سبب نزول الأمطار

سبب نزول الأمطار
بقلم: م. محمود أبو الهوى

Loading

سبب نزول الأمطار

لقد سهلت منجزات العلوم التجريبية حياة الناس على هذه الأرض، وباتت تلامس واقع كل إنسان منذ ولادته حتى وفاته. ومع ازدياد المكتشفات العلمية يوماً بعد آخر ازداد تعلق قلوب الناس بهذه العلوم وصارت تسأل بشغف عما ستخبئه لنا الأيام من مكتشفات تزيد من رفاهية الإنسان وتحقق له الكثير من الأحلام التي كانت تراوده منذ الصغر.

ومع ارتفاع شأن العلوم التجريبية في عقول الناس وضمائرها يزداد ازدراء العديد من البشر حول العالم لأي حديث عن الله أو الأديان، في مفارقة تضع الإنسان أمام خيارين عليه أن يختار بين أحدهما: إما العلم أو الدين.

وكما يقول موريس بوكاي:

(…. ولكن بدلاً من أن يمتلئ بالتواضع في مواجهة مثل هذه الحقائق، فإن الإنسان ينتفخ غطرسة وغروراً.. إنه يزدري أي فكرة عن الله، كما يفعل باستمرار في مواجهة أي شيء من شأنه أن ينتقص من رغباته وشهواته. هذه هي صورة المجتمع المادي التي تزدهر اليوم في الغرب) من كتاب (الكتاب المقدس والقرآن والعلم)

لذلك نجد أن مفارقة العلم / الدين حاضرة في النقاشات العقدية في مختلف دول العالم، وتصاغ العديد من الأسئلة على الشكل الذي صيغ به عنوان المقال (هل يحصل الأمر الفلاني بقدرة الله أم بالسبب المادي

وما يزيد الأمر، أنك تجد أناساً يقعون في هذا التصنيف دون أن يشعروا بأنفسهم، ولعل كثيراً منهم لم تصل هذه التحيّرات في ذهنه إلى مرحلة تمكنه من صياغة السؤال أعلاه. أو لعل بعضهم وجد أن هناك سؤالاً يحيره دون أن يحسم أمره في أي الفريقين يريد أن يكون، وأجّل الإجابة عنه لحين “يتفرغ” للبحث في الأسئلة الوجودية الكبرى.

أصل المشكلة:

تبدأ هذه المشكلة في المدرسة الابتدائية عندما يتلقى الطفل مادتين مختلفتين، الأولى تسمى “تربية دينية” والثانية تسمى “علم الأحياء والأرض” فيجد أن مدرس كل مادة يجيبه عن السؤال ذاته بإجابة مغايرة للآخر. ونشأ عن هاتين الإجابتين انفصامٌ في شخصية المتعلم دون أن يدرك ذلك. إلى أن تأتي اللحظة التي يتمكن فيها من الوقوف مع نفسه قليلاً بعدما تبدأ مداركه بالاتساع؛ ليقف حائراً أمام هذا الإشكال!

والجدير بالذكر أنه يُمنع على مدرّسي العلوم التجريبية في العديد من الدول حول العالم أن يشيروا إلى أي معنى غيبي أو “ماورائي” أو ذكر “الله” في الفصل أمام الطلاب، فـ “الله” مكانه الكنيسة ودور العبادة، ولا علاقة له بالفصول الدراسية العلميّة، لأنه على المدرس أن يتحدث عن العلم لا عن الدين! ولا يجوز إدخال المفاهيم الغيبية عند الحديث عن العلم، فنحن نجري أبحاثنا بعيداً عن الله ولا علاقة له بها!

وإن كان الواقعُ في عالمنا الإسلامي أقلَّ انفصاماً، فإن جزءاً من هذه الإشكالية يبقى حاضراً، فأي الإجابتين هي الصحيحة؟ هل الإجابة التي يقدمها العلم أم التي يقدمها الدين؟ ولماذا؟

هناك من حاول أن يجمع بين الإجابتين فقال إن لكل شيء في هذا الكون سببين؛ سبب علمي وسبب شرعي. أما السبب العلمي فهو الذي يدرسه العلماء التجريبيون ويحللونه بالمعامل والمختبرات العلميّة، وهو السبب الذي يلقيه مدرس مادة العلوم في حصته. أما السبب الشرعي فهو المستنبط من أدلة الشريعة والنصوص المقدسة، وهو الذي يلقيه مدرس مادة التربية الدينية في حصته.

في الحقيقة إن هذا الجمع قد عزز الشرخ بين الإجابتين وعمق الانفصام في شخصية المتعلم، فهل هناك سببان متغايران يؤديان نتيجة واحدة؟ وهل هناك شرخ بين الله ومخلوقاته؟ أليس الذي نزل الكتاب هو الذي خلق السحاب؟

الغاية والسبب والنتيجة: 

إذا أردنا الإجابة على هذا السؤال علينا أن نسأل أنفسنا في البداية عن المقصود بالسبب، هل المقصود هو الغاية التي يحدث من أجلها أمر ما؟ وبمعنى آخر نستطيع أن نقول هل يبحث السائل عن سؤال “لماذا تنزل المطر”؟ أم إنه يبحث عن شيء آخر؟

إذا كانت الإجابة أنه يبحث عن الغاية، فينبغي أن يتنبه السائل إلى أن سؤال الغاية (لماذا) هو سؤال فلسفي متعالٍ عن الوجود المادي؛ لأنه يبحث في ما وراء الأفعال والمقصد منها.

وهو مختلف تماماً عن الأسئلة المادية التي يكون محل إجابتها ممكناً ضمن إطار العلم التجريبي، كالأسئلة التي تصاغ بكلمات استفهامية مغايرة: مثل (كيف) و (متى) و (أين)، أما سؤال (لماذا) فهو ليس من الأسئلة المادية وهو سؤال اختص به الإنسان وتميّز به عن المخلوقات الأخرى التي يرشدها عقلها البسيط لاستنتاج الكيفيات وتذكر الأوقات والأمكنة، دون الوصول إلى مستوى يؤهلها لطرح سؤال بهذا المعنى الفلسفي المعقد. ولتوضيح الفرق بين الأمرين يمكننا طرح المثال التالي.

القاضي والسجّان:

هب أنه في قاعات إحدى المحاكم يقبع متهم بجريمة ما، وقد أدين هذا المتهم بالأدلة القاطعة، لينطق القاضي بحكمه: “السجن مع الأشغال الشاقة“، ثم يأمر السجان بأخذه إلى الزنزانة.

وبعد أن انتهت المحاكمة سأل طفلٌ صغيرٌ الحاضرين بصوت بريء: “لماذا دخل أبي إلى السجن“؟

ليتفاجأ الجميع بإجابة أحد الحاضرين: “لأن السجان أخذه إلى الزنزانة“!

دقيقة صمت …

ثم ترتفع أصوات الحاضرين بين منكر للإجابة ومستهزئ بها، وبين مبدِ للإعجاب الشديد بحكمة هذا الرجل وإجابته الفريدة، وبين من يثني على الإجابة ويدعمها بتفاصيل ومكتشفات امتلأت بها الأوراق البحثية حول آلية فتح باب الزنزانة وإغلاقها التي يتقنها السجان منذ سنوات طويلة؛ ليقول للطفل الصغير إن العلمَ قد حسم الأمر في سبب دخول أبيك إلى السجن! انظر إلى السجان وما في يده من مفاتيح!

بعد دقائق من الضجيج يعيد القاضي ضبط القاعة ليجيب على سؤال الطفل الصغير بكلمات محكمة وجيزة:

لقد دخل أبوك السجن يا بني لأنني – أنا القاضي – حكمت عليه بالسجن، وما السجّان إلا خادم عندي يسير وفق ما أريد، فأبوك مدان بهذه الجريمة وأنا حكمت عليه وفقاً للقانون، وعليك يا بني أن تفرق بين الحاكم والمنفذ، ولا تستمع لمن يوهمك أن السجان يمكنه فعل شيء بلا أمر منّي“.

نعم. لقد وصل الغرور الإنساني اليوم إلى مرحلة كبيرة جداً، إلى مرحلة جعلته يظن السجانَ قاضياً، والقاضيَ معطلاً أو غائباً أو أسطورة من قصص الأولين. فتضخم إعجاب الإنسان بنفسه حتى ظن الكيفيات المادية التي يدرسها غايةً ومقصداً تجري من أجلها الحوادث، والحقيقة أن هذه الكيفيات ما هي إلا أشكالٌ لتنفيذ أوامر الله تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، ولولا أن الله سبحانه أذن للبشر أن يصلوا إلى الحضارة التي يعيشونها الآن، لما كان لهم أن يستفيدوا من شيء من هذه الأسباب.

لماذا وكيف:

عودة لحديثنا حول الغاية والسبب، قلنا إنه ينبغي التفريق بين السؤال عن الغاية (لماذا) الذي لا ينتمي لهذا العالم المادي، وبين الأسئلة المادية الأخرى التي تبدأ بـ (كيف) و (متى) و (أين)؛ وعند السؤال عن الغاية فإنه ينبغي معرفة أن الإجابة لن تكون حاضرة ضمن إطار العلوم المادية، ولا بد من علوم أخرى تجيب الإنسان الحائر عن هذه التساؤلات. أما الأسباب التي خلق الله بها الكون وجعلها قائمة في الكون بأمره فلا تعدو كونها (كيفية) مادية لا علاقة لها بالمعنى والغاية. وهنا يمكن تعديل الأسئلة التي تثار دائماً حول “التفاسير العلمية” لتصبح أسئلة حول “الكيفية العلمية”. 

فالتفسير العلمي للحوادث ليس إلا تفسيراً للكيفية التي تمت بها الأشياء كما أراد الله أن يخلقها. لأن دراستنا للحوادث التي تجري أمام أعيننا لا تسمح لنا بمعرفة أكثر من هذا، وليس ثمة آلية مادية تستطيع أن تشرح الغاية والمقصد، ولا يمكن لهذه الكيفيات أن تكون فاعلةً بذاتها بحال من الأحوال.

أما الغاية والمقصد فهي أسئلة “لا مادية” مجاب عنها في الوحي الإلهي حيث يتم نسب جميع الأفعال وأسباب حدوثها إلى الله سبحانه، فهو الوحيد المتصرف في هذ الكون كيف يشاء. وإن سخر لنا بعض مخلوقاته بتعريفنا كيفية عملها فذلك لأنه هو الذي أراد ذلك وإن شاء منعها وقتما أراد.

قال تعالى:((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)) [النور : 43]

وقال سبحانه: ((وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) [الأعراف : 57]

ويدعي بعض الناس أن هذه الأسباب لا علاقة لها بالله ولا يتدخل بها، وهذا ادعاء خطير قد تجده عند بعض المسلمين، وقد اشتهرت به “المعتزلة” في التاريخ الإسلامي، وكذلك بعض المؤمنين من غير المسلمين الذين يعتقدون بأن الله خلق الكون ولا علاقة له بما يجري فيه. [وقد تمت الإشارة إلى هذا الأمر في مقال ” هل يخلق الله الشر؟ الجزء الثاني (دفاع الإرادة الحرة)”]

والحق أن الله قد بين لنا في العديد من المواضع القرآنية أنه هو الفاعل سبحانه، وأن هذه الأسباب ما هي إلا أشكال لتنفيذ أوامره سبحانه.

وإذا أردنا سبر الآيات التي تدلل على هذه النظرة القرآنية لعرضنا آيات كثيرة لا تكاد تحصى، بعضها متعلق بالعلوم التجريبية وبعضها بأحداث تاريخية وبعضها بقضايا اقتصادية مرت بالبشر وتمر بهم، ويبين لنا سبحانه أن ذلك كله يتبع لحكمه وحده.

وقد يستشكل هذا الأمر على بعض الناس، فيسألون إذا كانت هذه الأفعال من الله فلماذا يحاسب الله الخلق على شيء فعله هو سبحانه؟ وهذا سؤال وجيه تنبغي الاستفاضة في الإجابة عليه [انظر تفصيل هذه المسألة في مقال “هل يفعل العباد ما يشاؤون هم أم ما يشاء الله؟” للمؤلف]

أما الآن فسنكتفي بسرد عدة آيات تدلل على أن الله سبحانه هو القيوم على خلقه وأنه الفاعل في هذا العالم، لعلها تعيد تشكيل أسلوب تفكيرنا وتحفز من يقرؤها على تدبر القرآن الكريم ومعانيه:

  1. آيات في تسخير المخلوقات لتيسير أمور الناس:

((هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)) [يونس : 22]

((وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ)) [إبراهيم :32]

  1. آيات في سنة الله في إهلاك الأقوام:

((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ ۙ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ))[يونس: 13]

  1. آيات في حركة التاريخ وسقوط الدول:

((الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7))) [سورة الروم] 

  1. آيات في حركة الاقتصاد القومي للأمم:

((وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96))) [سورة الأعراف]

  1. آيات في نعم الله على أصحاب النعم:

((وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا)) [الكهف: 32]

  1. آيات في القصص القرآني:

((وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6))) [سورة القصص : 5 – 6]

((وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21))) [يوسف: 21 ]

وقد بين الله عز وجل على لسان يوسف عليه السلام هذه الحقيقة، وكيف أن الله سبحانه هو الفاعل ما يشاء وأنه القيوم على المخلوقات وأنه اللطيف (الذي لا يرى فعله وتدبيره إلا من صفا قلبه):

((إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) [يوسف: 100]

 

إله الفجوات المعرفية:

وقد تشابهت بعض هذه الآيات – التي تنسب الفعل إلى الله – على بعض المتأثرين بالخطاب العلموي [العلموية Scientism هي الترويج للعلم باعتباره الوسيلة الأفضل أو الوحيدة الموضوعية التي يجب على المجتمع من خلالها تحديد القيم المعيارية والمعرفية]، فصار يظن أن القرآن قد نسب أفعالاً يجهل كيفية تحققها إلى الله، وذلك بسبب الفجوة المعرفية التي كانت في زمن نزول القرآن الكريم، ليكتشف العلم التجريبي بعد ذلك تلك الكيفيات والآليات ليتبين – وفقاً لهؤلاء – خطأ القرآن في نسبها إلى الله. [انظر تفصيل هذه المسألة في مقال “ماذا تعرف عن مصطلح إله الفجوات المعرفية؟” للمؤلف]

وأشهر الأمثلة على ذلك آلية الطفو وآلية الطيران، التي نسبها الله عز وجل – كغيرها من أفعال في هذا الكون – لنفسه سبحانه:

((أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ)) [سورة الملك: 19]

فقالوا كيف يمكن أن يقول الله أنه هو من يمسك الطير مع أن العلم التجريبي قد اكتشف آلية الطيران منذ أكثر من مائة سنة فهل الله هو من يمسك الطير أم هذه الآليات؟ في عودة إلى الإشكالية التي بدأنا بها هذا المقال!

لذلك نجد أنه لا يمكن أن تستقيم نظرة الإنسان إلى المخلوقات والكون حوله دون الرجوع إلى القرآن الكريم، دليل الصانع الذي أبدع هذه المخلوقات. فيجد فيه الإجابة على تساؤلاته الفكرية والنفسية والفلسفية والمادية وغيرها من تساؤلات تؤرق باله، وبه يستطيع تصحيح أفكاره الشاذة والمنحرفة لتعود إلى الوجهة الصحيحة وفقاً للبوصلة الإلهية.

ولمن لا يزال ينتظر الإجابة على السؤال الذي عُنون به المقال، نترك الإجابة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عن ربه تبارك وتعالى، فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث سيدنا زيد بن خالد الجهني أنه قال:

صَلَّى لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ علَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: هلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *