غزوة بدر

غزوة بدر الكبرى
غزوة بدر الكبرى

جميلٌ أنهم سمّوها غزوة بدر..

وهذا جميلٌ جداً عندي.. إنّه محطُّ إلهامي..

جميلٌ أنهم انتظروني كل هذه المدّة لأرسّخ ما يقولون، ولأشبّه هذه المعركة بالبدر الذي يشقُّ ستارة الظلام،
ويرسل نوره الخالد شلّالاً طهوراً يتمُّم به الوجود، إنّها أضواء بدرٍ الكبرى.

هناك من الكواكب أو النجوم ما لا يصل نوره إلى الأرض إلا بعد خمسة وعشرين مليون سنة، وإنّنا أصحاب حظٍّ عظيم إذ يلتقينا بنوره السخيّ، يوجّه أضواءه إلى أبطال هذه المعركة الذين كانوا ثلاثمائة ونيّفاً من الرجال الصادقين، الرجال الذين كان يقودهم إلى هذا الظفر المجيد نبيٌّ عظيم اسمه محمّد صلى الله عليه وسلم .

والحقيقة أن السرّ العظيم في نموذجية النجاح في هذه المعركة الحربية يكمن في ذلك الإحكام وذلك الترابط في أركان خطة المعركة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمنا بجدارة واقتدار فنَّ إدارة المعارك، كما يعلّم أرباب هذه الحرفة طرفاً من هذا الفن.

لقد مهّد النبي الكريم لهذا كلّه بالبساط النبويّ الذي يجلس عليه الجميع، ليشاركوا في المشورة. كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجد حرجاً في الإنصات إلى أصغر خبرةٍ تأتيه من هذا البساط بساط الشورى؛ ومشهورٌ ذلك الحوار الذي جرى بينه وبين الحبّاب بن المنذر حينما اختار النبي الكريم موقعه في مواجهة قريش بعيداً عن ماء بدر.

يقول الحباب: أهذا منزلٌ أنزلكه الله؟ أم هي الحرب والمكيدة؟

قال عليه الصلاة والسلام: بل هي الحرب والمكيدة، فقال الحباب: الرأي أن نتقدّم ماء بدر، ونخلفه وراءنا“.

جرت المعركة، وتذكر كتب السيرة أنَّ النبيَّ الكريم سمح لمن نفذ إلى الماء من الكفار بالشرب، لكن القوم كانوا مهزوزين معنوياً، فقد فوجئوا بالخطة إلى حدِّ الانبهار، كما يفاجأ حيوان ابن عرسٍ في جحره إذا كُشِف، فيصبح في حالة من السَّدَر أي ما يشبه السُّكْر، فيمسكه الصيادون بأيديهم.

إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمُ أرباب العسكر كيف تكون إدارة المعارك، وكيف يكون الحوار الممهّدُ لها في مرحلة الإعداد، وكيف يكون الانصياع للحق واحترام الرأي، فهذه هي الحرب والمكيدة، وهذا نموذجها الأعلى، معركة بدرٍ التي تطلع علينا كلَّ عامٍ لتضيء لنا من أفقها السَّنيّ الطريق إلى مدرسة رسول الله وصحابته الأخيار الأبرار وأعمالهم السديدة المُحكمة.