الظلم حتى في ميراثها

الظلم حتى في ميراثها 1

Loading

يصدر هذا السؤال غالباً من المعترضين على أحكام الشريعة الإسلامية، فيقولون: إنَّ الإسلام انتقص من شأن المرأة, ونظر إليها نظرةً دونيَّةً إذ جعل ميراثها نصف ميراث الرجل, ولو أنَّه احترمها حقَّاً لجعلها ترث كالرجل تماماً ولساوى بينهما… 

ويمكننا صياغة الاعتراض بشكل مبسّطٍ كما يلي:
(ينتقص الإسلام المرأة، ويعتبرها أقلَّ من الرجل بدليل أنَّه يجعلها ترث نصف ما يرثه الرَّجل)
للإجابة على هذا الاعتراض، يمكن تقسيم المبحث إلى أربعة تساؤلاتٍ فرعيَّة: 

  1. هل جزَّأ الإسلام نظرته إلى الكرامة الإنسانية على أساس الجنس؟
  2. هل ترث المرأة نصف الرجل حقَّاً؟
  3. ما هو البديل؟
  4. هل يأتي الفرع قبل الأصل؟

النقطة الأولى: هل جزَّأ الإسلام نظرته إلى الكرامة الإنسانية على أساس الجنس؟
بالنظر إلى مجمل آيات القرآن التي تتحدَّث عن الكرامة الإنسانية نجد أنَّه نظر إلى الإنسان نظرةً لا تفاضلَ فيها بين الذَّكر والأنثى أو الأبيض والأسود, وجعل معيار التفاضل الوحيد التقوى والعمل الصالح.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[سورة الحجرات: 13]
﴿َفاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ
[سورة آل عمران: 195]
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[سورة النحل: 97]
فلو أنَّ القرآن يحابي الذَّكر على حساب الأنثى لفضَّل فرعون على زوجته، ولكنَّ العكس هو الصحيح، فنجد أنَّ الله سبحانه قد ذمَّ فرعون في آياتٍ عديدةٍ لكفره وإعراضه عن الله، أمَّا زوجته فقد جعلها مضرب مَثلٍ للمؤمنين رجالاً ونساءً في صبرها ويقينها وإيمانها. 
﴿َضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
[سورة التحريم: 11]
فالقلب هو القلب سواءً كان في جسد رجلٍ أو في جسد امرأة، ولمّا كان في قلب هاجر عليها السلام يقينٌ صادقٌ بوعد الله، جعل إحياء ذكرى يقينها بالله شعيرةً من شعائر الإسلام، يقلِّد سعيَها المسلمون رجالاً ونساءً.
﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ ۖ
[سورة البقرة: 158]
وبهذا نعرف أنَّ الله لا يفضِّل إنساناً على آخر على أساس الجنس أو اللون؛ بل على أساس إيمانهم وعملهم الصالح.

النقطة الثانية: هل ترث المرأة نصف الرجل حقَّاً؟
لو نظرنا إلى مجمل الأحكام الشرعيَّة في قضية الميراث لوجدنا أنَّه على الرغم من أنَّ المرأة ترث نصف الرجل في حالاتٍ مشهورةٍ, فإنَّ هناك حالاتٍ أخرى ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
ولو أنَّ الإسلام أراد محاباة الرَّجل لجعله يرث أكثر من المرأة في الحالات كلِّها، ولكنَّ وجود حالاتٍ ترث فيها المرأة أكثر من الرجل أو مقداراً مساوياً له، دليلٌ على وجود معيارٍ موضوعيٍّ لا علاقة له بالجنس, يؤخذ بالاعتبار عند النظر إلى الميراث.
ما هو هذا المعيار الموضوعيّ؟ 
عند النظر إلى الميراث من وجهة النظر الإسلاميَّة نجد أنَّ توزيع أنصبة المواريث كانت بناءً على معيارين أساسيين: 
المعيار الأول: درجة القرابة، والمعيار الثاني: الواجبات المالية
ولا ينظر إلى المعيار الثاني -الوجبات المالية- إلا عند استنفاد التراتبيَّة في القربى. 

وبسبب هذه التراتبية نلاحظ العديد من الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل:

فلو أنَّ امرأةً ماتت, وتركت زوجاً وبنتاً وحيدةً وإخوةً أشقاء؛ فإنَّ البنت الأقرب إلى أمها بحسب المعيار الأول تأخذ نصف التركة, ولا يأخذ أبوها (زوج المتوفاة) إلا الربع, ويبقى الربع الأخير لأخوالها (إخوة المرأة المتوفاة)، وبذلك نجد أنَّ البنت قد ورثت من أمِّها بمقدار ما يرث أبوها وأخوالها مجتمعين.
بل إنَّ هناك حالاتٍ تحجب فيها المرأة الرجال عن الميراث: 

فلو أنَّ رجلاً مات وله بناتٌ وأخواتٌ شقيقاتٌ, وإخوةٌ ذكورٌ غير أشقَّاء؛ لورثت البنات ثلثا التركة, ويبقى الثلث الأخير للشقيقات اللاتي يحجبن إخوانهن الذكور لأَّنهنَّ أقرب منهم في درجة القرابة!
فأين محاباة الرِّجال في تلك الحالات!

وماذا عن الآية الكريمة: ﴿للذكر مثل حظِّ الأنثيين﴾ ]النساء176[؟

 تتحدَّث هذه الآية عن الحالات التي يتساوى فيها الورثة في المعيار الأول,  فبعد تساوي معيار درجة القرابة لا بدَّ من النظر إلى معيارٍ موضوعيٍ آخر ينظر للوارثين على أساس المسؤوليات المترتِّبة عليهم.

 ولو أنَّ شركةً أرادت أن تساوي بين موظَّفيها فأعطت مديرها التنفيذيَّ الراتب نفسه الذي تعطيه للموظَّف العاديِّ بسبب تساوي ساعات الدوام بينهما، لحكمنا على هذه الشركة بالفشل الإداري، والقاعدة القديمة التي عرفها العرب باسم (المغنم بالمغرم) ما زالت تطبَّق في كبرى المؤسَّسات العالميَّة، فعلى المدير واجباتٌ ماليَّةٌ متناسبةٌ مع حجم مسؤوليَّاته، أوجبت له زيادةً في الرَّاتب تعوِّضه عن هذه الواجبات.

 والعجيب أنَّ الإسلام قضى للمرأة المساوية للرجل في درجة القرابة بنصف ما للرَّجل، على الرغم من أنَّها لا تتحمَّل أيَّة أعباء ماليَّة (لا بمقدار نصف أعباء الرجل، ولا أقلَّ من ذلك)، وبهذه الصورة نجد أنَّ المرأة عملياً ترث أكثر من الرجل، إذ تحتفظ بنصيبٍ مساوٍ لنصف نصيب أخيها دون أن تصرف شيئاً منه، أمَّا أخوها فهو مطالبٌ (إن لم يكن لها زوجٌ) أن يُنفق من ماله عليها دون أن يطالبها بشيءٍ مما أخذته، ومع ذلك فإنَّ الإسلام قضى لها بالنصف لأنَّها وارثةٌ تستحقُّ جزءاً من مال صاحب التركة, وإن لم تتحمَّل أيَّة أعباء ماديَّة.

 ومن هنا نجد أنَّ المعيار الثاني نظر إلى الأمر من حيث الواجبات المالية لا من حيث الجنس، فإنّه لا تفاضل على أساس الجنس كما كان واضحاً في الأساس من النقطة الأولى: (الكرامة الإنسانيّة), ومن المعيار الأوَّل: (درجة القرابة), فكيف لعاقلٍ بعد ذلك أن يقول: إنَّ الإسلام يحابي الذَّكر لأجل ذكورته!

وبعد هذا, فجديرٌ أن يُسأل: لماذا يُفرض على الرجل أن يتولَّى الشُّؤون الماديَّة للمرأة؟

أليست المرأة مستقلَّةً بذاتها؟ ولماذا لا ترث كالرَّجل تماماً على أن تعمل مثله دون أن يكون أحدٌ من الرجال مسؤولاً عنها؟ أليس هذا أفضل من أن تبقى أسيرةً للرِّجال -أيَّاً كانت درجة قرابتهم- يتحكَّمون بها؟ أليس هذا البديل أفضل من نظرة الإسلام التي تجعل المرأة محتاجةً إلى من يرعى شؤونها بشكلٍ يفرض وصايةً ذكوريَّةً وسلطةً أبويَّة أو زوجيَّة عليها؟

وعند هذا التساؤل نكون قد وصلنا إلى المحطة الثالثة من مبحثنا، والتي صيغت على شكل سؤال: (ما هو البديل)؟

ويجدها القارئ في الجزء الثاني من المقال. (انظر مقال هل ترث المرأة نصف الرجل – الجزء الثاني)

المراجع:

  • لقد تطرق إلى هذه الحالات بإسهابٍ كبيرٍ الدكتور صلاح الدين سلطان في كتابه “ميراث المرأة وقضية المساواة” من الصفحة 32 إلى الصفحة 41،
  • إتحاف الكرام بمائة وأربعين حالة ترث المرأة فيها أضعاف الرجل في الإسلام – علي محمد شوقي
  • أكذوبة أن ميراث الرجل ضعف ميراث المرأة.. محمد عمارة : فيديو: https://youtu.be/fkd3mcwp4nU
  • هل ظلم الإسلام المرأة في الميراث؟ فيديو: https://youtu.be/NwdWW3VlrUM

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *