الإرهابيون هم أعداء الإسلام

قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللهَ لَاْ يُحِبُّ المُعْتَدين [البقرة:190]

     مُنْذُ أَيَّامٍ استوقفتني امرأةٌ مثقَّفةٌ, وقد علمت أنِّي من خطباء المساجد, فقالت لي بتحمُّس: يا شيخ, كفى حديثاً عن غزوات النَّبيِّ ﷺ, وحدِّثوا الناسَ في مواضيع أخرى، فابتسمتُ وأجبتُها وأنا أعلم ما تقصده: نحن نحدِّث الناس بما يحتاجونه, وبما فيهِ خيرهم في الدُّنيا والآخرة.

وبعد أيَّامٍ من هذا الموقف, شاهدتُ في وسائل التواصل مذيعةً تتحدَّث في إحدى المحطَّات التلفزيونية وهي تجلس إلى جانب عالمٍ أزهريٍّ تحدِّثه بفظاظةٍ وغلاظةٍ وشدَّةٍ وانفعالٍ, تقول له: لقد كان محمَّدٌ إرهابياً على مستوىً عالٍ، فقد قاتل قومهُ وقتلهم أبشع قِتلة. وأخذت تكيل الاتِّهامات إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بعداوةٍ ظاهرةٍ, وكلماتٍ بشعةٍ, لا تمتُّ إلى الحقيقة بشيءٍ، وكانت دهشتي من العالِم الضيف أنَّ إجابته لم تكن في المستوى المطلوب.
أقول: ينبغي لكلِّ مسلمٍ وفي كلِّ زمانٍ ومكانٍ ألّا يغيب عن ذهنه أنَّ العداوة للإسلام قد ظهرت منذ اللحظة الأولى لبعثة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم, وخصوصاً من قبل المتكبِّرين المتجبِّرين من العرب المشركين, وأكثرهم عداوةً اليهودُ الذين يمثِّلهم الصهاينة في كلِّ زمانٍ ومكانٍ, فلا يغفلون لحظةً عن الكيد للإسلام والمسلمين والطَّعن في القرآن الكريم والنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
نسمعُ في كلِّ يومٍ أسلوباً جديداً لهذه العداوة, وبما أنَّنا اليوم نسمعُ ونشاهدُ الحديث المتكرِّر عن الإرهاب والإرهابيين, فإنَّ أعداء الإسلام في كلِّ مكانٍ يصفونه ونبيَّهُ المصطفى صلى الله عليه وسلم والمسلمين بصفة الإرهاب.
وليعلم كلُّ واحدٍ منّا أنَّ هؤلاء المدَّعين هم أصل الإرهاب وأهله وسبب انتشاره, وعلى رأسهم أولٰئك الصهاينة, ومن كان منهم أو معهم أو مؤيداً لهم.
فمن الذي أباد سكّان أمريكا الأصليين, واستولى على بلادهم؟
ومن قتل الآلاف من الفيتناميين في مجازر يندى لها الجبين؟
ومن ألقى القنابل الذرية على هيروشيما وناكازاكي في اليابان فأباد أهلها, وما زالت آثارهما شاهدةً إلى يومنا هذا في الإنسان والنبات والجماد؟
من استعمر البلاد العربيّة والإسلاميّة, وقتل كثيراً من أهلها, واستغلَّ كلَّ خيراتها لصالح بلاده؟
من الذي سهَّل للصَّهاينة احتلال فلسطين وقتل أهلها وتشريدهم، وتعذيبهم وأسر الآلاف منهم؟
من ومن ومن …؟ أليسوا هم الإرهابيين الحقيقيِّين الذين كانوا وما يزالون يتآمرون على الإسلام والمسلمين في شتَّى بقاع العالم, ويمارسون شتّى أساليب الظَّلم والقتل والتَّشريد والتَّهجير والتَّجويع وغير ذلك، ثمَّ تراهم يصفون غيرهم بالإرهاب.
وعودةً إلى تلك المذيعة الحاسدة الحقودة المأجورة لنقول: إنَّ سيِّدنا محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو حقيقةً كما قال عن نفسه: ((إنَّما أنا رحمةٌ مُهداة)), وكما قال الله تعالى عنه: ((وَمَا أَرْسَلْنَٰاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء107]
فنبيُّنا المصطفى صلى الله عليه وسلم هو القدوةُ المُثلى للبشر في رحمته وعطفه وحنانه وحبِّه, وسعيه لهدايتهم, وتبليغ رسالة الله إليهم, ولم يفكِّر يوماً بقتل إنسانٍ أو إيذاء أحدٍ, لكنَّه أُجبر على الدفاع عن نفسه أمام شراسة أعدائه وتخطيطهم لإيذائه, وقتل أصحابه وإفناء دعوته.
ولم تكن غزوات النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا دفاعاً عن الإسلام والمسلمين, وسعياً لنشر الحقِّ بين المظلومين.
كانت الغزوة الأولى للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هي غزوة بدرٍ, ولم يكن قصدُ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه القتال فيها, بل لم يفكروا به أصلاً, ولم يجهزوا له العدّة, وكانوا يريدون أن يستردُّوا أموالهم التي اغتصبتها قريش منهم ظُلماً وعدواناً. تلك الأموال التي جمعها أبو سفيان وهو على الشرك, وتاجر بها إلى الشام, فعادت محمَّلةً بالأرباح الوفيرة, لكنَّ أبا سفيانٍ استطاع أن يسلك طريقاً آخر, وينجو بالأموال. ولمّا علمت قريش بالأمر أصرَّت كِبراً وعلوَّاً وظلماً وإرهاباً على أن مواجهة النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقتاله وقتله, فما كان من النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام إلّا أن يواجهوا العدوان بالدفاع عن أنفسهم.
كذلك كان الأمر في معركة أحد, فقد كانت قريش هي البادئة, وزعمت أنَّها تريد أخذ ثأر بدرٍ, ورغب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يبقى في المدينة, ويصدَّ قريشاً منها, لكنَّ أهل المدينة رغبوا في صدِّ العدوان خارجَ منازلهم, واستجابَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لرأيهم, فخرجَ معهم وقد خرجت قريش بالآلافِ مدججةً بالسلاح, ولمّا خالف الرُّماةُ أمرَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم انهزم المسلمون, وقُتل العشرات منهم وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب ومثَّلوا به, وشُجَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وسال دمه, فمن هو الإرهابيُّ حقَّاً, النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وصحبه, أم قريش وجموعها؟
ويوم غزوة الخندق لمّا علم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بفرح قريش بعد انتصارهم في أحد وتجمّعهم لقتاله مع أصحابه بُغية القضاء على الإسلام والمسلمين, لم يُرِد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مواجهتهم, لا خوفاً منهم لكنَّه ما كان يحبُّ سفك الدماء, فهيَّأَ الله له سلمان الفارسيَّ صلى الله عليه وسلم الذي أشار على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق, وهو أسلوبٌ يُستعمل في بلاد فارس للدِّفاع عن النَّفس, وقام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفسه مع أصحابه بحفر الخندق ففوجئ به الأحزاب الذين تجمّعوا آلافاً, وغدر يهود المدينة بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وتكالبوا جميعاً على المسلمين.
ثُمَّ هيَّأ اللهُ رجلاً مشركاً وأدخل نور الإسلام إلى قلبه, وهو الصحابيُّ نعيم بن مسعود الذي استخدم للحرب المكيدة, فخدع أعداء الإسلام, ومزَّق شملهم, ثُمَّ أرسل الله صلى الله عليه وسلم الرِّيح التي فرَّقتهم ورجعوا خائبين. فمن الإرهابيُّ إذاً؟ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أم الأحزاب واليهود وحلفاؤهم؟
لقد كانت كل غزوات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على هذه الشاكلة, دفاعٌ عن النَّفس والأهل والمال والوطن, ولم يكن فيها رغبةٌ في قتال الآخرين أو إيذائهم.
ومن تتبَّع فعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بيهود المدينة وهم: بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النَّضير وبنو المصطلق يجدُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يريدُ بهم قتلاً ولا إيذاءً ولا تهجيراً, ولكنَّهم كانوا هم الذين تآمروا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يريدون قتله وقتل من معهُ بشتَّى صور الغدر والخداع للقضاء على الدعوة الإسلامية، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلّا أن ردَّ عليهم ليقضي على الشَّرِّ وأهله ويحمي الخير وأهله.
وبعد, فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحداً طيلة حياته وفي كلِّ غزواته إلَّا أبيَّ بن خلف, وكان ذلك في غزوة أُحد لأنَّه كان يصيح بأعلى صوته شاهراً سلاحه ويقول: أين محمَّد؟ لا نجوتُ إن نجى, فتدافع الصحابة للدِّفاع عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال لهم: دعوه, فلمَّا دنا, تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة فطعنهُ بها, فكانت سبب موته.
إنِّ الإسلام الذي انتشر شرقاً وغرباً في عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتِّابعين ومَن بعدهم، لم يكن عن طريق القتال وإجبار الناس على الدُّخول فيه, وإنَّما كان عن طريق الدُّعاة وأهل التَّصوُّف الذين نشروا الإسلام بالحبِّ والأخلاق السَّامية والمعاملة الطَّيِّبة والعدالةِ المطلقة.
واعلموا أنَّ الصورة الواضحة المستنيرة البيِّنة في هذا الموضوع نجدُها عندما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على أعدائهِ الذين قاتلوه وناصبوه العداء, وتآمروا عليه خلال سنين طويلةٍ, واستولوا على أمواله وممتلكاته, وممتلكات أصحابه من المهاجرين، قفَالَ لَهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ:
مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟” قَالُوا: خَيْرًا, أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: “اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ“. [أخرجه البيهقي]

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *