الحج عبادة وثنية

الحج عبادة وثنية!

Loading

الحج عبادة وثنية المشركون هم الذين أخذوا أفعال الحجِّ من بقايا الأنبياء، وليس الإسلام هو الذي قلّد الوثنيّة في مناسك الحجّ.                       

يدّعي بعضُهم من خلال النَّظرة السطحيَّة أنّ مناسك الحجّ عند المسلمين مستَمَدّةٌ من طقوس الحجِّ عند المشركين، وقالوا: إنَّ الحجَّ في الإسلام يحتوي على طقوسٍ وثنيّة!

وإنّ سبب هذا التَّشابه الظَّاهريّ أنّ الحجَّ عند المسلمين هو ذاته ما كان في عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصَّلاة والسَّلام، وقد كان لدى الجاهلية بقايا من الشريعة الحنيفيّة، فقلّدوا في ظاهر الحجِّ شريعة إبراهيم عليه السلام، لكنّهم أدخلوا الأصنام وعظّموا الأحجار، فكانوا يعبدون الكعبة لذاتها ويتقرّبون من الأوثان التي جعلوها في موضع المناسك، ويعتقدون أنّها تضرّ وتنفع.

والمشركون هم الذين أخذوا أفعال الحجِّ من بقايا الأنبياء، وليس الإسلام هو الذي قلّد الوثنيّة في مناسك الحجّ.

فالطُّقوس الوثنيَّة هي عبادة الأحجار والأوثان والتقرُّب إليها، والاعتقاد بأنَّها تضرُّ وتنفع، أو أنّها تقرِّب إلى الله زلفى، فيشركونها بالله في العبادة.     

أمّا الحجّ في الإسلام فيختلف عن طقوس الجاهليّة اختلافاً جذريّاً، فكلُّ منسكٍ يقوم به المسلم يتجلَّى فيه الانقياد لأوامر الله وعبادته وتعظيمه، ولا اعتبار للحجارة التي تقام حولها المناسك، وإنَّما هي رسومٌ أمرَ الشَّرع أن تؤدّى المناسك في موضعها، تعظيماً لربّها وليس تعظيماً لها، فالطَّواف حول الكعبة ليس عبادةً للكعبة، والسَّعي بين الصفا والمروة ليس عبادةً لهما، بل عبادة الله الذي أمر بهذه المناسك؛ لذا نجد استحباب تقبيل الحجر الأسود واستلام الرُّكن اليمانيّ، لأنّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمر بذلك، وكراهية تقبيل أو استلام الرُّكن الشَّامي؛ لأنّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يأمر بتقبيله، وهذه المواضع كلُّها من الكعبة، ولو كانت العبادة للكعبة ذاتها لما فرّقوا بين الرُّكن اليمانيّ والرُّكن الشَّامي وقبّلوا كلّ موضعٍ في الكعبة، ولكن لمّا كانت أفعال الحجّ طاعةً لله وامتثالاً لأوامره شُرِع تقبيل واستلام ما أمر به الشرع، ومُنِع من تقبيل أو استلام ما لم يرد فيه دليلٌ شرعيٌّ، لذا فالعبادة لربِّ البيت وليست لذات البيت، قال تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ[قريش3].

ولتحقّق فهم المسلمين لهذا المعنى واتّضاحه لهم  نجد سيدنا عمر رضي الله عنه عندما جاء إلى الحجر الأسود وقبّله، قال: (إنِّي أعلم أنَّك حجرٌ، لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقبِّلك ما قبّلتُك) [البخاري: (1597)] فالحجر الأسود حجارةٌ لا تضرُّ ولا تنفع في اعتقاد المسلمين، وإنّ تعظيمها من تعظيم الله لأنَّه هو الذي شرع الأحكام، وما تقبيله إلا امتثالٌ للشَّرع وطاعةٌ لله تعالى.

وكذلك السَّعي بين الصَّفا والمروة، فقد تحرّج المسلمون في بداية الأمر من السَّعي بينهما، لمَّا رأوا أنَّ الأنصار كانوا يهلّون (أي يحجُّون) في الجاهلية لصنمين على شطّ البحر، يقال لهما إساف ونائلة، ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة، ثمّ يحلقون، فلمّا جاء الإسلام كره المسلمون أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية، خشية التشبّه بأعمال المشركين، فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَاْ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة 158] [انظر صحيح مسلم: (1277)] أي إنّ الصّفا والمروة من شعائر الله التي جعل الطّواف حولها من مناسك الحجّ، ولا عبادة في الإسلام إلّا لله وحده، وإنّ وثنيّة الجاهلية وشركها لا تؤثّران على شعائر الله تعالى وأحكامه وإخلاص العبادة له. 

وهكذا تتَّسق العبادات كلُّها تحت مقصد توحيد الله تعالى، فإنّ من أهمّ الأصول الثابتة في الدِّين: 

ترسيخ الإيمان والتوحيد، والقضاء على الشِّرك والوثنيَّة: فبعد أن قال الله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ[الحج: 27] قال في تتمَّة الآيات: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور، حُنَفَاءَ لِلهِ غَيْرَ مُشْرِكِيْنَ بهِ[الحج: 30]

ونجد أنّ التلبية التي هي شعار الحجِّ تحتوي على معاني التوحيد الخالص: (لبَّيك اللهمّ لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).

ومن ثمّ فالمسلم ينوي في كلّ عباداته وطاعاته امتثال أوامر الله تعالى وتنفيذ أوامره، والعبوديّة له وحده، والعبادات في الإسلام مبنيّةٌ على النيّات، ولا قبول للأعمال ما لم تكن النيّة فيها خالصةً لله تعالى، وأمّا المظاهر والأفعال فقوالب أمر الله تعالى بها، وجعل لها شروطاً وأركاناً وأوقاتٍ وصفاتٍ، وأضاف لشعيرة الحجّ الأماكن المقدسة، ولا بدّ من مراعاة ذلك كلِّه؛ للحفاظ على الأحكام الشرعيّة.

وبهذا نجد أنّ الحجّ هو توجّه القلب إلى الله وحده بالتعظيم والعبادة، وامتثال أوامره في المناسك كما أمر من طوافٍ وسعيٍ ووقوفٍ بعرفة، وأنّ تعظيم الشعائر ليس عبادة لها، بل تعظيمٌ لله وامتثالٌ لأوامره، وأنّ نيّة العبادة لله وحده لا للكعبة ولا لغيرها من الأماكن.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *