الشذوذ الجنسي من الناحية النفسية

الشذوذ الجنسي من وجهة نظر نفسية
بقلم: أ. رهف قره حمودة

Loading

لا يخفى بين الحين والآخر ظهور آراء فرديّةٍ وجماعيّةٍ حول ظاهرةٍ معيَّنةٍ بشكلٍ مُختلفٍ عن التّعاطي السابق لها، ولعلَّ ذلك مرتبطٌ بشبكةٍ من الأجندات والمسوِّغات، وعلى الرَّغم من أنَّنا لا نُقحم نظريّة المؤامرة هنا إلَّا أنّ الأمثلة التي تدعم الفكرة السابقة كثيرة.

في بداية القرن العشرين نظر علم النفس كأوَّل التَّخصُّصات العلميّة إلى الشُّذوذ الجنسيّ على أنَّه اضطرابٌ نفسيٌّ متضمِّناً المثليّة، والفيتشيّة، والبيدوفيليا، والسَّاديّة، والمازوشية، وغيرها، وذلك استناداً إلى الافتراضات التي جرى اختبارها وإلى ما كان يعتبر معياراً اجتماعياً، وعلى انطباعاتٍ سريريّة تألّفت من مرضى طلبوا العلاج بسبب سلوكهم الشّاذ جنسياً، حتى إنَّ القانون كان له إسهامٌ في معالجة ذلك.

وفي سبعينيَّات القرن العشرين، أصبح هناك إجماعٌ في مجال العلوم السلوكيّة والاجتماعيّة والمهنيّة الصِّحّيّة والنفسيّة على أنَّ أحد أنواع الشذوذ الجنسيّ أو ما أصبح يسمَّى لاحقا “المثليّة الجنسيَّة” هو شكلٌ صحِّيٌّ من أشكال التّوجُّه الجنسيّ عند البشر.

وعلى الرّغم من أنَّ معظم العاملين في هذا المجال مازالوا يرون في ذلك اضطراباً نفسياً إلَّا أنَّه ومع الأسف تَّمت إزالته من قبل مؤسَّسات الصِّحَّة النّفسيّة الكبرى مثل:DSM  (دليل التَّشخيص الإحصائي النَّفسيّ الأمريكيّ للاضطرابات النّفسية) من قائمتها باعتباره أحد الاضطرابات النفسيّة.

لا بُدّ أن نقف عند بعض التعاريف النفسيّة الخاصَّة بالاضطرابات الجنسيّة لنفهم تماماً في فوضى المصطلحات القائمة ما هو السواء والشذوذ الجنسيّ:

  • الهويّة الجنسيّة sexual identity:

وهي الخصائص الجنسيَّة البيولوجيّة للشّخص (الصبغيات- الأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية– الهرمونات– الغدد التناسلية- الصفات الجنسية الثانوية).

  • هويَّة الدّور الجنسيّgender identity:

هو إحساس الشَّخص بكونه ذكراً أو أنثى (وقد يرتبط هذا الإحساس بمفاهيم نشأ عليها الفرد أو تأثَّر بها تباعاً؛ بغضِّ النظر عن هويته الجنسيّة).

  • الدّور الجنسيّ gender role:

وهو السُّلوك والدور الذي يمارسه الشخص ليُظهر نفسه ذكراً أو أنثى، وهذا لا يكون موجوداً عند الولادة، ولكنَّه يتشكَّل تدريجياً من خلال خبراتٍ تراكميّةٍ تعليمية.

  • التوجُّه الجنسيّ sexual orientation:

وهو ما يصف الأمور التي تثير الدّوافع الجنسيّة، ولعلّ اختلافها من خلال ما سبق يوضح أنَّ الصفات الجنسيّة البيولوجية للذّكر مختلفةٌ حتماً عن الصِّفات الجنسيّة البيولوجيّة للأنثى بما في ذلك الصبغيّات، والهرمونات، والغدد، والأعضاء الجنسيّة…

وأنَّ الإشباع الجنسيّ السّويّ هو العلاقة الجنسيّة المشروعة بينهما والْمُهيَّأة بيولوجياً لهذا الغرض، أمَّا غير ذلك من أشكال الإشباع الجنسيّ: كالاستمناء، والمثليَّة، والفيتشية (العلاقة مع الأشياء)، والبيدوفيليا (العلاقة مع الأطفال)، والمازوشية (الإشباع عند التَّعرُّض للأذى والعنف)، والسَّاديَّة (الإشباع عند التَّسبُّب بالأذى والعنف) وغيرها… هي أشكالٌ مُنحرفةٌ غيرُ سويّةٍ للإشباع الجنسيّ.

وبعيداً عن الدِّراسات التي يتمُّ التّرويج لها إعلاميّاً، أجرى فريقٌ من الباحثين بجامعة (نورث ويسترن) الأمريكيَّة دراسةً علميَّةً عام 2014 شملت فحص الحمض النووي لـ 400 ذكر من “المثليين الجنسيين” ولم يتمكَّن الباحثون من العثور على جينٍ واحدٍ مسؤولٍ عن توجُّههم الجنسيّ، وقالوا بأنَّ الجينات كانت إمَّا غير كافية، أو غير ضروريّة لجعل أيٍّ من الرِّجال شاذَّاً جنسيّاً.

وعلّق أستاذ علم الجينات الأمريكيّ (آلان ساندرز) على هذه الدِّراسة قائلاً:

الجينات ليست هي القصَّة الكاملة، إنَّها ليست كذلك“.

هذه الإشكاليَّة التي طرحها أستاذ الدِّراسات العائليَّة بجامعة (نبراسكا دوغلاس آبوت) تقول بأنَّ كثيراً من الناس يعتقدون أنَّ الجينات تؤثِّر في سلوكٍ نفسيٍّ مركب، والأمر ليس كذلك في أغلب الحالات، حيث ينتج السُّلوك من تأثيرٍ جينيٍّ مُتفاعلٍ مع العوامل البيئية.

لذلك فإنَّ الدّور الجنسيَّ والتوجُّه الجنسيّ يتأثَّران بآليَّات البرمجة الفكريّة، والاكتساب من المحيط ليشكِّلا فيما بعد أحد أشكال السُّلوكيّات الجنسيّة.

وبالتالي فإنَّ أيَّ أخطاء في التربية الجنسيّة كتعامُل الأهل الأُنثويّ مع أطفالهم الذُّكور أو العكس، أو التّعرُّض للتَّحرُّش الجنسيّ يمكن أن يُفعِّل مساراتٍ عصبيّةً للَّذّة أو ألماً في دماغ الطفل، وهذه المسارات غير السويّة تحرِّض فيما بعد قهريَّاً أو بإرادة الفرد سلوكيَّاتٍ جنسيَّةً شاذَّة.

ختاماً نقول:

إنَّ تغيُّر نسبة التَّقبُّل، والاعتراف بالإشباع الجنسيّ غير السّويّ وما ينطوي عليه من دعواتٍ لحريَّة الهويَّة الجنسيّة، أو وجود علاقةٍ بين الجينات والسُّلوك الجنسيّ وغير ذلك لابدَّ وأن يُنظر إليها نظرة استبصارٍ موضوعية.

ومن وجهة نظرٍ نفسيَّةٍ:

فإنَّ أيَّ انحرافٍ جنسيٍّ سواء كانت أسبابه تحليليَّةً أو نفسيَّةً معرفيَّةً يمكن أن يخضع للعلاج الدَّوائيّ والنّفسيّ التّحليليّ والمعرفيّ والسُّلوكيّ، من خلال جلساتٍ لا يَسعُنا ذكرها هنا، مع التَّأكيد على نجاحها في حال رغب المستفيد بالعلاج ونظر إلى الأمر على أنَّه مشكلةٌ يلزمها العلاج المناسب.

أمَّا مع وجود هذا التَّعنُّت والفكر الذي يقول: إنَّ هذا الإشباع الشاذّ هو ليس انحرافاً بل طريقةً من طرق الإشباع الجنسيّ، وعلاقةً عاطفيَّةً، وزواجاً مشروعاً استجابةً لأجنداتٍ لا دينيَّةٍ وماديَّةٍ وتسويقيّة… فإنَّ الكلام عن الفطرة والسواء النفسيّ والجنسيّ لن يُنظر  إليه إلَّا من منظار التَّعصُّب والجهل والتّخلُّف.

وفي النهاية مهما اختلفت الآراء تبقى الحقيقة واحدة.

المراجع بتصرف:
  • الشذوذ الجنسيّ حقيقته وأشكاله، محيي الدّين محمّد عطيّة، دار المنهل 2015.
  • مذكَّرة إعداد استشاريّ نفسيّ معتمد، تأليف الدكتور: حكم دياب، اختصاصيّ الطّبّ النّفسيّ.
  • Diagnostic and statistical manual of mental disorder (DSM2)
  • American psychological association Appropriate therapeutic responses to sexual orientation 2018
  • Homosexuality and American psychiatry the politics diagnosis Bayer Ronald 1987
  • Shuvo Ghosh MD gender identity from emedicine.medscspe.com 2020
  • John M Grohol transvestic disorder symptom from psychcentral .com 2020 
 

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *