مع رجالات خوار -محمد الغزالي- مستطيل

سماحة وحب

Loading

سماحة وحب

شرائع الله لعباده مبناها الرحمة الشاملة، ولا مكان فيها لإعناتٍ أو إجحاف.

فقد يقسو الأب على أولاده أو يجهل أو يحيف، ويلحقه من طبيعة البشرية ما يشوب تأديبه لهم بالأثرة والغرض. أمَّا ربُّ العالمين فإنَّه يُشرّع لعباده ما يعود عليهم بالخير المحض، وما يكفل مصلحتهم الصرف.

فحنوُّه عليهم مقرونٌ بالغنى المطلق عنهم، وهداياته لهم دائرةٌ كلُّها على ما يصون محياهم ويرفع مستواهم…

إنَّ الإنسان بدأ نفخةً من روح الله، فالحفاظ على هذا النسب الشريف والإبقاء على هذه الصِّلة الرفيعة هما سرُّ القوانين التي تضبط سلوك الإنسان، وتعصمه عن الدنايا، وتُلزمه التقوى، وترشِّحه آخر الأمر لِجنَّةٍ عرضها السموات والأرض!

يريد الله للنَّاس أن يخلفوه في أرضه، وأن يَحيوا فيها علماء راسخين، وأن يجعلوا منها مهاداً حسناً لمعرفته وإنفاذ أمره. وما معرفته وإنفاذ أمره إلَّا منهاج الرشد والنفع لهم، والضمان الأوَّل والأخير لمصالحهم.

ولو تُرك الناس لأهوائهم لتدنَّوا إلى الحضيض، ولعاشوا بعيداً عن شرائع الله في دركٍ تسوده الوحشة والريبة والمظالم والظلمات.

قال ابن القيم: ((إنَّ الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلُّها، ورحمةٌ كلُّها، ومصالح كلُّها.

فكلُّ مسألةٍ خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدِّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة إن دخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله في عباده، ورحمته بين خلقه، وحكمته الدالَّة عليه وعلى صدق رسله أتمَّ دلالةٍ وأصدقها)).

والحقُّ أنَّ فكرة الناس عن شرائع الله تحتاج إلى تصحيحٍ طويل، فجمهورهم وهم يحسبها شواظاً من الغضب، يلسع بصرامته، ويروّع بجهامته، ويحسب أنَّ أصولها وفروعها مبهمة الفهم، تُتلقَّى بالقبول مخافة الكفر إذا اعترضها عقل! وهذا خطأٌ كبير.

فالدِّين نفحةٌ من رحمة الله ينبغي استقبالها بالبشاشة التي تستقبل بها النعم، ودعك من أفكار القاصرين المتزمِّتين الذين يقتربون من حقائق الأديان كما يقترب الذُّباب من الحلوى.

إنَّ الدِّين حقٌّ وجمالٌ، ألا تسمع قوله تعالى: (﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾) [النمل-1]، والهدى لا يكون بباطل، والبشرى لا تكون بقبيح، وقال عزَّ وجلَّ:

(﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾) [النحل-89]، والأديان كلُّها من عند الله على هذه الوتيرة الواضحة المحببة: (﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾) [البقرة-97].

إنَّ ما احتوته الشريعة من رفقٍ ويُسر يجعل حاجة البشر إليها حاجة العليل إلى الدواء، والعاني إلى الرحمة.

إنَّ الله ليشرح أكناف العطف والمواساة والبركة التي حدَّدت طبيعة النبوَّة العامَّة في قوله: (﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾) [الأنبياء-107]، كما يشرح أهداف القرآن الكبرى وسعادة الآخذين بها في قوله تعالى: (﴿وَنُنَزِّلُ مِن القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾) [الإسراء-82]. 

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *