مع رجالات حوار الدكتور نور الدين عتر

إن الأصل الذي كان عليه الإنسان هو الاهتداء للحق وهو توحيد الله تعالى وطاعته ، واتباع شرعه ، ثم طرأ الضلال على الناس لأسباب متعددة ، منها الجهل والبعد عن هداية الله تعالى ،

ومنها جحود بعض الناس الهدى الذي عليه الخلق لاتباع أهوائهم،  ومنها تسلط الظَّلمة المستبدين من الفراعين وأمثالهم من المتألهين،  حتى أدى الأمر إلى عبادة الأصنام والشرك بالله تعالى قال تعالى في سورة يونس :

((وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا)) [يونس : ١١]

أي ديناً واحداً هو الحق وتوحيد الله تعالى

وقال في سورة البقرة: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ ))

[البقرة: ٢١٣] . أي كانوا على الحق ثم اختلفوا فيه – بدليل قوله بعدُ : (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)  – (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ)

وفي الواقع التاريخي شواهد لذلك ، وما نبأ العرب عنا ببعيد ، فقد كانوا على ملَّة إبراهيم عليه السلام في التوحيد والعبادة ، ثم طالت عليهم العهود فجهلوا ونسوا و ضلوا ، وسوَّغ لهم عمرو بن لُحَيّ عبادة الأصنام ، بتماثيل أتى بها من بلاد الشام .

٣- إن دعاة هذه الفكرة ، يرجعون على أنفسهم بالنقض في فهم التاريخ ، والإيمان بالله تعالى ؛ لأنهم يقولون إن الإنسان كان بدائياً بسيطاً ثم ترقى في العلم والمدينة،  ويدخلون الدين – كل الدين – في هذا التعميم ويجعلونه من مكتشفات الإنسان بزعمهم،  ثم هم ينحون باللائمة على من يرجع إلى الخلف في العلم والحضارة ولا يبالون أن يرجعوا بالإنسان إلى أقصى الخلف في معرفته بالله ليرتكس في ظلمات الإلحاد وحيرة الضلال والإباحية .

٤- إن دعاة هذا الرأي يخلطون الدين الحق الصحيح المنزل بالوحي من الله تعالى بالأديان الباطلة الشركية ، أو أنهم لا يميزون بين الدين الصحيح في أصله عما دخله من تغيير وتبديل ؛ تأثراً بالعادات أو الأفكار أو الآراء السائدة الغريبة عنه ، أو اتباعاً للأهواء ، كما سجله تاريخ الأديان التي قبل الإسلام ، وكما أخبر القرآن عن ذلك أنه حصل في الأديان السابقة ، ونعى على أصحابها تحريفهم وتبديلهم في آيات كثير ، قال تعالى :

((فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ))[البقرة: 79]

٢- إن القرآن يبين في قصص الأنبياء وحديثه عنهم أن الأقوام الذين بُعث الأنبياء فيهم إنما كانوا في المدن ، التي سماها القرآن ((قرى)) لاجتماع الناس وانتظامهم فيها : (تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا)
[ الأعراف : ١٠١]

قال تعالى : ((وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍۢ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ)) [سبأ : ٣٤] . ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ)) [يوسف : ١٠٩]

وهؤلاء الأقوام الذين وجدوا في الغابات ورؤوس الجبال وقعوا فيما وقعوا فيه لبعدهم عن نور العلم والمعرفة ، فخضعوا للخرافات والأوهام ، وربما كانوا بقايا الذين شَنُّوا الحرب على الأنبياء ، وقُهِرُوا أمام نصر الله للأنبياء ، فلجؤوا إلى تلك المَجاهل وزادوا ضلالاً ، كما هو مشاهد في بيئات كثيرة كانت معزولة عن الناس ، هوت إلى قاع الخرافة واتَّخذتها ديناً !!

من كتاب فكر المسلم وتحديات الألف الثالثة

بقلم الدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى ورضي عنه

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *