رحمته بالأطفال

رحمتُهُ ﷺ بالأطفال

Loading

رحمته في الجهاد

الطفل مشروع الأسرة والمجتمع الناجح، ولن يكون النتاج رجلاً ناجحاً أو امرأةً ناجحةً إلَّا إذا مرَّت طفولته بمراحلها الطبيعية.

ومع تعالي الصيحات التي تنادي بحقوق الأطفال، وضرورة تطبيقها ونشرها في المجتمع، ومع ازدياد المنادين باستخدام أساليب التربية الحديثة، ونبذ طرق التربية القديمة التي لم تحقِّق نتائج مرضيةً، نتساءل: لماذا يزداد العنف ضدَّ الأطفال؟

ولماذا يزداد عدد الأطفال في مراكز الرعاية كلَّ يومٍ بسبب تخلِّي أهلهم عنهم، أو لأنَّهم فاقدو المعيل؟

لماذا تشير تقارير الأمم المتَّحدة إلى وجود العديد من الأطفال الذين يتمُّ استغلالهم سنوياً لأمورٍ غير مشروعةٍ،  مع حرمانهم من التعليم؟ 

أشار تقرير اليونيسكو الصادر حديثاً في الأوَّل من أيلول عام 2022، وأفاد تقرير الأمم المتَّحدة بين عامي 2016، 2020 إلى ارتفاع عدد الأطفال العاملين إلى 160 مليون طفل، وهي أعلى نسبةٍ سُجِّلت عبر التاريخ. وإنَّ أكثر من 240 مليون طفلٍ حول العالم محرومون من حقِّ التعليم.

فهل يُعتبر مفهوم التربية الحديثة، وتطبيق حقوق الطفل نتاجاً للمدنيَّة، ولم يعرفه البشر من قبل؟

أم أنَّ البشرية جرَّبت طريقةً ناجحةً للتَّعامل السَّليم مع الأطفال ليكبروا ويكونوا مُصلحين في مجتمعاتٍ هي اليوم أحوج ما تكون إلى الإصلاح.

الرحمة… هي الكلمة الأجمل عندما نبحث عن طريقةٍ عمليَّةٍ للتَّعامل الصحيح مع البشر جميعاً، ومع الأطفال خاصَّةً…

الرَّحمة التي تجلَّت في أروع صورها في تعامل نبيِّ الرَّحمة مع الأطفال، حيث نجد في السيرة النبوية مواقف عديدةً مع أطفالٍ من مختلف الأعمار والبيئات، ذكوراً وإناثاً…

 ولن نستطيع أن نقول بعد أن نقرأ هذه المواقف إلَّا ما قاله تبارك وتعالى:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء: 107].

يقول أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه: “خرج علينا النَّبيُّ وأُمامة بنت العاص على عاتقه فصلَّى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها[رواه البخاري]، فهو لا يصبر على بكاء حفيدته، فيحملها حتَّى في  الصلاة، بل إنَّ رحمته كانت تجعله يطيل أو يُقصِّر صلاته بحسب حاجة الأطفال.

يقول عبد الله بن شدَّاد بن الهاد عن أبيه: “خرج علينا رسول الله في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حَسَنًا أو حسينًا، فتقدَّم رسول الله فوضعه ثمَّ كبَّر للصلاة، فصلَّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها، قال أبي: (أي شدَّاد بن الهاد) فرفعتُ رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلمَّا قضى رسول الله الصَّلاة قال الناس: يا رسول الله إنَّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدةً أطلتَها حتَّى ظننَّا أنَّه قد حدث أمر، أو أنَّه يوحى إليك، قال: “كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ [رواه النسائي]

فنجد الرحمة سمةً أساسيَّةً في تعامله مع الأطفال بمختلف أعمارهم دون تفريقٍ بين ذكرٍ وأنثى.

بل إنَّه عندما دخل مكَّة فاتحاً استقبله الأطفال، فلم يمنعه الموقف المهيب، ولا الوضع العسكريّ الخطير، أن يتلطَّف معهم، بل ويحملهم… يقول سيِّدنا عبد الله بن عباس: “لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ[رواه البخاري]

ومن استعرض السيرة النبوية العطرة فسيجد فيها قصصاً كثيرةً عن تعامله مع الأطفال، ورحمته بهم، ورفقه بهم.

وأختم بقصَّة رائعةٍ تشعُّ رحمةً ورفقاً:

قصَّة صغيرٍ مات طيره الذي يلعب به، وكأيِّ طفلٍ يتعلَّق بلعبته ويحبُّ من الناس أن يشاركوه مشاعر حزنه لأنَّ الأمر فاجعةٌ كبيرةٌ بالنسبة له، فنجد النَّبيَّ الرَّحيم رئيس الدولة وصاحب الأعباء الكثيرة يجلس بقربه ويواسيه ويداعبه وكأنَّ مشاغل الدنيا انتهت، ولم يبق فيها إلَّا وقتٌ لجبر خاطر هذا الصغير الذي يحتاج كلمة تضمِّد قلبه الحزين. ويروي لنا القصَّة مَن شاهد أحداثها بحوارٍ لطيفٍ جرى بين النَّبيِّ الرَّحيم والطِّفل الصغير:

(عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ ابناً لأمِّ سليم صغيراً، يُقال له أبو عمير، وكان له نُغير (طيرٌ صغيرٌ) وكان رسول الله إذا دخل عليه ضاحَكَه فرآه حزيناً فقال: (ما بال أبي عمير)، قالوا : يا رسول الله مات نُغَيره، قال: فجعل يقول: (يا أبا عمير، ما فعل النُّغير) [مسند الإمام أحمد]

وهنا نتوجَّه بسؤال المحاور المتسائل: هل ترى هذه الرَّحمة بالأطفال التي لم تكن قبل ميثاق حقوق الطفل؟ وهل ترانا لو طبَّقنا هذه الرَّحمة مع أطفالنا هل ستكون تربيتُنا لهم حديثةً أم تقليديَّة؟

هل يخطر ببال من قرأ عن رحمة النَّبيِّ أن يُسيء وهو الرحيم العطوف إلى طفلٍ أو  يتصرَّف بما فيه أذيَّته؟  

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *