, قال: «عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّة سَجَنَتْها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سَقتها، إذ حبستها، ولا هي تَركتْها تأكل مِن خَشَاشِ الأرض». [رواه البخاري ومسلم]

الحيوان والتسخير لحياة الإنسان

بعد معرفة نظرة الإسلام الرَّحيمة للحيوانات، يجدر بالبعض أن يسأل: ولماذا نأكل الحيوان أصلاً، طالما أنَّ الإسلام دعا إلى الرِّفق بالحيوان فلماذا لا نكون رفقاء به, ونتركه حيَّاً, ولا نعتدي على حياته؟

وهذا السائل إمَّا أن يكون مسلماً أو غير مسلم؛

فإن كان مسلماً فإنَّه يعرف أنَّ الله سبحانه سخَّر السَّماوات والأرض والجبال والأنهار والبحار والشمس والقمر والنجوم وجميع المخلوقات لحياة الإنسان (المخلوق الذي حمل أمانة خلافة الأرض)، وجعل الإنسان مُستأمَناً عليها, فهل يعتدي عليها ظلماً وتكبُّراً أم يستخدمها فيما شرع الله، ووفقاً لمراد الله.

إنَّ الله سبحانه الذي خلق هذه الحيوانات هو نفسه من أذن للإنسان أن يستخدمها (في الأكل والشّرب والكساء والركوب) وفقاً لشروطٍ وضوابط تمنعه عن الظُّلم والطُّغيان؛ فلا يجوز لإنسانٍ أن يقترب من خلقٍ من مخلوقات الله إلَّا بإذنٍ منه سبحانه، فالمسلم حين يذكر اسم الله على البهيمة فإنَّه يذكّر نفسه أنَّه ما كان له أن يأكل لحمها لولا أن أذن الله له بأكلها، فينزع من قلبه التكبّر والغرور الذي أنتجته النَّظرة المادّيّة التي تُؤَلِّهُ الإنسان بتفوُّقه على المخلوقات الأخرى، فلا ينظر لنفسه إلّا أنَّه خَلقٌ من مخلوقات الله يعمل وفقاً لما أذن به الله سبحانه.

أمَّا عن طريقة إنهاء حياة الحيوانات ففي ذلك أبحاثٌ ودراساتٌ كثيرةٌ يطول بها المقام، ولكن يكفي المسلمَ أن يعرف أنَّ هذه الوسيلة هي التي شرعها الله سبحانه من بين الوسائل الأخرى التي حرَّمها (والله يعلم وأنتم لا تعلمون)

ماذا عن غير المسلمين؟

أمَّا إن كان السَّائل غير مسلمٍ، فإنَّ أكل لحوم الحيوانات ليس محرَّماً عند أهل الدِّيانات، ولكنَّ بعض الملحدين المؤمنين بالطبيعة حرَّموا ذلك على أنفسهم، وقالوا إنَّ ذلك فعلٌ دمويٌّ لا يليق بالإنسان المعاصر.

وسنَحتَكِمُ مع من يؤمن بالطبيعة إلى ما يؤمن به:

فالمؤمن بالطبيعة يعتقد أنَّ الإنسان قد خاض معركةً طويلة المدى حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم، فقد قاتل من أجل البقاء جميعَ أصناف المخلوقات الأخرى قتالاً دمويّاً لا مكان فيه لمعاني الرَّحمة والشّفقة التي تدعونا إليها فطرتنا الإنسانية (التي لا يجد المادّيون تبريراً لها).

فندعو الملحد الذي يؤمن بالطّبيعة أن ينقذ بقايا الفطرة الإنسانية في قلبه التي تدعوه إلى الرَّحمة والشفقة باحثاً عن مصدر هذه الرحمة. وإلَّا فإنّه سيكمل انتكاسته ليصل إلى ما وصل إليه المادّيون الذين كانوا صادقين في إيمانهم بالطبيعة فلم يجدوا في قلوبهم أيَّ معنىً للشَّفقة أو الرحمة أو معنىً لقيمة الحياة (سواءً حياة الإنسان أو حياة المخلوقات الأخرى) فنتج عن ذلك ما رأيناه في التَّاريخ من نماذج مثل (هتلر)، أو (ماو تسي تونغ)، أو جزار كمبوديا (بول بوت) وغيرهم…

فهل يريد الملحد أن يكون رحيماً أم أن يكون ملحداً حقيقياً؟

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *