تحت الأضواء …الإمام البخاري ومكانة صحيحه

تحت الأضواء
تحت الأضواء

تحت الأضواء ...الإمام البخاري ومكانة صحيحه

Loading

كان للإمام البخاريّ في صحيحه عنايةٌ بالجانب الفقهيّ, فإنَّه لم يكتفِ بسردِ الأحاديث بل عَنوَنَ لها بعناوينَ تسمَّى التراجم

ترجمة الإمام البخاريّ ومكانتُه في علوم الحديث:

كان الإمام البخاريُّ شخصيّةً واسعة الجوانب أُلِّفَ عنها الكثير من الكتب.

هو الإمام مُحمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبه البخاري الجعفي, وُلد في 13/ شوال/ 194ه في مدينة بخارى في بيتٍ مُباركٍ, وتربّى في جوٍّ إيمانيٍّ كان له أثرٌ في نشأته الصَّالحة وتوجُّهه إلى طلب العلم.

كانت همَّته من الصغر همَّةً طيِّبةً, وكان طلبة العلم يقصدونه وهو في مقتبل العمر. أخذ العلم عن مئاتٍ من شيوخ العلم والحديث, وكان يمتاز بحرصه على أخذ كلِّ ما عند الشيخ من الأحاديث مع حرصه الدِّقَّة في الأخذ والتحمُّل.

كان نابغةً في الحفظ منذ صغره, وكان طلبة العلم معه يكتبون لكنَّه كان يحفظ من غير كتابةٍ من المرَّة الأولى, وامتُحن في بغداد واختُبر في الحفظ وأبهر الجميع.

ألَّفَ الكتب العديدة غير الصّحيح, منها: (التاريخ الكبير في تراجم رُواة الحديث), و (التاريخ الأوسط) و (التاريخ الصغير) وغيرها, وأخذ عنه كثيرٌ من الرُّواة لعلَّ من أبرزهم مسلم صاحب الحديث, والترمذي والنسائي وابن خزيمة والبزَّار.

كانَ كثيرَ العبادة والصيام والقيام والتلاوة, ومن أعظم خصال وَرعِه تجنُّبه الغيبة.

 أثنى عليه عددٌ لا يُحصى من أعلام السُّنَّة, وقال عنه الإمام أحمد: “ما أخرجَتْ خُراسان مثل محمَّد بن إسماعيل البخاريّ“.

كانت وفاته ليلةَ عيد الفطر سنة 256ه في بلدةٍ من ضواحي سمرقند عن اثنين وستين عاماً, رحمَه الله وجزاه عن الأمَّة خيراً.

كتابُهُ الصَّحيح, منهجه فيه, ومكانته بين كتب الحديث:

من أهمِّ أسباب تأليفه الصحيحَ هو حاجة طلبة الحديث إلى وجود كتابٍ يختصُّ بالصحيح, ومما شدَّ عزيمة البخاري للعمل على تصنيف صحيحه اقتراح بعض إخوانه في مجلس شيخهم إسحاق بن راهويه, فقال البخاريُّ: “فوقعَ ذلك في قلبي, فأخذت في جمع هذا الكتاب”.

 ودفعه أيضاً رؤيا صالحةٌ رآها وهو يقف بين يدي النَّبيِّ  وبيده مِروحةٌ يذبُّ بها عنه, فكان تأويلها وكأنَّه يذبُّ الكذب عنه.

استغرقَ تصنيف الصحيح ستَّ عشرة سنةً بعد تخريجه من ستمئة ألف حديثٍ, ويقول الإمام: “جعلته حجَّةً فيما بيني وبين الله تعالى”.

ولخَّص الإمام منهجه في الصحيح من خلال عنوان الكتاب, حيث أسماه: (الجامع المُسنَد الصحيح المختصر من أمور رسول الله  وسننه وأيامه).

الجامع: أي الكتاب الشامل لكلِّ أبواب الدِّين, فهو غير مقتصرٍ على جانبٍ واحدٍ.

 المُسنَد: فالأحاديث الموجودة متصلة الإسناد مرفوعةً إلى النَّبيِّ.

 الصَّحيح: فكلُّ الأحاديث التي أوردها فيه مستوفيةٌ لشروط الصّحّة.

 المختصر: فلم يستوعب فيه كلَّ الأحاديث الصَّحيحة.

 ويشير إلى شمول كتابه لكلِّ النواحي المتعلِّقة برسول الله من الحديث والشمائل والأخلاق.

 وسننه: وهو أحاديث الأحكام, وما جاء عن النَّبيِّ  مما جرى العمل عليه.

 أيَّامه: أي المغازي.

فهذا خلاصة منهج البخاري في كتابه مما دلَّ عليه العنوان.

شروط الصّحّة عند البخاري:

يشترط الإمام شروطاً خمسةً  في الحديث الصحيح, لكنّ الذي يميّزُ الإمام عن غيره شدَّةُ تحرِّيه في تطبيق هذه الشروط وتشدُّده في بعض تفصيلاتها, ونذكر منها:

في شرط اتِّصال السَّند: في قبول (السَّند المُعنعن) لا يقبله حتى يتحقَّقَ من سلامة راويه من التَّدليس, وحتى يثبت عنده في خبرٍ آخر أنَّ هذا الرَّاوي قد تتلمذَ على هذا الشيخ الذي يروي عنه وسمعَ منه, ولا يكتفي مجرّد المعاصرة الزّمانية.

في شرطَي العدالة والضبط: لا يُخرِّج الإمام البخاريُّ لكلِّ من تحققَّ فيه هذان الشرطان فقط, بل ينتقي من الصّحيح الأصحّ, ومن الجيّد الأجود.

وفيما قيل من رواية البخاري عن رجالٍ انتقدَهم بعض الحفَّاظ في عدالتهم كالمنسوبين إلى البدعة, أو في ضبطهم وإتقانهم, فالجواب: إنَّ البخاريَّ كان لا يرى البدعة غير المُكفِّرة جرحاً في الرّاوي إن لم يكذب الرّاوي عن النَّبيِّ  كالخوارج, وما رواه عنهم أحاديث صحيحةٌ لورودها من طريقٍ آخر أيضاً, أمَّا الرُّواة المتكلَّم فيهم من حيث الضّبط فلم يعتمد على أحاديثهم, وإنَّما انتقى الرِّواية التي تحقَّقَ من صحّتها انتقاءً في الموضع الذي رواه, وهي أحاديث يسيرةٌ لها طرقٌ أخرى من شواهدَ أو متابعات.

في شرط السلامة من الشُّذوذ والعلَّة القادحة: فالثِّقة غير معصومٍ من الخطأ, وإذا وُصف رجال صحيح البخاريّ بأعلى درجات العدالة والضبط فهذا لا يعني العِصمَة, ولذلك قد يكرّر الحديث في موضعٍ واحدٍ أو في مواضعَ متعدِّدةٍ لتبيين تنوّع الرِّوايات وعدم اختلافها, وبذلك ينتفي الشُّذوذ والعلَّة عن أحاديث صحيح البخاري.

مصادر صحيح البخاري:

قد سبقَ كثيرٌ من أهل العلم الإمامَ البخاريَّ إلى تدوين الحديث بشكلٍ عام, ولم يكن هو صاحب التّصانيف أوّلاً, فجاء وقد حصَّلَ الكتب السابقة, وحرص على سماعها, ولَمَّـا صنَّفَ الصحيح كانت مصادره بين يديه يستفيد منها, وينتقي الصّحيح منها.

وكثيرٌ من الأسانيد التي تبدو شفاهيةً محضَةً نجدها تعتمد على صحفٍ مكتوبةٍ, وروايةٍ من طريق مصنَّفاتٍ سابقةٍ, مع الحرص على رواية الأحاديث بالإسناد.

وكان للإمام البخاريّ في صحيحه عنايةٌ بالجانب الفقهيّ, فإنَّه لم يكتفِ بسردِ الأحاديث بل عَنوَنَ لها بعناوينَ تسمَّى التراجم, يلخّص فيها ما يستنبطه من الحديث من حِكَم أو أحكام, حتّى قال العلماء: فقه البخاريّ في تراجمه.

هذه لَمَعاتٌ في سيرة الإمام البخاري, توضح سعة حفظه, ودقّة منهجه, تفتح أمام القارئ آفاق الوصول إلى معرفة دقائق هذا الاختصاص إن شاء الله تعالى.

كيف يروي البخاري حديث زواج السيدة عائشة والحديث معلول من جهة المسند والمتن

حديث زواج السيدة عائشة
حديث زواج السيدة عائشة

كيف يروي البخاري حديث زواج السيدة عائشة والحديث معلول من جهة المسند والمتن

Loading

 كان النَّبيُّ  مأموراً بزواجه من السَّيِّدة عائشة, ووردت أحاديث تدلُّ على ذلك

الحديث 6

روى البخاريُّ عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها قال: (تزوَّجني النَّبيُّ ﷺ وأنا بنت ستِّ سنين… فأسلمتني إليه وأنا يومئذٍ بنت تسع سنين).

الشبهة:

  1. انفرد هشام ابن عروة برواية الحديث, وهو متَّهمٌ.
  2. هشام بن عروة ليس متَّهماً, فقد أخذ عنه كثيرٌ من الأئمَّة والمحدِّثين ومنهم الإمام مالك.
  3. لم ينفرد هشام بالحديث بل وجد له شواهد عند مسلم وغيره.
  4. عمر السَّيِّدة عائشة عندما تزوَّجها النّبيُّ كان 17 عاماً, وليس 9 سنين فهذا خطأٌ من البخاريِّ في نقل عمرها… لأنَّ أسماء كانت أكبر منها بعشر سنين, وتوفِّيت السَّيِّدة أسماء عام 73 للهجرة عن عمر مئة عام, فهذا يدلُّنا أنَّ السّيّدة عائشة في عام الهجرة كان عمرها 17 عاماً.

 وردت روايةٌ في البخاريِّ تثبت أنَّ السَّيِّدة عائشة كان عمرها 17 عاماً عند الهجرة.

أخرج البخاريّ عن عائشة أنَّها قالت: (لقد أنزل على محمَّدٍ ﷺ بمكَّة وإنّي جاريةٌ ألعب: ﴿بلِ السَّاعةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ[القمر46], ومعلومٌ أنَّ سورة القمر نزلت في السَّنة الرَّابعة من البعثة, ووقتها كانت السَّيِّدة عائشة ابنة 8 سنوات على هذه الحسابات.

الرَّدّ:

  • لا يوجد ما يثبت أنَّ السَّيِّدة أسماء ماتت وعمرها مئة عامٍ تماماً, فهناك مصادر ذكرت أنَّ عمرها كان 91 عاماَ.
  • لا يوجد دليلٌ قاطعٌ على أنَّ السَّيِّدة أسماء أكبر من السّيدة عائشة بعشر سنين تماماً.
  • تدلُّ الأخبار الأصحُّ  على أنَّ السَّيِّدة عائشة كانت أصغر من السَّيِّدة فاطمة بثماني سنواتٍ, أي أنَّ عمرها كان عند بعثة النَّبيِّ ﷺ 12 عاماً, وكانت السَّيِّدة عائشة في الرابعة أو الخامسة من عمرها.
  • اتَّفقت المصادر على أنَّ عمر السَّيِّدة عائشة عند وفاة النَّبيِّ ﷺ كان 18 عاماً.
  • كثرة الأحاديث التي دلَّت على أنَّها كانت جاريةً حديثة السِّنِّ.
  • لم يختلف أهل العلم على أنَّ زواج النَّبيِّ ﷺ من السيدة عائشة كان وهي بنت 9 سنين, وذكر هذا ابن عبد البرِّ: (لا أعلمهم اختلفوا في ذلك …).
  • بالنِّسبة إلى الاستدلال بسورة القمر فقد اتفق المفسِّرون على أنَّ قوله تعالى: ﴿بلِ السَّاعةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ[القمر46], هذه الآيات بالذَّات نزلت متأخّرةً, فمنهم من قال نزلت في السَّنَة السابعة, حتَّى قال بعض المفسرين: إنَّها نزلت في المدينة المنوَّرة.

قال ابن جزِّي: (سورة القمر مكّيّة إلا الآيات (4) و (45 و46) مدنيّة).

وهناك أدلَّةٌ كثيرةٌ تثبت أنَّ سورة القمر نزلت بعد حادثة الإسراء والمعراج, أي في السَّنة التاسعة للبعثة, وكانت السَّيّدة عائشة وقتها بنت 4سنوات.

الشبهة 2: هي زواج النَّبيِّ ﷺ من طفلة عمرها 9 سنين.

الرّدُّ: هذه الشبهة ليست طعناً في البخاريِّ, وإنَّما هي سؤالٌ خفيُّ الدوافع للطَّعن بالمعصوم ﷺ, فنقول:

1- كان النَّبيُّ  مأموراً بزواجه من السَّيِّدة عائشة, ووردت أحاديث تدلُّ على ذلك.

2- كانت السَّيِّدة عائشة وهي صاحبة الشَّأن سعيدةً بهذا الزَّواج, ولم تجد فيه نقصاً, وكانت تقول: (تزوَّجني رسول الله في شوَّال, وبنى بي في شوَّال, فأيّ نساء رسول الله ﷺ كانت أحظى عنده مني) (أي أقرب إليه, وأسعد به). 

3- لم تكن عادة زواج الصَّغيرات غريبةً في الجزيرة العربية. 

وقد ورد عن الإمام الشَّافعيِّ قول: (رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيراً).

4- إنَّ من ينكر زواج رسول الله ﷺ من عائشة وهي بنت تسع سنين يقيس وضع الجزيرة العربية آنذاك مع وضع الدول الأوربية والأمريكية في هذا الزمن, وهذا قياسٌ فاسد.

5- من ينظر إلى الحاضر الأوروبي نظرة تقديسٍ فليذكر أنَّ ملكة قشتالة تزوَّجت وعمرها 8 سنوات, وأنَّ إيزابيلا زوجة ريتشارد الثاني ملك إنجلترا تزوَّجت وعمرها 7 سنوات.

الأحاديث المُشْكِلة في صحيح البخاري.. وهم أم حقيقة!؟

الأحاديث المُشْكِلة في صحيح البخاري.. وهم أم حقيقة!؟
الأحاديث المُشْكِلة في صحيح البخاري.. وهم أم حقيقة!؟

الأحاديث المُشْكِلة في صحيح البخاري.. وهم أم حقيقة!؟

Loading

بعض النماذج من أحاديث البخاري و إزالة الإشكال منها

الحديث 1

ورد في صحيح البخاريّ من بلاغات الزّهري, عن معمر في فترة الوحي: (فحزن النَّبيُّ ﷺ _فيما بلَغَنا_ حزناً غدا منه مراراً كي يتردَّى من رؤوس شواهق الجبال).

الإشكال: كيف ينتحر نبيٌّ معصوم؟

إزالة الإشكال:

  • ورد الحديث من بلاغات الزهري, وكلمةُ: (بلغَنَا) ليست بقوَّة الحديث الصَّحيح المتواتر.
  • في الحديث زيادة كرامةٍ للنَّبيِّ ﷺ, لأنَّ الله صرف عنه هذا الأمر.
  • لا ينقل الإمام البخاريُّ إلا عن ثقاتٍ, وثبوت الحديث لا يقلِّل من شأنه ولا من عصمته ﷺ, ولا يقدح بهما.

أوَّلاً-  لأنَّ الأمر ليس ممَّا يقدح في المروءة.

ثانياً-  كان قبل تحريم الانتحار.

ثالثاً-  ورد الحديث بصيغة النِّيَّة, والنِّيَّة السَّيِّئة لا توجبها.

الحديث 2

عن عمرو بن ميمون بلفظ: (رأيت في الجاهلية قِرْدَةً اجتمع عليها قِرَدَةٌ, قد زنت فرجموها فرجمتُها معهم).

الإشكال: كيف تُحاسب كائناتٌ لا تعقل؟

 جواب الإشكال:

1- لم ينفرد البخاريُّ بهذا الخبر وحده ليعتبر من الإشكالات على صحيح البخاري.

2 – هذا خبرٌ ورد عن عمرو بن ميمون, وليس حديثاً.

وعمرو بن ميمونٍ مخضرمٌ معمِّرٌ عاش من الجاهلية إلى زمن عبد الملك بن مروان, لكنَّه لم يجتمع بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم, لذا فهو ليس صحابيّاً.

3- في هذا الخبر تحذيرٌ وتنبيهٌ لمن يرفض حكم الرَّجم بحجَّة أنَّه ظلمٌ, فحتَّى القردة التي لا تعقل فيها غيرةٌ وحميَّةٌ, وتأبى أن ترى إناثها على فاحشة.

الحديث 3

حديث: أنَّ النَّبيَّ ﷺ قد سحره لبيد بن عاصم.

الإشكال الأوَّل: تنافي السِّحر مع آية: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ[المائدة67].

جواب الإشكال:

1- لا يتنافى السِّحر مع العصمة, لأنَّ العصمة هنا هي عصمةٌ من تأثير الشيطان على ما يتعلَّق بتبليغ الدعوة, أمّا الأمور الجسديَّة من مرضٍ وتعبٍ فلا تخلُّ بالعصمة بل هي من كمال الأنبياء لأنَّهم بشرٌ, وهذه الأمور ممَّا يجري على البشر، فابتلاء الأنبياء بأجسادهم لا يوجب النقص والعار بل هو من كمالهم وكرامتهم.

2- لا تشمل العصمة عدم التَّأثُّر بالسِّحر, فسيِّدنا موسى رأى السِّحر كما رآه بقيّة الناس, وأوجس في نفسه خيفةً عندما رأى ذلك, ولم تمنعه العصمة من هذا.

3- العصمة في الآية هي العصمة من القتل, وعدم إتمام الدعوة.

 يقول الإمام الشافعيُّ: ( يعصمُك مِنْ قتلِهم أي: من أن يقتلوك حين تبلّغ ما أنزل إليك).

الإشكال الثاني: الحديث مردودٌ لتفرُّد هشامٍ به.

جواب الإشكال:

  • هشام من أوثق الناس, ولم يطعن فيه أحد.
  • وهذا الحديث صحيحٌ, لم ينكره أحدٌ من أهل العلم.
  • هذه القصَّة مشهورةٌ عند أهل العلم.

الإشكال الثالث: هذا الحديث تصديقٌ لقول مشركيّ مكَّة كما قال تعالى حكايةً عنهم: ﴿إن تتّبعون إلّا رجلاً مسحوراً[الإسراء47].

جواب الإشكال:
1- كان هذا الكلام منهم في مكَّة المكرّمة, وحدثت الحادثة في المدينة المنوّرة.
2- السحر الذي زعمه المشركون هو ما يوجب زوال العقل, ويؤدّي إلى الجنون وفساد الرأي, أمَّا الحادثة فتتحدَّث عن سحرٍ تسبَّب بتعبٍ ومرضٍ لا يضرُّ بالدعوة ولا النُّبوَّة, وإلَّا لاستفاض الأمر ونُشِرَ وأدَّى إلى شماتة الأعداء, ولم يَرِد شيءٌ عن أحدٍ منهم فمرضه كان فقط فيما يتعلَّق بأمورٍ يشترك فيها مع البشر وهي الطعام والشراب وإتيان النساء.

الحديث 4

حديث: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتلَ النَّاسَ).

الإشكال: انتشر الإسلام بالسيف والإكراه.

جواب الإشكال:

1- علَّة الجهاد ليست لمجرَّد الكفر, وإنَّما لردِّ الحرابة والعدوان بدليل منع قتل الشيوخ والنساء والأطفال، ومنع اقتحام دور العبادة, أو تخريب الممتلكات العامَّة، وبدليل أنَّ النّبيَّ بعث بعد فتح مكَّة لمن بقي على شركه يدعوه إلى الإسلام, ولم يأمر بقتالهم.

2- صيغة الحديث واضحةٌ (أُمرت أن أقاتل), لا (أُمِرتُ أن أقتل), والفرق واضحٌ, فالمقاتلة تفيد المشاركة بين الطرفين لا الابتداء بالقتال أوَّلاً.

 3- المبدأ الأساسيُّ في الإسلام هو: (لا إكراهَ في الدِّين).

والغاية من الجهاد فتح السبيل للتبليغ, ونجد هذا واضحاً في وصايا النَّبيِّ ﷺ لقادة الجيوش قبل خروجهم إلى المعارك وقبل تسليمهم الرايات.

الاهتمام بالسند وشروط قبول الأحاديث…تعرف على ذلك

الاهتمام بالسند وشروط قبول الأحاديث
الاهتمام بالسند وشروط قبول الأحاديث

الاهتمام بالسند وشروط قبول الأحاديث...تعرف على ذلك

Loading

شروط الصحَّة الخمس

عنايةُ السَّلفِ الصَّالح بالإسناد:

جُعل الإسنادُ شرطاً أوَّلياً لقَبول الأحاديث الشريفة, وطالَبَ العلماءُ به في كلِّ حديث.

 والإسنادُ هو أن يُصرِّحَ كلُّ راوٍ للحديث باسمِ مَن حدَّثَه به, فهو سلسلة الرجال الذين نقلوا الحديث.

اهتمَّ العلماء بالإسناد اهتماماً كبيراً لكونه وسيلةً أساسيَّةً لنقل الشريعة, ومن ذلك سفرهم وانتقالهم من بلادهم حتى يسمعوا كلام النَّبيِّ  مُسنداً برجاله الثِّقات.

ومعرفة الإسناد ليس مقصوداً لذاته, بل يُتوصّل به إلى دراسة أحوال الرِّجال الرُّواة, والبحث عن عدالتهم وضبطهم, ومقارنة المرويَّات بعد ثبوت السند, “وإنّما يعلم صحّة الحديث بصحّة الإسناد” كما قال شعبة بن الحجَّاج, واتَّفقَ أهل الحديث على عدم قَبول الرِّواية إلا بذكر السَّند, وإلا ردُّوها.

بيانٌ مُوجَزٌ لشروط صحّة الحَديث:
عرَّف المُحَدِّثون الحديثَ الصحيحَ بأنَّه: (الحديثُ الذي اتَّصلَ سندُه بنقل العَدل الضابط عن مثله, من أوَّل السَّند إلى منتهاه, ولا يكون شاذَّاً ولا مُعلَّلاً).
ونستنتج من التعريف أنَّ شروط الصحَّة خمسةٌ, وهي:
اتّصال السَّند– عدالة جميع الرُّواة ضبط جميع الرُّواةسلامة الحديث من الشُّذوذوسلامته من العلّة الخفيّة القادحة.
أوّلاً: شرط اتّصال السَّند: ومعناه أن يكون كلُّ رجلٍ من رجال الإسناد قد تحقَّقَ لقاؤه بمَن قبلَه, وثبتَ أخذه عنه وسماعه منه, ويستمرُّ ذلك من أوَّل السَّند إلى آخره.

ثانياً: شرط العدالة: وهي صفةٌ راسخةٌ في النَّفس تحمل صاحبها على مُلازمة تقوى الله تعالى, واجتناب الكبائر, وعدم لزوم الصغائر, والابتعاد عن خوارم المروءة. والعدالة هي الرُّكن الأكبر في الرِّواية, والضمان لصدق الرَّاوي؛ لأنَّ الرَّجل العدل يميل إلى جانب الصدق ويجتنب الكذب فيما يُخبر.

ثالثاً: شرط الضَّبط: وهو حفظ الرَّاوي لحديثه وصيانته, والمحافظة عليه في صدره أو في كتابه حتَّى يؤدِّيَه كما سمعه, ويُعرف ضبط الراوي بدراسة مرويَّاته, واختباره بشكلٍ مباشر. والعدالة والضبط صفتان مهمَّتان في الراوي لا تغني إحداهما عن الأُخرى, فالعدالة تمنع صاحبها من ارتكاب الكذب وأسباب الفسق, والضَّبط يمنع من حصول الخطأ, والمتَّصف بهما معاً يُسمَّى «ثِقَةً».

رابعاً: شرط السَّلامة من الشُّذوذ: وهو مخالفة الرَّاوي لِمَن هو أرجَح منه وأوثق منه, أو أن يخالف راوٍ واحدٌ مجموعةً من الرُّواة الثِّقات, فتكون روايته شاذَّة. وبذلك اهتمَّ العلماء بجمع الرِّوايات والشَّواهد, فإذا اتَّفقت كلُّها على وجهٍ واحدٍ في اللفظ أو بالمعنى فهذا يدلُّ على أنَّ الرُّواة لم يخطؤوا فيه, وإن اختلفت فلا بدَّ أن يكون بعضهم مُصيباً وبعضهم مُخطئاً.

خامساً: شرط السَّلامة من العلَّة الخفيَّة القادحة: وهي سببٌ غامضٌ خفيٌّ يقدح في صحَّة الحديث, مع أنَّ الظاهر السَّلامة منه, ولا يكتشف هذه العلّة إلا أهل الخبرة والممارسة من علماء هذا الفنّ.
هذا أهمُّ ما يجب معرفته من مقدّمة علم مصطلح الحديث من باب: الحديث الصحيح وشروطه الخمسة المعتبرة التي اتَّفق عليها أئمَّة الحديث في جميع الأزمان.

هل الإشكالات في رواة الحديث تضعف صحيح البخاري؟

الإشكالات في رواة الحديث
الإشكالات في رواة الحديث

هل الإشكالات في رواة الحديث تضعف صحيح البخاري؟

Loading

بعض النماذج من رجال البخاري الذين قدح فيهم العلماء، وروى عنهم الإمام البخاري، وبيان حقيقتهم

▪ أوّلاً: إزالة الإشكال عن بعض رواة صحيح البخاريّ:

١- عكرمة مولى ابن عباس:

أعظم من قُدِح فيه من رجال البخاريّ، حتَّى جازف بعضهم في الحكم عليه، وقالوا: هو وضّاع.

وفي الحقيقة كان عكرمة من أعلم الناس؛ لكنَّه كان متّهماً برأي الخوارج.

قيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: (عكرمة، وتكلَّم الناس فيه لأنَّه كان يرى رأي الخوارج) ورموه بالكذب، ولكن لم يثبت عليه الكذب قط.

وإذا ثبت أنَّه من الخوارج، فإنَّ من أصول الخوارج التغليط في المعصية. وأنَّ مرتكب الكبيرة يكفَّر بارتكابها.

فكيف يكذب على رسول الله، والكذب على النَّبيِّ من أكبر الكبائر؟ فهو أبعد الناس عن الكذب على رسول الله ﷺ. وذهب فريقٌ آخر إلى قبول روايته، وهم أكثر المحدِّثين وأعلم النَّاس بهذا الفنّ.

منهم أيّوب السختياني، فقد سئل عن عكرمة، فقال: ( لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه).

وقال الإمام البخاري: (ليس أحدٌ من أصحابنا إلا وهو يحتجُّ بعكرمة). وقال عنه الحافظ ابن حجر: (لم يثبت عنه من وجهٍ قاطعٍ أنَّه كان يرى ذلك، وإنَّما كان يوافق في بعض مسائل فنسبوه إليهم، وقد برَّأه أحمد والعجلي من ذلك). ومن ثم نجد أنَّ البخاريَّ إمام النقاد وشيخ أهل الجرح والتعديل، ثبتت لديه عدالته وضبطه، فأخذ بحديثه، وهو حجَّةٌ على الآخرين، وأعلم بحاله منهم.

٢- إسماعيل بن أبي أويس:

نعم ضعَّف النُّقَّاد إسماعيل بن أبي أويس، لكنَّ رواية البخاري عنه لم تكن بالسماع منه ليقع فيه الوهم والضعف، وإنَّما أخرج له البخاري من أصوله، أي من كتبه، وليس من روايته، فنظر فيها وكتب منها.

قال ابن حجر: (أخرج له أصوله، وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به، ليحدث به ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه، لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح).

٣- مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية:

هو ابن عمِّ عثمان بن عفان : نعم كانت عليه مآخذ، لكنَّها لاتتعلَّق بصدقه وروايته، وإنما في خلافه مع ابن الزبير، وشيءٌ من أموره في السياسة.

أمَّا من حيث الرواية: فقد وثّقه علماء عصره، وقال عنه عروة ابن الزبير 🙁 كان مروان لا يُتَّهم في الحديث). ومعروفٌ ما كان بينه وبين آل الزبير من العداء. وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم.

▪ثانياً: أبو هريرة: شبهاتٌ وردودٌ:

لقد وجَّه المستشرقون وأتباعهم سهام الطعن إلى الصحابي أبي هريرة  ولكن لسوء حظِّهم لم تسعفهم الوقائع والمعطيات لتصديق تلك الشبهات، لأنَّهم لم يوفَّقوا لاختيار الشخصية التي أرادوا النيل منها، فهو ليس رجلاً مغموراً من بين الصحابة لا يعرفه إلا الخاصّة، وليس من الأعراب الذين عاشوا في الصحراء بعيداً عن رسول الله ﷺ، ولا من المؤلَّفة قلوبهم الذين لم يكن لهم سهمٌ في نشر دين الله تعالى، وإنَّما هو الصحابي الذي لازم رسول الله ﷺ وأخذ عنه، وتفرَّغ لاقتباس نور النُّبوَّة، وتضافرت الأحاديث والآثار فيه، فهو أشهر من نارٍ على علم، وقد روى عنه المئات من الصحابة والتابعين، وكفى بهؤلاء شهادةً بلسان الحال، فلو لم يثقوا به لما رووا عنه، بل صرَّح بعض الصحابة بشهادتهم له بلسان المقام، وعلاوةً على ذلك فقد نال شرف دعوة رسول الله ﷺ وشهادته له.

أرادوا النيل منه، لأنَّه أكثر الصحابة حفظاً لحديث رسول الله ﷺ، وهذا لا يروق لهم، لأنَّهم يعادون السُّنَّة؛ فحاربوها وحاربوا رواتها.

على أنَّنا لا ندَّعي بأنَّه معصوم، ولا ندَّعي أنّه لا يسهو ولا يُخطئ،، ولا ندَّعي أنَّ كلَّ حديثٍ رواه ثابت، فقد كذب الوضَّاعون على لسانه، لكنَّ ما يقع من هذا الأمور تتبّعها علماء الحديث بموضوعيَّةٍ ومنهجٍ علميٍّ فغربلوها، وأخرجوا صحيحها، وبيَّنوا ضعيفها ومعلولها.

الشُّبهة الأولى:

يقولون: إنَّ أبا هريرة شخصيةٌ خياليَّةٌ أسطوريّةٌ اصطُنعت كي ينسبوا إليها ما يريدونه من الحديث؛ والدَّليل على ذلك أنَّهم اختلفوا في اسمه. يجب علينا أن نفهم طبيعة الحياة في عهد الصحابة، فإنَّ الكُنى آنذاك كانت تغني عن الأسماء، وإنَّ الاختلاف في الاسم أمرٌ معهودٌ عند العرب. واذا نظرنا في تراجم كثيرٍ من الشخصيات الشهيرة، نجدها لا تُعرف إلا بألقابها، مثل أبي الدَّرداء فهو مشهورٌ بكنيته، مختلف في اسمه.

