﴿﴿وما كانَ ربُّك ليُهلكَ القرى بظلمٍ وأهلُها مصلحون۞ ولو شاءَ ربُّك لجعلَ الناس أمَّةً واحدةً ولا يزالونَ مختلفين [هود – 117-118]

﴿﴿ومن آياته خلقُ السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنَّ في ذلك لآياتٍ للعالِمين  [الروم – 22] 

تمثّل هاتان الآيتان القناعة الإيمانية الإسلامية في التعامل مع الاختلاف الحضاري بين البشر، فقد أدرك المسلمون حقيقة هذا الاختلاف بين الناس وتعاملوا معه بمنطق العقيدة الإيمانية التي علمهم إياها الإسلام، فلم يُلغوا حضارةً، ولم يعملوا على فرض الرؤية الثقافية العربية على الحضارات التي وصل إليها سلطان حكمهم، بل بقي الفرس فرساً، والروم روماً، والهنود هنوداً بحضاراتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وثقافاتهم، وأفكارهم، بل حتى بأديانهم و عقائدهم إذا لم يقتنعوا بالدخول في الإسلام، فالإسلام يفهم حقيقة هذا الاختلاف وضرورته للحفاظ على سلامة استمرار الوجود الإنساني بشكل سويّ.

لكن ما نراه في أغلب العقائد، والقناعات، والأفكار الأخرى، التي مرت وتمر بها الإنسانية، هو محاولة مستمرة لإلغاء الوجود الحضاري، والعقائدي، والفكري، والثقافي، وأحياناً الوجود المادي للآخر. وإن مما يميَّز الإسلام أنه يطلب ممن يدخل تحت سلطانه أن يعلم ويؤمن بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن يتبع الرسالة التي جاء بها،  دون أن يلغي وجوده الثقافي والحضاري بل ساعده على الاستمرار، ونرى ذلك جلياً في الاختلاف، والتنوع الكبير، والتفاعل بين المسلمين، على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأوطانهم، والمثال الأوضح على صدق هذا الكلام هو المظهر المادي للحضارة المصرية القديمة، فقد حارب الإسلام وانتقد بشدة ادعاء فرعون مصر للألوهية، ومحاربته دعوة سيدنا موسى عليه السلام لعقيدة التوحيد، لكن المسلمين عندما وصلوا إلى مصر لم يلغِوا بقاياها المادية الحضارية، فحافظوا على مقابر الفراعنة وتماثيلهم وأهراماتهم ومعابدهم وأوابدهم، بعكس الحضارة المادية الغربية التي سرقت وشوهت الكثير من الآثار المصرية عندما احتلت مصر في أواخر القرن العشرين.

والأمثلة التي تصدق هذا الكلام كثيرة بكثرة الحضارات التي كانت بلدانها تحت سلطان الدول الإسلامية المتعاقبة.

وإنَّ المتأمل لحال أكثر الأفكار والعقائد التي عرفتها وتعرفها الإنسانية سيجد –كما أسلفنا- رغبة جامحة بإلغاء الآخر، وابتلاعه حضارياً، كما تفعل الليبرالية والليبرالية الحديثة في زماننا.

وإنَّ خطرها في هذه الناحية يتجلى بأنَّها تدعي الاعتراف والرضى بكل الوجود الحضاري الإنساني على تنوعه، وتجذب بهذه الدعوى كثيراً من المنبهرين بها، إلا أنها على أرض الواقع  تمارس عكس هذا الادعاء وبشكل همجي ووحشي في أكثر الأحيان.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *