مع رجالات حوار -الشيخ الشعراوي-

سرُّ الفساد في العالم

Loading

سر الفساد في العالم

س: ما هو السرُّ في الفساد المنتشر بين الأمم الفقيرة والأمم الغنية على السواء… نريد الأسباب الرئيسية، لا الأسباب الفرعية، 

حتَّى يمكن علاج الداء من أساسه، لا علاجه من ظاهره وهو باقٍ في ضمائر أممٍ يفتك بها فتكاً ذرياً، لا سيما وأنَّ كلام المفكِّرين قد كثر وطال حتى غطَّى على الحقائق؟ 

ج: يقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ[إبراهيم28].

 فالذين أحلُّوا قومهم دار البوار هم الذين بدَّلوا نعمة الله كفراً… ومعنى تبديل نعمة الله كفراً: هو ستر النعم. 

وذلك بالكسل عن البحث عنها… أو باستنباطها وحجزها عن الغير، وذلك هو الظلم.

إذن فالفساد ناشئٌ عن أمرين:

١ – الكسل عن استنباط خير الله في الوجود. 
٢ – استنباط بعض الموهوبين للخير، ثم حجز أصحاب الحقوق عن حقوقهم. 

إذن حينما يقول الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل112].

فهو يبيِّن أنَّ سبب الجوع والخوف في العالم هو كفر نعمة الله، أي سترها بالكسل عن استخراجها، أو باستخراجها وحبسها عن أصحاب الحقوق. 

ثمَّ وجدنا المفكِّرين يقولون: إنَّ الفساد جاء من ناحية قصور المواد اللازمة للحياة… وقالوا: لابدَّ من أن يأخذ الأهمَّ فالأهمّ ولابدَّ من تحديد النسل.

ونقول لهم:

لا، إمَّا أنَّكم كسالى عن استنباط الخير من الوجود، وإمَّا أنَّكم ظالمون في توزيع الخير الذي وصل إليه قومٌ من الوجود… ولو أنَّ الناس استراحوا على هذه الحلول لكان من الممكن أن نفهم منهج الله بالقصور… لكن ما دام الناس لم يستريحوا على هذه الحلول، وازداد القلق والخوف في الدنيا فلابدَّ أن يكون هناك انحرافٌ عن منهج الحـياة كما رسمه الله تعالى. 

إذن لكي يعود إلى العالم أمنه وسلامه واطمئنانه وسعـادته لابدَّ أن يحدِّد مهمَّته من الإيمان، وبعد ذلك يأخذ منهجه بعد الإيمان بالعمل الصالح… والعمل الصالح سيعرض المصلحين أو العاملـين للإصلاح لمتاعب، فقد تخور النفوس وتكسل عن مواصلة العمل الصالح… ولابدَّ في هذه الحالة من استدامة التواصي بالحقِّ وبالصبر… وعدم التواصي بالحقّ وبالصبر هو الذي يشبع الأسرة في الظلم. 

والتواصي بالحقِّ سيتعب أهله، وسينال المتواصين بالحقِّ متاعب من الظالمين، ومن هنا وجب التواصي بالصبر، وإن لم نصبر على الحقِّ فلن توجد الأسوة للثبات على الحقِّ عند أيِّ أحد… وإذا كانت ريح الظلم تصرفنا عن الحقِّ فستنطفئ معالم الحقِّ. 

إنَّ الذي جعلَ الحقيقةَ علقماً                                 لم يُخلِ من أهل الحقيقة جيلا

ولـربَّمـــا قـتـل الغـــرامُ رجــــالهــــــــــــــــــــــــا                     قُتِلَ الغــــرامُ كـــــم استبــاحَ قتيلا 

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *