هل الإشكالات في رواة الحديث تضعف صحيح البخاري؟
بعض النماذج من رجال البخاري الذين قدح فيهم العلماء، وروى عنهم الإمام البخاري، وبيان حقيقتهم
▪ أوّلاً: إزالة الإشكال عن بعض رواة صحيح البخاريّ:
١- عكرمة مولى ابن عباس:
أعظم من قُدِح فيه من رجال البخاريّ، حتَّى جازف بعضهم في الحكم عليه، وقالوا: هو وضّاع.
وفي الحقيقة كان عكرمة من أعلم الناس؛ لكنَّه كان متّهماً برأي الخوارج.
قيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: (عكرمة، وتكلَّم الناس فيه لأنَّه كان يرى رأي الخوارج) ورموه بالكذب، ولكن لم يثبت عليه الكذب قط.
وإذا ثبت أنَّه من الخوارج، فإنَّ من أصول الخوارج التغليط في المعصية. وأنَّ مرتكب الكبيرة يكفَّر بارتكابها.
فكيف يكذب على رسول الله، والكذب على النَّبيِّ من أكبر الكبائر؟ فهو أبعد الناس عن الكذب على رسول الله ﷺ. وذهب فريقٌ آخر إلى قبول روايته، وهم أكثر المحدِّثين وأعلم النَّاس بهذا الفنّ.
منهم أيّوب السختياني، فقد سئل عن عكرمة، فقال: ( لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه).
وقال الإمام البخاري: (ليس أحدٌ من أصحابنا إلا وهو يحتجُّ بعكرمة). وقال عنه الحافظ ابن حجر: (لم يثبت عنه من وجهٍ قاطعٍ أنَّه كان يرى ذلك، وإنَّما كان يوافق في بعض مسائل فنسبوه إليهم، وقد برَّأه أحمد والعجلي من ذلك). ومن ثم نجد أنَّ البخاريَّ إمام النقاد وشيخ أهل الجرح والتعديل، ثبتت لديه عدالته وضبطه، فأخذ بحديثه، وهو حجَّةٌ على الآخرين، وأعلم بحاله منهم.
٢- إسماعيل بن أبي أويس:
نعم ضعَّف النُّقَّاد إسماعيل بن أبي أويس، لكنَّ رواية البخاري عنه لم تكن بالسماع منه ليقع فيه الوهم والضعف، وإنَّما أخرج له البخاري من أصوله، أي من كتبه، وليس من روايته، فنظر فيها وكتب منها.
قال ابن حجر: (أخرج له أصوله، وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به، ليحدث به ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه، لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح).
٣- مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية:
هو ابن عمِّ عثمان بن عفان : نعم كانت عليه مآخذ، لكنَّها لاتتعلَّق بصدقه وروايته، وإنما في خلافه مع ابن الزبير، وشيءٌ من أموره في السياسة.
أمَّا من حيث الرواية: فقد وثّقه علماء عصره، وقال عنه عروة ابن الزبير 🙁 كان مروان لا يُتَّهم في الحديث). ومعروفٌ ما كان بينه وبين آل الزبير من العداء. وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم.
▪ثانياً: أبو هريرة: شبهاتٌ وردودٌ:
لقد وجَّه المستشرقون وأتباعهم سهام الطعن إلى الصحابي أبي هريرة ولكن لسوء حظِّهم لم تسعفهم الوقائع والمعطيات لتصديق تلك الشبهات، لأنَّهم لم يوفَّقوا لاختيار الشخصية التي أرادوا النيل منها، فهو ليس رجلاً مغموراً من بين الصحابة لا يعرفه إلا الخاصّة، وليس من الأعراب الذين عاشوا في الصحراء بعيداً عن رسول الله ﷺ، ولا من المؤلَّفة قلوبهم الذين لم يكن لهم سهمٌ في نشر دين الله تعالى، وإنَّما هو الصحابي الذي لازم رسول الله ﷺ وأخذ عنه، وتفرَّغ لاقتباس نور النُّبوَّة، وتضافرت الأحاديث والآثار فيه، فهو أشهر من نارٍ على علم، وقد روى عنه المئات من الصحابة والتابعين، وكفى بهؤلاء شهادةً بلسان الحال، فلو لم يثقوا به لما رووا عنه، بل صرَّح بعض الصحابة بشهادتهم له بلسان المقام، وعلاوةً على ذلك فقد نال شرف دعوة رسول الله ﷺ وشهادته له.
أرادوا النيل منه، لأنَّه أكثر الصحابة حفظاً لحديث رسول الله ﷺ، وهذا لا يروق لهم، لأنَّهم يعادون السُّنَّة؛ فحاربوها وحاربوا رواتها.
على أنَّنا لا ندَّعي بأنَّه معصوم، ولا ندَّعي أنّه لا يسهو ولا يُخطئ،، ولا ندَّعي أنَّ كلَّ حديثٍ رواه ثابت، فقد كذب الوضَّاعون على لسانه، لكنَّ ما يقع من هذا الأمور تتبّعها علماء الحديث بموضوعيَّةٍ ومنهجٍ علميٍّ فغربلوها، وأخرجوا صحيحها، وبيَّنوا ضعيفها ومعلولها.
الشُّبهة الأولى:
يقولون: إنَّ أبا هريرة شخصيةٌ خياليَّةٌ أسطوريّةٌ اصطُنعت كي ينسبوا إليها ما يريدونه من الحديث؛ والدَّليل على ذلك أنَّهم اختلفوا في اسمه. يجب علينا أن نفهم طبيعة الحياة في عهد الصحابة، فإنَّ الكُنى آنذاك كانت تغني عن الأسماء، وإنَّ الاختلاف في الاسم أمرٌ معهودٌ عند العرب. واذا نظرنا في تراجم كثيرٍ من الشخصيات الشهيرة، نجدها لا تُعرف إلا بألقابها، مثل أبي الدَّرداء فهو مشهورٌ بكنيته، مختلف في اسمه.
الشُّبهة الثَّانية:
ادّعوا أنَّ معاوية بن أبى سفيان كان يدفع المال لأبي هريرة؛ ليؤلف الأحاديث في فضل بني أمية، وكان أبو هريرة يتزلَّف لهم باختلاق الأحاديث حتى صار ثرياً!
إنَّ الصحابة أعظم وأجلُّ ممَّا يتصوَّرون، لقد عاشوا في عالم الطُّهر والنقاء، ولا يبيع أحدهم دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، وإنَّ أحدهم ليخرُّ من السماء أهون عليه من أن يكذب على رسول الله ﷺ وإنَّنا ننزِّه أبا هريرة عمَّا يقولون، فشتَّان بين الثرى والثريا، وإنَّ أبا هريرة كان عندما يحدِّث يبتدئ حديثه بقوله: قال رسول الله ﷺ الصادق المصدَّق: “من كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأ مقعده من النار” ثمَّ يروي ما سمعه.
وإنَّ ادعاءهم بأنَّه صار غنيَّاً من أموال الأمويين بتلفيق الأحاديث لصالحهم: فجوابه: إنَّ المال الذي حصل عليه أبو هريرة لم يكن في عهد بني أمية، وإنَّما من عهد عمر بن الخطاب ، فقد كان أبو هريرة والياً على البحرين قبل خلافة بني أمية، وإنَّه قد حصل على المال أثناء ولايته هناك، من خيل نتجت، وغلّة رقيق، وأعطيات أمير المؤمنين له.
وإنَّ ادعاءهم بأنَّه كان يتزلّف للأمويين:
فهناك حوادث عديدةٌ تدلُّ على أنَّ أبا هريرة لم يكن موافقاً لبني أمية، بل كان معارضاً لهم في بعض المواقف، منها ما أخرجه البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد, قال: أخبرني جدّي, قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النَّبيِّ ﷺ بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: “هلكة أمّتي على يدي غلمةٍ من قريش”
فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول: بني فلان، وبني فلان، لفعلت.
وجاء عن أبي هريرة، أنَّه قال: (في كيسي هذا حديث، لو حدَّثتُكُمُوه لرجمتموني، ثم قال: (اللهمَّ لا أبلغنَّ رأس الستين) قالوا: وما رأس السِّتّين؟ قال: (إمارة الصبيان…) ويقصد بذلك يزيد بن معاوية؛ لأنَّها كانت سنة ستّين للهجرة، وقد استجاب الله دعاءه فمات في السنة التاسعة والخمسين.
ثم إنَّه روى في فضائل علي بن أبي طالب، وفضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما مع شدّة الخلاف بين الأمويين وآل البيت آنذاك، فكيف يروي هذه الأحاديث متزلِّف!
الشُّبهة الثالثة:
ادَّعَوا أنَّ أبا هريرة سرق من أموال المسلمين عشرة آلاف درهم خلال إمارته على البحرين.
والجواب: إنَّ عمر بن الخطَّاب اتَّخذ ميزاناً دقيقاً في محاسبة من ولي أمور المسلمين، وكان يبدأ بنفسه، فيُحاسبها حساباً شديداً، وبمثل هذا الميزان كان يعامل الولاة، لأنَّه يعدُّ نفسه مسؤولاً عن كلِّ فردٍ من أفراد الرَّعية، ولم يكن سؤاله لأبي هريرة عن سرقة بالمعنى المعهود، وإنَّما كان عمر يأخذ بمبدأ سدِّ الذَّرائع مع الولاة، فيخشى أن ما يستفيده الوالي أو الأمير فيه شبهة، فيسأل عنه، ويدقِّق عليه، ولم يكن هذا الأمر مع أبي هريرة خاصَّةً، وإنّما مع جميع الولاة.
ومع هذا التشديد لم يثبت على أبي هريرة شيءٌ من ذلك، وإنَّما كانت الأموال التي حصل عليها من تجارة خيلٍ نتجت، وغلّة رقيق، كما ذكر محمد بن سيرين عن عمر قال لأبي هريرة: “مِن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟“، قال: “خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، وسهامي تلاحقت ” فقبضها منه، فنظروا فوجدوه كما قال,
فاعتزل أبو هريرة الولاية. ثم دعاه عمر ليعيده إلى الولاية، فأبى. قال أبو هريرة: فلمَّا صلَّيت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين. فلو كان ثمّة أدنى شكٍّ من عمر بن الخطاب في أمانة ابي هريرة، ما عرض عليه الولاية مرَّةً أخرى.
فمن كان على هذه الشاكلة، فهل يعقل أن يتجرَّأ على سرقة أموال العامة!
الشبهة الرابعة:
قولهم: إنَّ عمر بن الخطاب منع أبا هريرة من رواية الحديث عن رسول الله ﷺ وقال له: (لتتركن الحديث عن رسول الله أو لأُلحقنَّك بأرض دوس) ولو وثق بروايته وعلمه لما منعه.
فالجواب: إنَّ عمر منع أبا هريرة من رواية الحديث، ليس تكذيباً له، وإنَّما هذا مذهبه ورأيه، فكان يكره رواية الأفراد للعامَّة، خشيةً من الغلط في النقل أو الفهم، بأن توضع الأحاديث في غير مواضعها، وتؤخذ على غير مُرادها، فكان يرى أن يكون حديث رسول الله ﷺ محصوراً بين أهل الحلِّ والعقد، وصادراً عن اجتماع أهل العلم؛ لأنَّهم أعلم بتحقيق مناطه، ووضعه في مواضعه، ولهم درايةً بناسخه ومنسوخه، وهذا لا يعرفه العامَّة.
قال الذهبي: “كان عمر يقول: أقلُّوا الحديث عن رسول الله ﷺ, وزجر غير واحدٍ من الصحابة عن بثِّ الحديث، وهذا مذهب لعمر وغيره”.
فنَهيُ عمر لأبي هريرة عن الرِّواية ليس اتّهاماً له، وإلّا كيف يوليه إمارة البحرين، فهو أشدُّ الخلفاء في التحرِّي عن أحوال الولاة، والتنقيب عن دينهم وسلوكهم، فهل يعقل أن يولّي رجلاً على الإمارة وهو متَّهم بالكذب على رسول الله ﷺ, وهذا من أكبر الكبائر!
الشبهة الخامسة:
وقالوا : لو لم يكن كاذباً لما كان أكثرَ الصحابة روايةً للحديث، فهل يعقل أنَّ يصحب النَّبيَّ ثلاث سنين أو أقلّ ثمَّ يروي من الأحاديث أكثر ممَّا يرويه كبار الصحابة كأبي بكرٍ وعمر؟ فالجواب:
إنَّ كبار الصحابة لم يُكثروا من رواية الحديث، ليس بسبب عدم حفظهم له، أو عدم سماعهم من النَّبيِّ ﷺ وإنَّما لم يكونوا يكثرون من الرِّواية عن النَّبيِّ ﷺ تهيُّباً وإعظاماً للسُّنَّة النَّبويَّة، حتى لا يستخفَّ العامَّة بروايتها، فيزيدوا وينقصوا ويغيِّروا.
أمَّا أبو هريرة فقد كانت أغلب روايته عن النَّبيِّ ﷺ على سبيل الفتوى، فقد عاش طويلا ًبعد وفاة النَّبيِّ ﷺ وكان طلبة العلم والمستفتون يجتمعون به، فكان يحدِّث النَّاس في المدينة المنورة ومكَّة المكرَّمة، كما حدَّث في دمشق، وحفظ عن أهلها، وحدَّث في العراق والبحرين، وكان يحدِّث حيثما حلَّ، ويُفتي الناس بما سمع من رسول الله ﷺ.
وجعل بيته معهداً يتردَّد إليه الناس، ليسمعوا حديث النَّبيِّ ﷺ.
وبعد وفاة الرَّسول ﷺ كان يطلب الحديث من الصحابة، فكثيراً ما يسألهم ويسألونه، حتى أنَّه كان يأتي إلى كلِّ من يظن أنَّ عنده بعض العلم ويسأله.
إضافةً إلى ذلك فقد كان جريئاً في سؤال النَّبيِّ ﷺ وطلب الحديث منه.
قال أبيُّ بن كعب: ( كان أبو هريرة جريئاً على أن يسأل رسول الله ﷺ عن أشياء لا يسأله عنها غيره).
الشبهة السادسة:
قالوا: إنَّ عائشة اتَّهمته لأنَّه كان يكثر من الحديث.
والجواب: إنَّ عائشة رضي الله عنها نهته عن الإكثار من الحديث؛ لكنَّها لم تتَّهمه، فعندما قالت له: أكثرت الحديث، قال: (إنِّي والله ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب -أي عن رسول الله ﷺ- ولكنِّي أرى ذلك شغلك عما استكثرتُ من حديثي)، قالت: (لعلّه).
ولتثبّته ممَّا يرويه فقد كان يجلس إلى حجرة عائشة رضي الله عنها، وهو يريد أن يُسمعها ما يحدِّث عن النَّبيِّ ﷺ، ولو لم يكن صادقاً من روايته لتخفَّى، وابتعد عن الأنظار، لا سيَّما أنَّ عائشة رضي الله عنها من أعلم الناس بحديث رسول الله ﷺ, فلو لم يكن متثبِّتاً من الرِّواية لما اجترأ أن يروي عن النَّبيِّ ﷺ تحت سماعها، فكانت رضي الله عنها تصدّقه؛ لكنَّها لا توافقه بالإكثار من سرد الحديث.
لقد تفرَّغ أبو هريرة لملازمة رسول الله ﷺ وخدمته، يدور معه حيث دار، ويكثر السؤال، ويحرص على العلم، ولم يشتغل بالدنيا، فحفظ مالم يحفظ غيره، ثم إنَّ رسول الله ﷺ دعا له بالحفظ، فحفظ ولم ينس، وكانت تلك حجَّته على من ينهاه عن كثرة الرواية، قال الأعرج: سمعت أبا هريرة يقول:
(إنَّكم تزعمون أنَّ أبا هريرة، يكثر الحديث عن رسول الله ﷺ والله الْمَوعد، كنت رجلا مسكينا، أخدم رسول الله ﷺ على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فقال رسول الله ﷺ:《من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه منّي》فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثمّ ضممته إليّ، فما نسيت شيئاً سمعته منه).
ولو لم يكن موضع ثقةٍ من الصحابة والتابعين، لما روى عنه ما يربو على ثمانمئة رجل.
وقد صرّح بعض الصحابة بتزكيتهم له، وأقروا بأنَّه سمع من النَّبيِّ ﷺ ما لم يسمعوا؛ لانشغالهم في معايشهم، قال عمر : (أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله ﷺ وأعلمنا بحديثه)
وإذا استخدمنا لغة الأرقام سنجد المفاجأة بأنّ ما اشتهر من كثرة رواية أبي هريرة للحديث أغلبها مكرّر، أو لها شواهد من رواية غيره من الصحابة، وأنّ ما انفرد به من الرِّوايات لا يتجاوز عشرة أحاديث في الكتب الستة، وأثنين وأربعين حديثاً في الكتب التسعة.
كتب الشيخ محمَّد عبده يمانيّ مقالةً بعنوان: (أبو هريرة: أمانة الرّواية وصدقها) قال فيها:
(وعندما قمت بنفسي بالتحقُق من هذه المسألة، بواسطة فريق مختصٍّ في الحاسب الآلي، ظهرت لنا حقائق مهمّة عن روايات أبي هريرة، فعندما تتبّعنا رواياته، وجدنا أنّ هناك ما يزيد عن ثمانمئة صحابيٍّ وتابعيٍّ رووا عنه الحديث، وكلُّهم ثقاتٌ، لكنَّ القضيَّة الأساسيَّة التي أفادتنا عند استخدام الحاسب الآلي هي: أنَّه عندما أُدخِلت هذه الأحاديث المرويَّة في كتب الحديث الستَّة، وجدنا أنَّ أحاديثْ أبي هريرة بلغت (٥٣٧٤) ثمَّ وجدنا بعد الدراسة بواسطة الكومبيوتر أنَّ المكرر منها هو: (٤.٧٤) وعلى هذا يبقى العدد غير المكرر (١٣٠٠) وهذا العدد تتبّعناه، فوجدنا أنَّ العديد من الصحابة قد رووا نفس هذه الاحاديث من غير طريق أبي هريرة، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ اخرى، وبعد أن قمنا بحذف الأحاديث التي رُويت من غير طريق أبي هريرة في كتب الصحاح الستة، وجدنا أنَّ ما انفرد به أبو هريرة ولم يروه أيُّ صحابيٍّ آخر هو أقلّ من عشرة أحاديث.
ثمَّ شاء الله أن نطوّر العمل في أحاديث أبي هريرة، فانتقلنا من الكتب الستة إلى الكتب التسعة، وقد لاحظنا أنَّ الاحاديث في الكتب التِّسعة المنسوبة إلى أبي هريرة هي (٨٩٦٠) حديثاً، منها: (٨٥١٠) بسندٍ متَّصلٍ و(٤٥٠) حديثاً بسند منقطع، وبعد التَّدقيق، انتهينا إلى أنَّ الأحاديث التي رواها أبو هريرة في كلِّ هذه الكتب التسعة، بعد حذف المكرر، هي (١٤٧٥) حديثاً، وقد اشتركَ في روايتها معه عدد من الصحابة.
وعندما حذفت الأحاديث التي رُويت عن طريق صحابةٍ آخرين، وصلنا إلى حقيقةٍ مهمَّةٍ وهي أنَّ ما أتى به أبو هريرة مع المكرَّرات في كتب الحديث التسعة هي: (٢٥٣) حديثاً، ثمَّ إنَّ الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة بدون تكرارٍ، ولم يروها أحدٌ غيره في الكتب التسعة هي: (٤٢) حديثاً، وما زلنا نواصل البحث، لكنَّ هذه الأمور، وهذه الحقائق، أزالت كلَّ تلك الشُّبَه والتُّهم العقيمة والمغرضة التي كانت تُلصق بأبي هريرة، ويتَّهمونه فيها بالإكثار، ويقولون عنه إنَّه روى: (٨٠٠٠) حديثٍ بمفرده…
وبعضهم يقول إنَّه روى (٥٠٠٠) حديثاً بمفرده هكذا دون رويَّةٍ أو تدقيق أو تمحيص.
فيكون بهذا: إنَّ أبا هريرة انفرد ب(١٠) رواياتٍ فقط من كلِّ تلك المرويات التي استكثروها، وإذا جمعنا المرويَّات التي نُسبت إليه في الكتب التسعة نجد أنَّه انفرد ب(٤٢) حديثاً من أصل: (٨٩٦٠).
وإذا نظرنا إلى هذه الأحاديث التي انفرد بها، فسنجدها داخلةً تحت أصولٍ عامّةٍ من أصول الشريعة الثابتة، ولم يفتر سيِّدنا أبو هريرة على الدِّين حرفاً واحداً، وقد تفرّد بألفاظ بعض الروايات لكنَّه لم يتفرّد بمعانيها وفحواها.
No comment yet, add your voice below!