التشكيك 1
1- غالب الطعون والتشكيكات الموجهة ضد فكرٍ أو دين أو عقيدة ما إنما هي هدميّةٌ لا بنائيّة، فوضويّةٌ لا منهجيّة، تثير الإشكالات وتبرز الاعتراضات، فلا تنير فكرةً، ولا تقدم رؤيةً بديلةً متماسكة، ويظهر هذا في صورٍ واقعيّة متعدّدة، منها:
أ- أنّ المتابع لهذه الطروح المشككة يجدها بعيدةً عن تقرير الفكرة الإلحاديّة ذاتها، وإنّما يتوجّه إلى نقد الدين، وخصوصاً الإسلام، مع وجود ثغرات كبرى في صميم الفكرة الإلحاديّة التي يتبنّاها هؤلاء المشكّكون، لكنّهم يُعرضون عنها، ولا ينشغلون بالإجابة عن الأسئلة الحقيقيّة التي تواجه اعتقادهم.
ب- إنّهم يتّخذون في طعوناتهم وتشكيكاتهم أساليب السخرية والاستهزاء والتسخيف، وهذا يناقض المنهجيّة العلميّة، وما هو إلاّ فرض حالة نفسيّة متعاليةٍ لجذب البسطاء والعامّة، وإبهارهم بهذه الأفكار.
ومن أمثلة ذلك: عُرِضت على قناة الجزيرة الإنكليزيّة مناظرة بين كبير الملحدين ريتشارد دوكنـز، والإعلامي البريطاني المسلم مهدي حسن، وقد وجّه الملحد دوكنـز سؤالاً بطريقة السخريّة والاستهزاء والاستخفاف، فقال: هل تؤمن بأنّ محمّداً صعد إلى السماء بفرس له أجنحة؟!
وأثارت طريقة عرضه التهكّمية للسؤال إعجاب الجمهور، فصفّقوا له بحماس.
على أنّ ريتشارد دوكنز نفسه الذي يحمل فكرة الإلحاد والدفاع عنها ويدّعي العقلانيّة والمنهجيّة العلميّة، سئل في برنامج آخر عن شيء يتعلّق بأصل فكرته الإلحاديّة، وهو أصل نشأة الحياة، فكان ردّه هزيلاً واهياً، مخيّباً لآمال الملحدين، أظهر خواءه وضعفه، فقال: (ربّما في وقت ما.. في مكان ما في الكون تطورّت حضارة بالطريقة الداروينيّة على الأرجح، وصمّمت شكلاً من أشكال الحياة، وربّما بذوره في كوننا.).
ومن المعلوم أنّ هذا الكلام ضعيفٌ واهٍ بعيدٌ عن المنهجيّة العلميّة التي يدّعيها في إشكالاته وطعوناته، فالمنهجيّة العلميّة لا تقبل كلمة (ربّما… والأرجح)، ولا تقبل هذا الكلام الإنشائي الذي لا صلة له بالعلم، ولا هذه النظريّة المنقوضة.
2- هذه الموجة من التشكيكات والطعون محمّلة بالأسئلة المفتوحة دون حدود، سواء كانت هذه الأسئلة متعلّقةً بالله أو بالتشريعات الإسلامية أو الأنبياء أو بالقضايا الفلسفية في أزليّة الكون و حدوثه، وهي تستدعي استعداداً نفسيّاً ومعرفيّاً من المتخصّصين للتعامل معها.
3- تحمل هذه الموجة المعاصرة التشكيكيّة شعاراتٍ عامّةً ذات بريق وجاذبيّة، لكنّها غير محدّدة المعالم وليست منسوجة نسجاً منهجيّاً علميّاً يقي صاحبه من الفوضى والتناقض، ومن أبرز هذه الشعارات: (تحرير العقل، نقد الموروث، رفض الوصاية، الحريّة) ونحو ذلك، فإنّ هذه الشعارات فضفاضة، يقصدون بها التفلّت والخروج عن كلّ دين وقانون، بيد أنّ هذه الشعارات إذا كانت منضبطة بالعقل السليم، والعرف العامّ، والقانون الصحيح، فإنّ الدين لا يخرج عنها.
4- الميدان الأكبر لبثّ هذه الشبهات هي شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يكتب كلُّ من شاء ما شاء فلا يتميّز العالم من الجاهل، ولا الكلام المنطقي من غيره.
5- هذه الموجة موجّهة إلى أصل الإسلام وثوابت الشريعة، وإنّ الخروج عن الثوابت يؤدّي إلى تضييع الهويّة وانحراف البوصلة والانحلال من التكاليف.
المتأثّرون بهذه الموجة
أكثر المتأثّرين بهذه الموجة هم جيل الشباب، وذلك للأسباب الآتية:
أ- طبيعةُ الشباب التمرّدُ والخروج عن الأجواء العامّة، والظهور بصورة البطل أمام الناس.
ب- سرعة التأثّر العاطفي وطغيانه على العقل.
ج- دور الإعلام العامّ -لا سيّما الغربي- في جذبهم وإبهارهم.
د- الفتن التي يتعرّضون لها تجعلهم يميلون إلى التحرّر المطلق عن الأديان والقوانين؛ لتحقيق رغباتهم وأهوائهم.
ينقسم المتأثّرون بالشبهات المعاصرة إلى قسمين:
القسم الأوّل: العابثون الفوضويّون الباحثون عن أهوائهم، وهم الأكثريّة.
القسم الثاني: الذين تأثّروا بالشبهات تأثّراً حقيقيّاً أدّى إلى تبنّيهم لأفكار جديدة مخالفة لأصول الدين، ولم يجدوا من يفتح صدره لهم ويردّ على إشكالهم وتساؤلاتهم.
وإنّ هذه الشريحة التي نظرت إلى الشُّبَه بعقلانيّة وهي تقصد الحقّ قادرةٌ أن تصل إلى مبتغاها بالحوار والاستفسار؛ لأنّ الإسلام دين العقل والعلم.
No comment yet, add your voice below!