حصن نفسك من الفقاعات الإعلامية

حصِّن نفسك من الفقاعات الإعلاميَّة

Loading

حصِّن نفسك من الفقاعات الإعلاميَّة

إذا أردت أن يلمع نجمك فحدِّثنا بالغريب من الكلام، وقدِّم أفكارك بقالبٍ “حضاريٍّ”، وبطريقة النقاش العلميّ، والعقليّ، والفلسفيّ، فمن أهمِّ ما يجذب شبابنا اليوم الحديثُ عن المعرفة بطريقةٍ معاصرة، فالجيل الجديد متعطِّشٌ، ظمأن، يتطلَّع إلى كلِّ غريبٍ، وهذا مُنزلَقٌ خطيرٌ للغاية، فالشباب مع الأسف يستخدمون التقنيّة الحديثة باعتبارها مصادر موثوقةً للعلم، كالكتب الإلكترونية، والإنترنت، بما فيه من مقالاتٍ منتشرةٍ على مواقع أنشئت لربَّما بغرض الترويج لأفكارٍ فاتنةٍ لكنَّها مضلِّلة. “فيديوهات” أُنتجت باحترافيَّة، “سيناريوهات” تلخِّص الكثير من عمليات البحث والتمحيص، يجد فيها الباحث خلاصة الخلاصة عمَّا يبحث عنه. ولكن، هل يصحُّ وهل يصلح أن تؤخذ علوم الشريعة والدِّين عن أيٍّ كان؟ هل تصلح هذه المصادر أن تكون المرجع الأوَّل والأخير؟ وما مدى موثوقية كلِّ ما يقال على شبكة الإنترنت؟

بعض الأشخاص استغلُّوا تلك الطريقة التي يعتمدها شباب القرن الواحد والعشرين في التعلُّم عبر إنتاج الفقعاعات الإعلاميَّة التي برعوا فيها باستخدام علم المنطق وعلم الكلام، فزيَّنوا أقوالهم بعباراتٍ توهم بالمصداقية والموثوقية. مقاطعهم ومقالاتهم تحمل في طيَّاتها كلَّ جديدٍ وغريب. أفكارٌ ترابطت فيما بينها بطريقةٍ عجيبة، ترتبط بنصوص القرآن الكريم، والحديث الشريف، وتحريف الكلم عن مواضعه.

وآخرون قرَّروا تقديم التجديد للناس في دينهم عبر تصميم دينٍ يتلاءم مع الألفية الجديدة، إسلامٌ أطلقوا عليه اسم “الإسلام الكيوت” فهو مظهرٌ دينيٌّ يتلاءم مع متطلَّبات الواقع الجديد، يرضى عنه العلمانيون وأدعياء الإنسانية والنسوية.

أشخاصٌ قد تسمع عنهم من محيطك، يحدِّثونك عنهم منبهرين بهم وبأسلوبهم وباستحضارهم للشواهد وتوظيفها بطريقةٍ جديدةٍ لم تسمع عنها من قبل، فتظنُّ للوهلة الأولى من حديثهم أنَّهم علماء استثنائيون مبدعون ومفكِّرون عظماء.

قد تتساءل في نفسك: أين  العلماء الحقيقيون من هذا الكلام؟

لِمَ لم يسبق لغيرهم تفسير تلك الآيات بهذا التفسير أو ربطها بالعلوم الجديدة. غريبٌ أمر هؤلاء “المفكِّرين الجدد)، هل يعقل أنَّ أحداً لم يفطن لما فطنوا له! لربَّما فتح الله عليهم بما لم يفتح به على الأوَّلين.

 

فضولٌ يدفعك إلى البحث أكثر… فهلَّا محَّصت بعد أن زال البريق الخدّاع؟

قد تتساءل في نفسك فيدفعك فضولك وحُبُّك للاستكشاف إلى متابعتهم أكثر لشدَّة بريق أقوالهم الخادعة، تتشوَّق لتستمع إلى حديثهم المتجدِّد الذي لم تألفه نفسك سابقاً، فالإنسان بطبعه يميل إلى كلِّ غريب، ولأكون أكثر تحديداً فأنا أتحدَّث بصراحةٍ عن أسماء معروفةٍ لربَّما صادفت أحدهم على “يوتيوب” وأنت تقلِّب بين صفحاته، وأراني أضعُهم جميعاً في سلَّةٍ واحدةٍ رغم أنَّ لكلٍّ منهم طريقته في الترويج لنفسه ولفكره العجيب.

فكلٌّ منهم حادَ عن طريق الحقِّ وجادَّة الصواب فابتدع واخترع بدعوى التجديد والفهم العميق لمعاني النصوص. وسأستعرض في هذا المقال بعضاً من تلك الأفكار محذِّراً شبابنا منها، مؤكِّداً أنَّك إن لم تحصِّن نفسك فستتجرَّع حتماً السمَّ مع العسل؛ إن أخذتك الغفلة فسلَّمت عقلك لهم؛ ولم تبحث عن مصادر تلك الأفكار وتَوافُقها مع منهج الشريعة السليم، فهو كلامٌ جديدٌ بمجمله، جميلٌ معسولٌ يقدَّم في قالبٍ مُبهرٍ خلَّاق، حفَّه الشيطان من كلِّ جانبٍ ليُجمِّله ويلمِّعه فيتلاءم مع تطلُّعات المسلمين “الكيوت”، يُرضي الثقافة والميل العام اللَّذَين يروَّج لهما ليل نهار عبر القنوات الفضائية؛ من نشر أفكارٍ أصبحنا نتبنَّاها دون وعيٍ منَّا وقد خالفنا بها الإسلام في تشريعاته.

خلطة الفيزياء مع الفلك والهندسة بطابعٍ دينيٍّ مُعاصر

نبدأ مع أحدهم، وهو مهندسٌ معماريٌّ انطلق إلى العالم عبر نشر مقاطع يربط فيها بين بعض آيات القرآن والعلوم الفيزيائية أو الكونية، ثمَّ يتطوَّر الأمر معه لاحقاً بعد أن لاقى رواجاً ليتحدَّث في الغيبيات، وبأمورٍ لا يعلمها إلَّا الله عزَّ وجلَّ فينتقل إلى العبث بأمورٍ فقهيَّةٍ وعقديَّة، ويتمادى إلى أن يطعن في الإمام البخاريّ ويستهزئ به، فصار يُنكر بعضاً من الأحاديث الصحيحة بحجَّة معارضتها لعقله وفهمه.

كلُّ ذلك عبثاً بأحاديث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتحريفاً لكلام الله تعالى، والمتابع الفقيه الحاذق العالم يدرك بأنَّه يخلط بين الآيات والأحاديث النبوية تارةً، ويأتي بفرضيَّاتٍ في علوم الفلك والفيزياء يخترعها هو من بنات أفكاره تارةً أخرى، ثمَّ يُثبتها ويلصقها بالقرآن الكريم عبر تحريف آياته ومعانيه بِلَيِّ أعناق النصوص، وتأويل معانيها بكلامٍ مخترعٍ لم يتكلَّم به أحدٌ من أهل العلم والتفسير والفقه من قبل.

كيف يمكن لامرئٍ أن ينال شهادة الدكتوراه ولم يتخطَّ مرحلة الماجستير بعد!

يسطع نجمه فتكثر ضلالاته أكثر فأكثر. ومن تحريفاته التي ادَّعاها: أمورٌ تلزم معرفتها كلَّ مسلمٍ، فيُنكرها هو جاحداً، كإنكار عذاب القبر فهو في نظره خرافة، وإنكار وجود يأجوج ومأجوج، وادّعاؤه أنّ دخول الجنَّة لا يحتاج مجهوداً. وقوله بأنَّ آية: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوْتِكُنَّ﴾[الأحزاب33]، خاصَّةٌ بنساء النَّبيّ، ناهيك عن التزوير والتكذيب للصَّحابة الكرام رضي الله عنهم، وادِّعاؤه بأنَّ الأمَّة ليس فيها فقيهٌ منذ 1400 عام.

وضلالاتٌ أخرى أعجبُ كخلطه بين أيَّام الله وأيَّام الدُّنيا، وادّعاؤه معرفة مكان الجنّة والنار، وقوله بأنّ نهر الكوثر ليس نهراً، وقوله بأنَّ الصلاة الوسطى ليست صلاةً، وإنكاره لحكم تعدُّد الزوجات، وأفكارٌ أخرى وأخرى لا تنتهي؛ كدعوى معرفة اسم الله الأعظم، وهكذا كلَّما خمد نجمه خرج بضلالةٍ جديدةٍ تجعله حديث الناس لعهدٍ جديدٍ عبر “تريند” وسُمٍّ يخترعه لربَّما يوافق حدثاً جديداً، أو يبتكر هو تلك الفكرة بعد أن تختمر في ذهنه، فيقتنع بها في نفسه، فتصبح جاهزةً ليُطلقها بصورة “فايروس” جديد في فضاء الإنترنت، فيتلقَّفها عامَّة الناس ممَّن يعتمدون على الشابكة في استقاء معلوماتهم وشرائعهم.

نظريَّة التطوُّر تتوافق مع فكره الذي يريد نشره… فقصَّة خلق آدم في القرآن عنده قصَّةٌ من حكايات ألف ليلةٍ وليلة.

أمَّا الفيلسوف المجدِّد فستتقف أمامه مذهولاً من قُدرته على استحضار الشواهد وتوظيفها كما يحلو له وقد أوتي من البيان سحراً بكلماته التي ملأت الأجواء ثقةً، فيأتيك بفصاحةٍ تحرِّك قلبك فتشعر بأنَّ أفكاره تخترقك بالكلية، فحلاوة الكلام تسحر المستمع وتأخذ بلبِّه، فصاحبنا أوتي لساناً لافظاً وقلباً حافظاً، وهذه الصفات مهَّدت له الطريق إلى الشعبية والجماهيرية، ولأنَّ كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً ترى بعض الأفكار التي يقدِّمها ويشير إليها يناقضها في مقطعٍ آخر ناسياً أنَّه هُو من أقرَّ ضدَّها، لأنَّ أغلب نتاجه خُطَبٌ ومحاضراتٌ تحتاج إلى استذكارٍ وصياغةٍ آنيةٍ للفكرة، فيكثر فيها اللغط. وما يوثِّق ذلك إلَّا تتبُّع تلك الروابط المنشورة لنجد فيها تناقض أفكاره في المقاطع نفسها، فكفى بنفسك عليك شهيداً.

كيف يقبل عقلٌ لمسلمٍ صحيح العقيدة أن يقدح بصحَّة أحاديث الإمام البخاريّ الذي نهج نهجاً لا تستطيع مؤسَّساتٌ في عصرنا الحالي أن تقوم بما قام به، فضلاً عن القدح والذمِّ للسيِّدة عائشة أمِّ المؤمنين وغيرها من الصحابة، علاوةً على إنكار حادثة الإسراء والمعراج بناءً على النظرية النسبية، وذلك يصل بك إن سلَّمت له عقلك إلى أن تنكر الوحي ضمنيَّاً بناءً على تلك النظرية.

 أفكارٌ مسمومةٌ تخرجك من الدِّين بالتدريج لتوصلك إلى الإلحاد وأنت لا تدري. ما الذي حدث لعقيدتك وإيمانك المحصَّن؟ كيف اخترقت تلك الحصون؟

فمِن جدليَّة نظريَّة التطوُّر التي خاض فيها المذكور ضارباً بحقيقة خلق الله تعالى لبني أدم عرض الحائط. مؤكِّداً في خطبٍ عديدةٍ أنَّ انتقاء الجنس البشري يتمُّ بطريقةٍ غبيةٍ، ذات نتائج ذكية. ونعوذ بالله ممَّا ذكره وحرَّفه في حقِّ الذات الإلهية. ففي إحدى أفكاره التي يتحدَّث فيها عن خلق الله تعالى إذ يسمّيه التطوير لا التطوُّر، وساق فيه الشاهد تلو الآخر بطريقةٍ عجيبةٍ غريبةٍ عبر تدليس الشواهد وتحريفها عن مقصوداتها، وهو النهج الذي اتَّبعه على مدى سنواتٍ أسَّس فيها قاعدةً جماهيريَّةً اعتمدت على عامَّة الناس ممَّن ينبهرون بزخرف القول غروراً.

تجديدٌ دينيٌّ أم تطويعٌ للأهواء بما يلائم أغراضاً سياسيةً وفكريَّة.

يقول آخر بأنَّ النصَّ القرآني نورٌ يهدي لا قيد يأسر، نستنير به ولا نتحنَّط فيه، ومن حقِّنا أن نوقف العمل بنصوصٍ قرآنيّة ونبويّة إذا كانت ظروف العصر تختلف. “داعيةٌ”، “فقيهٌ”، “المجدِّد المؤسِّس لإحدى المراكز الإسلامية“، يحمل لواء “التجديد الديني” بمفهومٍ أنكره عامَّة أهل العلم، تجديدٌ يحمل عناوين برَّاقة كالنَّبيّ الديمقراطي! المرأة بين الشريعة والحياة! وإسلامٌ بلا عنف! ومن العبث في المصطلحات الشرعية إلى العبث في الفتوى إلى العبث بالمسلّمات الشرعية وصولاً إلى العبث في الأصول.

أفكارٌ يدسٌّ بها سمومه عبر مشروعه المثير للجدل، والذي لاقى قبولاً كبيراً لدى التيَّارات العلمانية الحديثة من المفكِّرين العرب، داعماً مشروعه بمشاريع أخرى تحت مسمَّى: “تعزيز خطاب التنوير الإسلامي“، فتاوى عصرية تخرج بشكلٍ متجدِّدٍ وبمسمّياتٍ حديثةٍ تنطلق مع كلِّ مناسبةٍ بتفصيلاتٍ وتغييراتٍ طفيفةٍ في المسميات بما يروِّج لروحٍ متجدِّدةٍ وعصرية.

إنَّ وصف المسلمين بالشهداء ووصف غيرهم بالقتلى هو اتِّجاه منحرفٌ يمهِّد للتطرُّف والإرهاب“، فالكلٌّ في اعتقاد المشار إليه شهداء لا فرق بين جينات المسلمين وجينات غيرهم من الأمم حسب وصفه. وكأنَّ مسألة الشهادة ترتبط بالجينات لا بالنيّة والاعتقاد!”.

 

تجديدٌ في الدِّين بتطوير نصوص القرآن، والتأكيد بنفي الحصانة عن السلف الصالح 

في فصلٍ آخر يضرب المشار إليه بحديث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خيرُ القرونِ قرْني, ثمَّ الَّذين يلونَهم, ثمَّ الَّذين يلونَهم …)) [ابن رجب جامع  العلوم والحكم |2/ 477]، عرض الحائط ليؤكِّد على ضرورة وضع دراساتٍ نقديَّةٍ للسَّلف الصالح على اعتبار أنَّهم غير مقدَّسين، وفيهم الصالحون والطالحون، وكلُّ محاولةٍ لوصفهم بالكمال المطلق هي إهانةٌ لهم وتشويهٌ للتاريخ والعقل، فكيف يمكن أن يتمَّ ذلك الخلط وبهذه الطريقة، خلط عامَّة الناس بتلك الصفوة التي أنارت للمسلمين طريق الرشاد. وإن هي إلَّا مغالطةٌ فكريةٌ تنطلي على عامَّة المسلمين.

فضلاً عن تجديده في النصوص القرآنية، فالقرآن بالنسبة إليه نصٌّ أدبيٌّ وتربويٌّ، ولذلك فهو حمّال أوجه ويحتمل تأويلاتٍ كثيرةً، وهو ليس كتاباً حقوقياً أو قانونيّاً صارماً بحيث يكون له تأويلٌ واحد، وفيه آياتٌ محكماتٌ هنَّ أمُّ الكتاب، وفيه آياتٌ متشابهاتٌ لا يعلم تأويلها إلَّا الله، وهو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلَّا خساراً.

ويشدِّد بأنَّ الإسلام دينٌ يتَّسع للجميع، وعلينا أن نتوقَّف عن الأوهام الانفعالية التي تجعلنا نقيِّم أنفسنا قضاةً لا هداة، ونحكم على الناس بالإسلام والكفر لمجرَّد اختيارهم مذهباً من المذاهب، وأنَّ علينا أن نتحوَّل من عبادة النصّ إلى الاستنارة به… وتحريفاتٌ، وتغييراتٌ، وضلالاتٌ، وطامَّاتٌ لا تتسع هذه السطور لذكرها، ويمكن للباحث عن الحقيقة أن يراها جليَّةً واضحةً عبر الاطِّلاع على فكره وما كتبه الكثيرون من الأئمَّة والعلماء الأكارم عنه وعن أفكاره المسمومة.

هؤلاء إن عرفتموهم دون أن نذكر أسماءهم فيعني أنَّكم تعرَّضتم لمقاطعهم ولأفكارهم يوماً ما، أو لأمثالهم ممَّن ينهجون نهجهم. ويخرج علينا آخرون في زمانٍ يعجُّ بالمحن والفتن يتبنَّون التجديد والتطوير للإسلام بتطويعه لروح العصر، الأمر الذي يخالف حتماً التجديد الحقَّ المقصود من الشارع الحكيم بتجديد معالم الدين وشرائعه وسننه، وكأنَّ في الدِّين نقصٌ، ويحتاج إلى إتمام، وأنَّ أحكامه لا تلائم كلَّ زمانٍ ومكان، ولكنَّ الله قيَّض لهذه الأمَّة رجالاً حملوا على عاتقهم مهمَّة تبيان الحقِّ من الباطل، فأشاروا إلى أباطيل هؤلاء محذِّرين إخوانهم ممَّن يبحثون عن الحقّ أن يقعوا فريسةً سهلةً في شِراكهم. فأفكارهم ما هي إلَّا كخيوط العنكبوت واهنة ضعيفة لا يقع فيها إلَّا كلُّ ضعيفٍ هزيل، وكلَّما أضاء المكان بنور الفكر الإسلامي السليم اختفت تلك الخيوط الواهنة وتلاشت. 

#مركز حوار | Facebook           #الحوار           #مركز_حوار             #ساحةٌ_تجمعنا             

#منصَّة_حوار                            #حصِّن_نفسك_من_الفقاعات_الإعلاميَّة

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *