الإسلاموفوبيا

الإسلاموفوبيا

Loading

من السَّذاجة أن يعتقد أيُّ إنسانٍ بحياديَّة أيَّة وسيلةٍ إعلاميَّة أو موضوعيَّتها، وخصوصاً وسائل الإعلام التي توافقه في المواقف والآراء. 

منذ الجدار الأوَّل الذي بناه السُّومريون في مواجهة الرُّعاة العموريين، إلى سور الصّين العظيم، فجدار برلين، وحتَّى جدار الفصل العنصريِّ للكيان الصهيونيّ، كلُّها عناوين للخوف من الآخر، والرَّغبة في التقوقع حول الذَّات رهبةً ممَّا عند هذا الآخر.

تمكَّن الإعلام اليوم من استبدال الجدران الحجريَّة بجدران الأوهام، أوهام الخوف؛ الخوف من الآخر، الخوف من تغيير نمط الحياة، الخوف من تغيير القناعات أو الأشكال أو الأساليب أو حتَّى العقائد.

وخلف هذه الجدران الكبيرة من الأوهام المصطنعة تتمحور حضارة الحداثة حول ذاتها، رافضةً كلَّ شكلٍ قد يؤثّر على صورتها التي بَنَتْهَا لنفسها، رافضةً لكلِّ فكرٍ يُعارض فكرَها، حتى بلغ الجمود في التَّمحوُر حول الذَّات مبلغاً خطيراً يجسِّده انتشار كتابَي: (نهاية التَّاريخ) و(صراع الحضارات).

فكتاب (نهاية التَّاريخ) لفوكوياما يتحدَّث عن أنَّ الدِّيمقراطية الليبرالية بقِيَمها عن الحريَّة، والفرديَّة، والمساواة، والسِّيادة الشَّعبيَّة، ومبادئ الليبرالية الاقتصاديَّة، تشكّل مرحلة نهاية التَّطوُّر الأيديولوجيّ للإنسان، وبالتَّالي فإنَّ المطلب هو عولمة الدِّيمقراطيَّة اللّيبرالية كصيغةٍ نهائيَّةٍ للحكومة البشريَّة بِغَضِّ النَّظر عن كيفيّة تجلِّي هذه المبادئ في المجتمعات المختلفة.

وهذا يعني أنَّ الحضارة الحداثيَّة بشكلها الليبراليّ الحاليّ تقدِّم نفسها للبشريَّة -كما تقدِّم الأديان نفسها- مترافقةً مع الحلِّ الجذريِّ النِّهائيِّ الموعود الذي سيجلب في حال تبنِّيه السَّعادة للبشريَّة، وهذا الأسلوب من التفكير هو بحدِّ ذاته ممَّا تأخذه تلك الحضارة على الأديان، ومن الأمور التي تخشاه فيها.

أمَّا كتاب: (صدام الحضارات وإعادة تشكيل النِّظام العالميّ) لصامويل هنتنجتون، فإنَّه يسوّق لفكرة أنَّ الاختلافات الثقافيَّة هي المحرِّك الرَّئيسيّ للنِّزاعات بين البشر في السِّنين القادمة، فالآخر المختلف ثقافيَّاً وأيديولوجيَّاً -بحسب هنتنجتون- لا بدَّ أن يكون طرفاً مقابلاً للصِّدام، وبهذا يستبعد فكرة التَّوافق الإنسانيِّ بين الحضارات المختلفة، وهذا الأسلوب الفكريّ في الطّرح هو ذاته أسلوب التَّنظيمات المتطرِّفة التي تفترض وجوب الصِّراع الحضاريّ مع الأيديولوجيَّات والثَّقافات الأخرى.

كلُّ هذه الأفكار والطُّروحات، وغيرها الكثير مثلها، ممَّا ترضع لبانه الحضارة الحداثيَّة أدَّى إلى تمحورها حول أوهامٍ مصطنعةٍ من الخوف من الآخر، بالرَّغم من الانفتاح عليه.

وهذه الأوهام المصنوعة في المؤسَّسات الإعلاميَّة الكبيرة أوجدت عدوَّاً، يقتل، ويفجّر، يسيء للمرأة، ويستعبد النَّاس، وينشر الهمجيَّة، ويريد القضاء على الحضارات الإنسانيَّة، اسمه (الإسلام).

إذن فالصُّورة الواهمة المرسومة في الأذهان تساهم بشكلٍ كبيرٍ في الإسلاموفوبيا، ولا يمكن إزالة هذه الأوهام إلا بقوَّة الحقيقة الواضحة المأخوذة من مصادرها النَّقية، والتي لا تمرُّ عبر البرامج التلفزيونية، ولا الأفلام السينمائية ولا المسلسلات، ولا نشرات الأخبار.

يُضاف إليها أنَّ الخوف من الإسلام في كثيرٍ من الأحيان هو خوفٌ من “تغيير النَّمط” لا من حقيقة الإسلام، والخوف من تغيير النَّمط يعني الخوف من سيطرة الإسلام، وفرض نمط حياةٍ يُخالف نمط الحياة الحاليّ.

فلو كان الخوف من الإسلام خوفاً مبنيَّاً على حقائق لكان الخوف من الحكومة الأمريكيَّة أولى لأنَّها تقتل في كلِّ عامٍ أضعاف ما تقتله التَّنظيمات المنسوبة إلى الإسلام، ولكان الخوف من الحكومة الفرنسيَّة أيضاً أولى لأنَّها تقوم بمشاريع تدميريَّة تستنزف فيها دماء النَّاس في إفريقيا وغيرها.

فحساب القتل والاحتلال والتَّدمير يرجح وبقوّةٍ لصالح أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الهيمنة والقتل والحرب، إلّا أنَّنا لا نرى انتشاراً للأمريكافوبيا أو فرنسافوبيا أو بريطانيافوبيا، فعلميَّات القتل والتَّهجير والتَّدمير التي تقوم بها تلك الدُّول لا يقدِّمها الإعلام كما يقدِّم عملية قتلٍ واحدةٍ يقوم بها تنظيمٌ ينسب نفسه للإسلام.

وقبول الحضارة الأمريكيَّة – الأوربيَّة بالرّغم من الكمِّ الكبير من القتل والتَّدمير، والإفساد في الأرض، واستعمال المرأة وتسليعها (جعلها سلعة)، وتدمير الكيان الأسريِّ للإنسان، ثمَّ التَّخويف من الإسلام بناءً على مجموعة أوهامٍ وتشويهاتٍ _إن صحّت_ لا تصل بمجموعها إلى مستوى جرائم (الحضارة) الأمريكية – الأوربية، كلُّ هذا يُعد بحقٍّ من أوضح المغالطات في العصر الحديث.

وهذا مثالٌ على أنّ الْمُتأثّرين بالإسلاموفوبيا يبنون تأثُّرهم على التَّوجيه الإعلاميِّ الذي يرسِّخ الأوهام على حساب الحقائق، ويبتعدون عن البحث أو الخوض في جوهر الإسلام وحقيقته.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *