تصميم مقالة العناد

العناد

Loading

العناد

قالت الأم الحنون: ولدي حبيبي ارتدي سترةً كي تقيك من برد الشتاء.

فأجاب الشاب المعتدُّ بنفسه وهو في ريعان شبابه: أمي لست بحاجة لذلك، لقد أصبحت قادراً على فعل ما ينبغي فعله!

لقد عانى هذا الشاب عند عودته من نوبة بردٍ شديدة، لأنَّه عاند أمَّه ولم يصغ جيداً للكلام الذي ينبغي أن يفهمه ليعود على نفسه بالمصلحة والخير… لقد أغلق باب الحوار وسدَّ باب الخير بسبب عناده.

قال الأستاذ المعلِّم والمربِّي لطالبٍ من طلَّابه: لقد أكثرت الشغب والكلام وتضييع الوقت داخل الحصَّة الدرسية، وهذا سيؤثِّر على دراستك وسيتراجع مستواك العلمي في المستقبل.

أجاب الطالب بقلبه وقد كاد يجيب بلسانه: إنني سعيدٌ بأن أضحك طيلة الحصَّة وأجذب أنظار الطلاب نحوي، إنني بطل الصف ومحبوب الجميع، وسأستدرك دراستي في البيت أو في آخر العام!

جاء الامتحان وندم هذا الطالب أشدَّ الندم فالمسألة التي جاءت كرَّر شرحها المعلم في الصف أكثر من مرَّةٍ، ولكنه كان مشغولاً بإضحاك الطلاب ولم ينتبه إلى الحل فرسب… لقد أغلق باب الحوار، وسدَّ باب الخير بسبب عناده.

قال الأب القدوة لولده: هيا إلى الصلاة يا قرَّة العين، ففيها النشاط والطاعة ورضا الله عزَّ وجلَّ.

لكنَّ الولد المدلَّل المغترَّ بنفسه لم يأبه لنداء والده، بل قال في قرارة نفسه: ما زلت شاباً والوقت وقتي والمقاطع التي أشاهدها على الجوال ممتعةٌ ولا يمكن تفويتها.

لقد صار في سنِّ الزواج، ولكنَّ الأسرة التي تقدَّم لخطبة فتاتهم رفضته لأنَّه لا يصلِّي، لقد ندم وعاهد نفسه على الالتزام بصلاته، وعلم أنَّ عناده كان سبباً في إغلاق باب الحوار، وسدٌّ لباب الخير.

قال الطبيب له: إن أصررت على تناول السكّر بكميَّاتٍ كبيرةٍ فسيؤثِّر ذلك على صحَّتك وتصاب بأمراضٍ كثيرة.

إنَّه رجلٌ يحبُّ السكَّر ولا يأبه لكلام الطبيب، وليكن ما يكون ما دام يشعر بلذَّة السكَّر وحلاوته.

لقد أخبره الطبيب المعالج بأنَّ قدمه المجروحة لم تعد قادرةً على الشفاء، وسيضَّطر لبترها حتَّى لا يتفشَّى المرض في كامل الجسم، لقد ندم أشدَّ الندم وبكى طويلاً لأنَّه أغلق باب الحوار وسدَّ باب الخير بعناده.

إنَّ ما ذكر آنفاً وغيره من الأمثلة الكثيرة هو نفسه ما يحصل للإنسان عندما يغلق باب الحوار مع الحقّ ولا يقبل هداية الله عزَّ وجلَّ فيسدُّ أبواب الخير الكثيرة، ويصل به عناده إلى عقوبة الله عزَّ وجلَّ وحرمانه من سعادة الدِّين في حياته الدنيا وفي آخرته أيضاً.

لقد حصل هذا مع اليهود في تعاملهم مع الأنبياء أوَّلاً، ومع سيِّدنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ثانياً. 

رحمته في الجهاد

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ((انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا كَنِيسَةَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ، يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ، فَكَرِهُوا دُخُولَنَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَرُونِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يُحْبِطِ اللَّهُ عَنْ كُلِّ يَهُودِيٍّ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الْغَضَبَ، الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ».

قَالَ: فَأَسْكَتُوا مَا أَجَابَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ ثَلَّثَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ:

«أَبَيْتُمْ، فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَنَا الْحَاشِرُ، وَأَنَا الْعَاقِبُ، وَأَنَا النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، آمَنْتُمْ أَوْ كَذَّبْتُمْ».

ثُمَّ انْصَرَفَ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كِدْنَا أَنْ نَخْرُجَ نَادَى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِنَا: كَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: فَأَقْبَلَ.

فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: أَيَّ رَجُلٍ تَعْلَمُونَي فِيكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ؟

قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْكَ، وَلَا أَفْقَهُ مِنْكَ، وَلَا مِنْ أَبِيكَ قَبْلَكَ، وَلَا مِنْ جَدِّكَ قَبْلَ أَبِيكَ.

قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ لَهُ بِاللَّهِ أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ، الَّذِي تَجِدُونَهُ فِي التَّوْرَاةِ، قَالُوا: كَذَبْتَ، ثُمَّ رَدُّوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ، وَقَالُوا فِيهِ شَرًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتُمْ لَنْ يُقْبَلَ قَوْلُكُمْ، أَمَّا آنِفًا فَتُثْنُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَثْنَيْتُمْ، وَلَمَّا آمَنَ أَكْذَبْتُمُوهُ، وَقُلْتُمْ فِيهِ مَا قُلْتُمْ، فَلَنْ يُقْبَلَ قَوْلُكُمْ».

قَالَ: فَخَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[الأحقاف: 10]                                                        [أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم/23984/]

ولقد سار على هذا النهج من العناد كفَّار قريش فكان لهم مثل ما كان لسابقيهم من المعاندين:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: (سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ، فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ قَبْلَهُمْ، قَالَ: “لَا، بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ” فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ[الإسراء: 59].                                    [أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم/2333 /]

والمعنى: (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) أي: لما أرسلنا الآيات وكذَّبوا بها أهلكناهم، ولو أرسلناها إلى هؤلاء، لكذَّبوا بها، واستحقُّوا الإهلاك وعذاب الاستئصال، وقد كنّا حكمنا بإمهالهم لإتمام نشر دعوة محمَّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.                       [التفسير المنير: د. وهبة الزحيلي (15/ 104)].

أخيراً: قالوا في تعريف العناد: هو الاعوجاج والخلاف، وقيل: المبالغة في الإعراض ومخالفة الحق. [التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 248)].

وقالوا أيضاً: العناد: ردُّ الْحق مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ حقّ. [جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (2/271)].

والحمد لله ربِّ العالمين

#مركز حوار | Facebook           #الحوار           #مركز_حوار             #ساحةٌ_تجمعنا               #منصَّة_حوار

#العناد

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *