الهاوية وحبل النجاة

الهاوية وحبل النجاة

Loading

الهاوية وحبل النجاة

بعد ما يقارب حوالي أربعين ألف عامٍ على ظهور الإنسان على سطح هذا الكوكب، وبعد ادِّعائه الوصول إلى قمَّة الحضارة وقد وطئت قدماه سطح القمر، طغى هذا الإنسان وتطاول حتَّى ظنَّ أنَّه يصل إلى خالقه، وراح يقرِّر ما له، ويستحلُّ ما ترغِّبه به نفسه، وخرج من حدود بشريَّته ليصير بعد عبادته لشهوانيَّته وحشاً تستغيث من رعوناته وانفلاته كلُّ وحوش الأرض.

إنَّ إنكار الإنسان وجود خالقٍ لهو أكبر جريمةٍ يرتكبها في حقِّ نفسه أوَّلاً. إنَّه حين يظنُّ أنَّه يحرِّر نفسه من العبودية للإله الواحد الخالق، فإنَّه بغباءٍ منقطع النظير يجعل نفسه بالضرورة عبداً لألف إلهٍ سواه، فهو عبدٌ للمال لا ينفكُّ عن قيده، وعبدٌ للشهوات الكثيرة لا يخرج من أسرها، عبدٌ لمن يمنع عنه ذلك كلَّه أو يظنُّ أنَّه يهبه له من البشر. إنَّه حين يذلُّ نفسه لتلك الشهوات، أكثر تعاسةً وكآبةً، ولو ذلَّ لخالقه العظيم القادر لكفاه كلَّ هذا.

إنَّ الأفئدة لما فرغت من الإيمان بالله واليوم الآخر، امتلأت إيماناً بأمورٍ أخرى اختلقتها اختلاقاً[الشيخ محمد الغزالي/عن كتابه: الإسلام المفترى عليه].

ما من إنسانٍ يستطيع أن يكون غير مؤمن، فقد رُكِّب الإنسان من الناحية النفسية بحيث يصبح مضطرَّاً إلى الإيمان بالله أو بغيره، ومتى مات الإيمان الإيجابيُّ فإنَّ الإيمان السلبيَّ يحلُّ محلَّه[هاري آرسون].

فالناس بلا دين أمواتٌ في أجسادٍ فانيةٍ لا يُحييها إلَّا نور الإيمان بالله مالك الملك، فالإيمان هو الولادة الحقيقيَّة للعقل والنفس والفكر وحتَّى للجسد، إنَّه يُشرق فيها لتكتسي حلَّة الروح المتَّصلة بخالقها، ومتى ما اتَّصل الإنسان بالله اتَّصل بكمال العدل، والنور، والجمال، والجلال، والحكمة، و… كلِّ الكمالات المطلقة.

إنَّ من شأن الإيمان بالله والتسليم له أن يُنقذ الإنسان من ظروف الحياة المأساوية التي تعانيها البشرية اليوم ولا تجد لها حلَّاً، إنَّه حبل النجاة الوحيد الذي يبحث عنه الشباب المعاصر، بعيداً عن الانتحار، أو المخدِّرات التي تقدَّم له، سواءً التي يتجرَّعون سمومها فعلياً هرباً من حاضرٍ مُرٍّ، أو تلك المتمثِّلة في أنواع الشهوات المنفلتة من كلِّ زمامٍ والمتاحة لهم حيثما طلبوا، ظانِّين فيها راحتهم، وسكينة بالهم. 

والبشريَّة في قرنها الواحد والعشرين تصرخ بلا صوتٍ حين ترزح تحت وطأة المادِّية القاتلة، وقد خنقت ما فيها من روح، وإنَّها تنشد الخلاص والراحة وتبحث عن سراب سعادتها هنا وهناك، ونسيت العودة إلى معينها الأوَّل.

إنَّها في أمسِّ الحاجة إلى العودة إلى خالقها الإله الواحد الأحد القادر، إلهٌ تخشاه جميع المخلوقات وتهابه، فيكفُّ الظالم عن ظلمه لإيمانه بالعقوبة الموعودة، ويكفُّ القويُّ عن استعمال بطشه في استغلال خيرات الشعوب وقهرها واحتلالها لأنَّ سلطانه لا يصل إلى سلطان مولاه وخالقه.

إنَّ العودة إلى الله تعالى ستكفُّ أصحاب الشهوة عن إطلاق العنان لشهواتهم الطاغية، التي تقاتل لتفوز في كلِّ مرَّةٍ بنوعٍ جديدٍ من اللذَّة، ولكن سرعان ما يذوي شعورهم بها، فتتطلَّب نفوسهم بشراهةٍ لذّةً أخرى ولو من غير الطريق الطبيعيّ لها.

فعجباً لإنسان اليوم، يعاني الدَّاء ويُكابده، مع أنَّ دواءه بين يديه معروفٌ موصوف، ولكنَّه رغم ذلك يُكابر.

يقول صلَّى الله عليه وسلَّم عن ربِّه عزَّ وجلَّ في حديثٍ قُدسيّ: ((إنِّي والإنس والجنُّ في نبأٍ عظيم، أخلقُ ويُعبدُ غيري، أرزق ويُشكر سِوايَ، خيري إلى العباد نازل وشرُّهم إليَّ صاعد، أتحبَّب إليهم بِنِعَمي وأنا الغنيُّ عنهم، ويتبغَّضون إليَّ بالمعاصي وهم أفقر شيءٍ إليّ، من أقبل عليَّ منهم تلقَّيته من بعيد، ومن أعرض عنِّي منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودَّتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أُقنِّطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهِّرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأمّ بولدها)) [رواه البيهقي]. 

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *