عذاب في الجنة
عذاب في الجنة
في إحدى الصفحات الإلحادية، نُشر تساؤلٌ عن أحباب الأنبياء وأقاربهم الذين لم يؤمنوا بهم، وعن موقف الأنبياء منهم يوم القيامة إذا ما رأوهم في النار
يقول الكاتب:
هل سيحترق بالنار كلُّ قريبٍ وحبيبٍ للأنبياء لأَّنهم لم يستجيبوا للدَّعوة؟ هل سيحترق ابن نوحٍ وزوجة لوطٍ، وأبو إبراهيم، وعمُّ النَّبيِّ أبو طالب؟ وهل سيكون الأنبياء سعداء برؤية أحبابهم معذَّبين في النار؟
يتَّضح من صياغة السؤال أنَّ لدى الكاتب تصوُّراتٍ ذهنيةً أسَّس عليها معاني السعادة في الآخرة. وانطلق من هذه التصوُّرات ليبني اعتراضه، فيرى أنَّ هناك تناقضاً عقلياً بين محبَّة الله لأنبيائه وبين تعذيب أقاربهم الذين لم يؤمنوا بهم، ويرى أنَّ تمام سعادة الأنبياء أن يكون أقرباؤهم معهم في الجنَّة.
ما هي التَّصوُّرات التي بنى الكاتب عليها افتراضاته؟ وهل هي تصوُّراتٌ صحيحة؟
يبني الكاتب اعتراضه على افتراض أنَّ السعادة الأُخروية مرتبطةٌ بأشخاص، وأنَّ الأنبياء -عليهم السلام- متعلِّقون بما لذواتهم من أقرباء. ووفقاً لهذا التصوُّر فإنَّ الأنبياء لن يكونوا سعداء؛ بل سيحزنون على أحبابهم المعذَّبين في جهنَّم، وهذا يتعارض مع السعادة الأبدية.
البَوْصلة الإلهية:
لا شكَّ أنَّ للأقربين حقوقاً تفرضها درجة القرابة، ويزداد التعلُّق وتزداد المحبَّة كلَّما ازدادت القربى، وإنَّ من تمام محبَّة المؤمن لغير المؤمن أن يدعوه إلى ما فيه نجاته في الدنيا والآخرة. وإنَّ إعراض غير المؤمن حتَّى اللحظة الأخيرة وإصراره على كفره حتَّى موته لا يعني تبديل الأولويات وتخليطها؛ فإنَّ المؤمن الحقَّ يدعو كلَّ الناس ومنهم أحبابه وأقاربه لِعظم أمر الله في قلبه، ولأنَّه لا يرضى أن يفتري أحدٌ من الخلق على الله، حتَّى وإن كان المفتري من أحبابه وأقاربه. فالمؤمن الحقُّ يدعو الناسَ رجاءَ أن يكفُّوا عن ظلم أنفسهم وعن الافتراء على الله قبل موتهم!
لذلك نجد أنَّ بوصلة الأولويَّات تبقى ثابتةً راسخة، لا تغيِّرها فاجعةٌ ولا تبدِّلها مصيبة؛ وهذا هو تمام التوازن في العلاقة مع المخلوقات.
ولهذا فإنَّ الله سبحانه قد أمر المؤمنين بالمحافظة على حقِّ والديهم في الدنيا، مع تحذيره من اتّباعهم -وهم أقرب الناس إليهم- إذا ما أصرُّوا على الكفر وأرادوا لأبنائهم الشرك والهلاك:
﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [سورة لقمان : 15]
ويُلاحَظ أنَّ في قوله تعالى (واتَّبع سبيل من أناب إليّ) معنى لطيفاً، وكأنَّ الله يقول للمستمع إيّاك أن تتَّبع سبيل من لم يُنب إليّ مهما كانت قرابته منك؛ وإن كان والدَك أو ابنَك المقرب. بل اتَّبع سبيل من أناب إليّ؛ فاتِّباع الحقِّ أولى من اتِّباع الباطل.
يَزْعُمُ أنَّهُ مِنّي ولَيسَ مِنّي:
أخبر النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن فتنةٍ تُصيب الناس آخر الزمان، سمّاها فتنة السرّاء. وإنَّ من أمر هذه الفتنة – كما أخبر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم- أنّ دَخَنَها سيخرجُ من تحت قدميّ رجلٍ من أهل بيته.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّه قال:
((كُنَّا قُعُوداً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ، فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ، قَالَ هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ…)) الحديث. [رواه أبو داود وأحمد وصحَّحه الحاكم وأقرّه الذهبي]
والقارئ للحديث يُلاحظ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم ينفِ صلةً جسديَّةً بهذا الرجل، بل إنَّه هو من وصفه أنَّه من أهل بيته إذ قال: (رجلٌ من أهل بيتي)، ومع ذلك فإنَّه قد تبرَّأ -صلَّى الله عليه وسلَّم- من فعله (يزعم أنَّه منِّي وليس منِّي) مبيّناً أنَّ أولياءه الحقيقيين هم المتقون.
ويتبيّن لنا من هذا الحديث معنىً عظيمٌ من معاني الدّين، فإنَّ الحبشيَّ إن كان تقياً هو أولى برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الهاشمي إن كان فاجراً، وهو ما يسمّى (الولاء في الله). وهذا من تمام إيمان الأنبياء ومحبَّتهم لله جلَّ جلاله؛ إذ إنَّهم يفضِّلونه -سبحانه- على كلِّ ما دونه، لذلك فهم يفضِّلون أولياءه على أعدائه.
فإنَّ الإسلام الذي حضَّ على البِرِّ بالأقرباء -ولا سيما الوالدين- بيّن أنَّ هذا البرَّ لا يقتضي أن يتجاوز الأقرباء حدودَهم البشرية فتطغى محبَّتهم على محبَّة الله سبحانه، أو أن يطغى أمرهم على أمره. فهل قريبك نِدٌّ لله تحبُّه كحبِّ الله؟
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ﴾ [سورة البقرة : 165]
أنا أُحبُّ الله وأحبُّ قريبي غير المؤمن في الوقت نفسه:
إنَّ محبَّة غير المؤمنين لا تُناقض محبَّة الله إذا كان من يحبُّهم كارهاً لكُفرهم، مشفقاً على مصيرهم، داعياً إيَّاهم -في كلِّ فرصة- إلى الله سبحانه، ناهياً عن الكفر به والإعراض عنه. وبتلك الحال يكون المؤمن مخلصاً في إيمانه صادقاً في محبَّته لغيره. وهذا هو حال كلِّ داعٍ يقتفي أثر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
فكم رحِم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعداءه الذين آذوه، وأشفق عليهم، ورفض أن يدعو عليهم أو يلعنهم. بل إنَّه أمهلهم المرَّة تلو المرَّة حتَّى تتسنَّى لهم فرصة الإيمان بالله سبحانه، وما ذلك إلَّا لعظيم محبَّته إيَّاهم، وشفقته عليهم، وخوفه عليهم من الكفر والطغيان. حاله حال الطبيب المشفق على مريضه وهو يعالجه ويرجو شفاءه مهما عَسُرَ مرضُه وعَضُلَ داؤه.
ومن ذلك موقفه يوم قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه ((فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ دَوْساً عَصَتْ وأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا. فقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ. قالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وأْتِ بهِمْ). [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: ((كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِياءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ، فَهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ، ويقولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ.)) [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما]
رحمته في الجهاد
فعلى هذه الحال يجمع المؤمن بين إيمانه بالله وتعظيمه لحقِّه، وبين خوفه على من أعرض وكفر بالله وشفقته عليه. أمَّا إذا كان العبد يُجالس المعرضين عن الله ويتقرَّب منهم ويتودَّد إليهم دون أن ينوي نصيحتهم ودون أن يرى غضاضةً في كفرهم، فإنَّه بذلك يكون ممَّن فضّلَ الخلقَ على الله سبحانه، فالمؤمن الحقُّ يحبُّ اللهَ أكثر من كلِّ شيء.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [سورة التوبة : 24]
ومتى ما رضي العبد كُفْرَ غيره وصار لا يراه أمراً عظيماً، صار مخالفاً لأمر الله مستحقَّاً لعذاب الله ووعيده.
وربَّما يتساءل بعض الناس مستغرباً من هذا الحكم مهوِّناً من شأن الكفر بالله ويراه أمراً عادياً لا يستحقُّ أن يسمّى ذنباً، وربَّما يقول القائل: ماذا فعل فلان؟ إنَّه كفر بالله ولكنَّه لم يقتل ولم يسرق، إنَّه لطيفٌ وأخلاقه رفيعة، لماذا تعدّونه أمراً عظيماً؟
ويراجع في هذا الأمر المقال السابق [انظر مقال: “لُطفاء في النار” للمؤلف]
هل يدعو الإسلام إلى بغض غير المؤمنين؟
ربّما يعترض سائلٌ على مفهوم (الولاء في الله) ويقول: إنَّ الإسلام دينٌ لا إنسانيٌّ يدعو إلى بغض الأقرباء، وبُغض الناس كلِّهم لاختلافه معهم في الدين؛ فهل هذا صحيح؟
ذكرنا سابقاً أنَّ المؤمن الحقَّ يكره الكُفْر، ولا يلزم من ذلك كُرْهَ الكافِر، كما أنَّ الطبيب يكره المرض ولا يكره المريض بل يرجو شفاءه وبُرْأَه؛ أمَّا البغض فيكون في حقِّ من عادى الله وصدَّ عن سبيله وحال بين الناس وبين الإيمان.
ولهذا فإنَّ الإسلام لا ينهى عن البرِّ بالآخرين مهما كانت ديانتهم، خاصَّةً إذا كانوا من الأقرباء فواجبهم أكبر، وحقُّهم أعظم. فالولاء في الله والبراء من أعدائه لا يعني ترك الإحسان مع الناس، بل يعني تحذير المؤمنين من موالاة المعادين لله ولرسوله وللإنسانية جمعاء، الذين يتربَّصون بجميع الناس يريدون صدَّهم عن الإيمان والهداية والصلاح؛ فيجب بُغض هؤلاء المعادين المتربِّصين وهذا هو معنى (البغض في الله).
وقد بيّن الله لنا في (سورة الممتحنة) أصنافاً مختلفةً من غير المسلمين؛ منهم من (عادى الله وصدَّ عن سبيله)، ومنهم من (كفَّ عن المسلمين ولم يتعرَّض لهم بأذى). وقد شذّ أناسٌ من المسلمين بأخذ معنًى ظاهرٍ من الآية الرابعة في هذه السورة تتحدَّث عن (الصنف الأوَّل) وعمّمها على كلِّ من لم يؤمن بالإسلام، متجاهلاً الآيات الأخرى في تتمَّة السورة، ومنفّراً عن دين الله ووحيه وقرآنه. فاستشهدوا بقوله سبحانه:
﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [سورة الممتحنة : 4]
وقالوا إنَّه ينبغي على المسلم أن يعادي كلَّ من لم يؤمن بالله، سواء من (عادى الله وصدَّ عن سبيله) أو من (كفّ عن المسلمين ولم يتعرَّض لهم بأذى) مع أنَّ تتمَّة السورة نفسها تُبيّن للمؤمن وجوبَ برِّ (الصنف الثاني) من غير المسلمين:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة الممتحنة : 8 – 9]
بل إنَّ الله قد بشَّر النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمين من بعده أنَّ هناك من (الصنف الأول) من سيدخل الإسلام ويترك حربه وعداوته ليصير مسلماً مؤمناً بالله ورسوله محبَّاً للمؤمنين بعد أن كان عدواً مقاتلاً:
﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة الممتحنة : 7]
لذلك ينبغي التنبُّه إلى أنَّ (البغض في الله) لا يكون في حقِّ جميع الناس، وإن كان المؤمن يبغض الكُفْرَ على كلِّ حال. أمَّا الكافرُ فقد يكون جاهلاً أو غافلاً عن الإيمان، فلا يُبغضه المسلمُ بل يرجو هدايته وصلاحه، إلَّا إن تبيّن أنَّه عدوٌ لله ولرسوله وللإنسانية جمعاء يسعى في سبيل صدِّ الناس عن رحمة الله وهدايته، ويعمل على إفساد دنياهم وآخرتهم.
خاتمة:
عودةً إلى الإجابة على التساؤل المحوريّ في هذا المقال: (هل يُعقل أن يعذِّب الله أحباب الأنبياء وأقاربهم) نقول:
إنَّ بناء السؤال بالأصل كان على أساس افتراض أنَّ الأنبياءَ متعلِّقون بذويهم تعلُّقاً مذموماً، فيحبُّونهم ويوالونهم ويفضِّلونهم على من سواهم من الناس وإن كانوا على الباطل. وقد تبيّن لنا أنَّ أولياء الأنبياء الحقيقيين هم المتَّقون، فالأنبياء يتّبعون الحقَّ ولا يتعصَّبون عصبيّةً جاهلية. وأنَّ محبَّةَ الله عند المؤمن فوق كلِّ محبَّة، وأنَّ المؤمن الحق لا يرضى أن يصرَّ أحدٌ من الناس على الباطل بطغيانه وكفره وتمرُّده على الله سبحانه وإن كان أقرب المقرَّبين إليه. فهو وإن أحبَّه -بدايةً- وذكّره بالله رجاء هدايته إلى الحقّ، إلَّا أنَّ إصرار هذا القريب على الباطل حتَّى آخر لحظةٍ يعني أنَّه مصرٌّ مستكبرٌ، فيخرج من دائرة أولياء الأنبياء وأحبابهم إلى زمرة الجاحدين المعاندين، فيتبرّأ منه النبيُّ حينئذٍ ليلقى مصيره المحتوم الذي اختاره لنفسه.
﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ * وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [سورة التوبة : 114 – 115].
No comment yet, add your voice below!