الشذوذ الجنسي من الناحية الاجتماعية

الشذوذ الجنسي من الناحية الاجتماعية
بقلم: أ. محمد زريع

Loading

لم تتَّفق الأمم السابقة منذ ولادة سيِّدنا آدم في التشريعات والأمور المتعلِّقة بالأحكام، بل كانت متغيِّرة. لكنَّها اتَّفقت جميعاً في دعوتها إلى الاخلاق ورقيّها، وأكَّدت على ضرورة وجودها في أيِّ مجتمع حتَّى يُفلحَ أهله ويَسعد…علماً أنَّ الأخلاق إنَّما تنبع من الفطرة السليمة التي تدفع إلى الابتعاد عن الرذائل وقبائح الأفعال، وتحثُّ على التَّمسُّك بما ينفع ويُرشد إلى الطريق الصواب…

ولأجل أن تحظى المجتمعات بالسعادة التي يبحث عنها كلُّ أحدٍ لا بدَّ أن تتَّبع منهجاً يسير عليه كلُّ أفرادها, لا فرق بين أحدهم والآخر ولا تمايز بينهم, فإذا حصلت المخالفة وقعت العقوبة على الجميع, لأنَّهم لم يعتمدوا مبدأ التناصح فيما بينهم…

لقد بيَّن لنا ربُّ العالمين تبارك وتعالى أنَّ الخيرية تكمُن في الأمَّة حين تتناصح فيما بينها وحين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, قال رب العالمين: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُوْنَ بِالمَعْرُوْفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنْكَرِ [آل عمران/١١٠].

فإذا تركت الأمَّةُ ذلك نُزعت منها هذه الخيريَّة, وإذا ما نُزع الخير سكن الشرُّ وفسد المجتمع… وإنَّما تبدأ النكسات في المجتمع من محتويات الأنفس وما فيها من عاداتٍ توجِّه حركات الأفراد  إيجاباً أو سلباً.

يحدِّثنا التاريخ في غابر السنوات عن انتكاسةٍ للفطرة في أحد المجتمعات، حين صار الطاهر العفيف منبوذاً، وصار الفاسد الشاذُّ مألوفاً طبيعياً يفتخر بفعله جهاراً نهاراً، وليس هنا محلُّ التعجُّب فقط، لأنَّ المتأمِّل في أحداث ذلك الزمان يعجب من سوء الحال التي وصل إليها أولئك، وتراهم لم يُذكروا إلَّا بالعذاب والعقاب ولم تكن لديهم حضارةٌ تنفع ولا علمٌ يرفع.

يروِّج الغرب اليوم للشذوذ على أنَّه سمة الحضارة، والمدنية، والمعاصرة، والبعد عن التعصُّب، وأنَّه صورةٌ من صور التنوُّع الطبيعي، والانفتاح على الجديد، تُلغي سقف الحريَّة لتصير تفلُّتا يترك الشهوات مستعرةً، حتَّى يغدو الإنسان معها وحشاً لا تُشبع نهمته كلُّ متع الأرض، فيلهث بعدها باحثاً عن المزيد والجديد وإن كان فيه هلاكه…

أين الحضارة التي تركَتها الأقوام السابقة عندما أصرُّوا على ما يصرُّ الغرب عليه اليوم! 

ما تركوا لنا سوى العبرة من جرَّاء جحدهم وبُعدهم: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيْلٍ مَنْضُوْدٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِيْنَ بِبَعِيْدٍ[هود/ ٨٢ – ٨٣].

فعجباً كيف يرَون عصيان الخالق حريةً وحضارةً!

وحتَّى  تنجو المجتمعات وتسلم لا بدَّ لها أن تتخلَّى عمَّا هي عليه اليوم من بُعدٍ عن الله وانتكاسٍ للفطرة التي فطر الناس عليها, ولا بدَّ لها من رحلة تطهيرٍ ممَّا اقترفته أيديها، وهذا هو المبدأ الذي أقرَّه الخالق سبحانه وتعالى عندما قال: ﴿إنَّ الله لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم[الرعد/ ١١].

ولذلك نرى بعض الدول التي تتمسَّك برقيّ حضارتها تمنع عرض الأفلام التي تحتوي على مشاهد مبتذلة تخرق الحياء وتنزع المروءة…

وما نشاهده اليوم من عبثٍ في عقول الأطفال وتربيتهم على مشاهد شاذَّةٍ تُناقض الفطرة إنَّما هدفها أن يصير هذا الأمر مألوفاً لهم عند الكبر فلا يرونه خطباً عظيماً، هذا عدا ما يصيب المجتمع من مصائب وويلات يجرُّها ترك الزواج الشرعي الطبيعي الذي يُنشئ أسرةً طبيعية هي أساس المجتمع الفطري السليم. 

ومن جانب آخر:

فقد سنَّت بعض الدول تحت مظلَّةٍ سياسيةٍ قوانين لحماية الشواذّ، واعترفت بحقوقهم وسمحت لهم بزواجهم الشاذّ، وتبنِّي الأطفال، وممارسة المهن العامَّة وأخطرها التعليم، والاختلاط بالمجتمع، وهم يحملون سمومهم، وينشرون فكرهم الذي لا يمتُّ إلى لإنسانية السوية بأيِّة صلة، حتى يجري تقبُّلهم وتقبل فكرهم. 

فالشذوذ جريمةٌ تهدِّد بقاء المجتمعات واستمراريَّتها وتنذر بالهلاك… لكنَّه سلوكٌ لا يظهر هكذا فجأةً بين ليلةٍ وضحاها إنَّما يمهَّد له بمقدِّماتٍ تلمحها العين االمبصرة. فتُنثر بذوره السامَّة لتنمو بالتدريج شيئاً فشيئاً، فتفسد العقول، وتشوِّه الأفهام، وتطمس نور البصيرة حتى يصير الحقُّ باطلاً والباطل حقَّاً، وعلى عاتقنا أن نسدّ شقوق الباب لأنَّ فتحه يعني الهاوية.

وإنَّ إسلامنا الحنيف يحرص على احترام وجهات النظر المختلفة، ويدعو إلى محاورتها وتقديرها, لكنَّ هذا الخبث الذي ينادى به اليوم لا يعبِّر عن وجهة نظرٍ طبيعية، وهو ليس مجالاً للمحاورة لأنَّه تهديدٌ لمستقبل الإنسان والفطرة السوية واستقرار المجتمع وسعادة الإنسان. 

بقلم: أ.محمد زريع

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *