التفكير
التفكير
إنَّ إعطاء المكانة العالية للتَّفكير من أجل الوصول إلى الإيمان أمرٌ يشتهر به القرآن، وغالباً ما يذكره الإسلاميون الغربيُّون، ويرى العديد من علماء الغرب في هذا أنَّه من عيوب القرآن أنَّهم يرون أنَّ الإيمان والعقل غير متوافقين في الأصل. فعلى سبيل المثال يقول لامينز متهكِّماً: إنَّ القرآن (ليس بعيداً عن اعتبار الكفر على أنَّه حالة ضعفٍ في العقل البشري).
إنَّ ردَّة فعل لامينز هنا ثقافيةٌ وعاطفيةٌ أكثر مما هي عقلانية، تنبع جذورها من صراع الغرب الذاتيّ مع الدِّين والعقل، ومع ذلك فليس جميع الباحثين الغربيين في مثل سخريَّته. وفي حين أنَّ مكسيم رودينسون ليس بمدافعٍ عن الإسلام فإنَّه يرى في هذا الجانب من القرآن ما يصبُّ في مصلحة القرآن نوعاً ما. ويكتب رودينسون قائلاً: “إنَّ القرآن يقدِّم باستمرارٍ البراهين العقلية الدَّالَّة على قدرة الله. فمعجزات الخلق، مثل تكاثر الحيوانات، وحركة الأجرام السماوية، والظواهر الكونية، واختلاف أنواع الحيوانات والنباتات، تتناسب وحياة الإنسان بشكلٍ رائع، وهي جميعاً ﴿لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾”.
ويضيف رودينسون: “يتكرَّر الفعل (يعقل) في القرآن حوالي خمسين مرَّة، والذي يعني: (يربط الأفكار بعضها ببعض، يفكِّر، يفهم مناقشة ذهنية). وتطالعنا اللازمة (أَفَلا تَعقِلُون). ويصرُّ القرآن على أنَّه يحتوي على آياتٍ لمن (يُؤتَى الحِكمَةَ)، و(العالِمُونَ)، ولـ(أُولُي الأَلبابِ)، وللَّذين (يَتَفَكَّرُونَ)، وشكوى القرآن الدائمة ضدَّ من يُعرضون عنه هو أنَّهم يرفضون استعمال قواهم العقلية، وأنَّهم يغلقون عقولهم عن التعلُّم. ويسأل القرآن على نحوٍ شكوكيٍّ تقريباً ﴿أَوَلَم يَرَوا إلى الأَرْضِ كَمْ أَنبَتنا فِيها مِن كُلّ زَوجٍ كَرِيمٍ﴾.
وغالباً ما يقوم المدرّسون المسلمون في المدارس الإسلامية في العالم أجمع بتذكير طلَّابهم بأوَّل خمس آياتٍ من السورة السادسة والتسعين ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ إنَّ هذه الآيات هي أوَّل خمس آيات تنزَّلت على محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم. فكلمة (اقرأ) توضح لنا أنَّ مهارة التخاطب الكتابيّ هي إحدى النعم السماوية العظيمة لأنَّه عن طريق استخدام القلم علّم الله الإنسان ما لم يعلم.
وهنا يسلط القرآن الضوء مرَّةً ثانيةً على قدرة الإنسان المثالية على التواصل، وهذه المرَّة عن طريق الكتابة، وعلى التعلُّم بشكلٍ جماعيٍّ من جوانب فهم وخبرات الآخرين.
ويشير التكرار في هذه السورة إلى الأهمّية التي يوليها القرآن لبعض المواضيع، ويجب أن نلاحظ أنَّ كلمة (علم) ومشتقَّاتها التي تدلُّ على المعرفة في العربية تتكرَّر في القرآن 854 مرة، وهي من أكثر المفردات وروداً في القرآن. ويجب أن نلاحظ وجود حوارٍ أيضاً في العديد من قصص القرآن بين المؤمن والكافر، ونجد أنَّ موقف المؤمن هو أشدُّ عقلانيةً ومنطقيةً من خصمه لا محالة.
No comment yet, add your voice below!