الشُّبهة الثَّانية:

ادّعوا أنَّ معاوية بن أبى سفيان كان يدفع المال لأبي هريرة؛ ليؤلف الأحاديث في فضل بني أمية، وكان أبو هريرة يتزلَّف لهم باختلاق الأحاديث حتى صار ثرياً!

إنَّ الصحابة أعظم وأجلُّ ممَّا يتصوَّرون، لقد عاشوا في عالم الطُّهر والنقاء، ولا يبيع أحدهم دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، وإنَّ أحدهم ليخرُّ من السماء أهون عليه من أن يكذب على رسول الله ﷺ وإنَّنا ننزِّه أبا هريرة عمَّا يقولون، فشتَّان بين الثرى والثريا، وإنَّ أبا هريرة كان عندما يحدِّث يبتدئ حديثه بقوله: قال رسول الله ﷺ الصادق المصدَّق: “من كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأ مقعده من النار” ثمَّ يروي ما سمعه.

وإنَّ ادعاءهم بأنَّه صار غنيَّاً من أموال الأمويين بتلفيق الأحاديث لصالحهم: فجوابه: إنَّ المال الذي حصل عليه أبو هريرة لم يكن في عهد بني أمية، وإنَّما من عهد عمر بن الخطاب ، فقد كان أبو هريرة والياً على البحرين قبل خلافة بني أمية، وإنَّه قد حصل على المال أثناء ولايته هناك، من خيل نتجت، وغلّة رقيق، وأعطيات أمير المؤمنين له.

وإنَّ ادعاءهم بأنَّه كان يتزلّف للأمويين:

فهناك حوادث عديدةٌ تدلُّ على أنَّ أبا هريرة لم يكن موافقاً لبني أمية، بل كان معارضاً لهم في بعض المواقف، منها ما أخرجه البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد, قال: أخبرني جدّي, قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النَّبيِّ ﷺ بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: “هلكة أمّتي على يدي غلمةٍ من قريش”

فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول: بني فلان، وبني فلان، لفعلت.

وجاء عن أبي هريرة، أنَّه قال: (في كيسي هذا حديث، لو حدَّثتُكُمُوه لرجمتموني، ثم قال: (اللهمَّ لا أبلغنَّ رأس الستين) قالوا: وما رأس السِّتّين؟ قال: (إمارة الصبيان…) ويقصد بذلك يزيد بن معاوية؛ لأنَّها كانت سنة ستّين للهجرة، وقد استجاب الله دعاءه فمات في السنة التاسعة والخمسين.

ثم إنَّه روى في فضائل علي بن أبي طالب، وفضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما مع شدّة الخلاف بين الأمويين وآل البيت آنذاك، فكيف يروي هذه الأحاديث متزلِّف!

الشُّبهة الثالثة:

ادَّعَوا أنَّ أبا هريرة سرق من أموال المسلمين عشرة آلاف درهم خلال إمارته على البحرين.

والجواب: إنَّ عمر بن الخطَّاب اتَّخذ ميزاناً دقيقاً في محاسبة من ولي أمور المسلمين، وكان يبدأ بنفسه، فيُحاسبها حساباً شديداً، وبمثل هذا الميزان كان يعامل الولاة، لأنَّه يعدُّ نفسه مسؤولاً عن كلِّ فردٍ من أفراد الرَّعية، ولم يكن سؤاله لأبي هريرة عن سرقة بالمعنى المعهود، وإنَّما كان عمر يأخذ بمبدأ سدِّ الذَّرائع مع الولاة، فيخشى أن ما يستفيده الوالي أو الأمير فيه شبهة، فيسأل عنه، ويدقِّق عليه، ولم يكن هذا الأمر مع أبي هريرة خاصَّةً، وإنّما مع جميع الولاة.

ومع هذا التشديد لم يثبت على أبي هريرة شيءٌ من ذلك، وإنَّما كانت الأموال التي حصل عليها من تجارة خيلٍ نتجت، وغلّة رقيق، كما ذكر محمد بن سيرين عن عمر قال لأبي هريرة: “مِن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟“، قال: “خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، وسهامي تلاحقت ” فقبضها منه، فنظروا فوجدوه كما قال,

فاعتزل أبو هريرة الولاية. ثم دعاه عمر ليعيده إلى الولاية، فأبى. قال أبو هريرة: فلمَّا صلَّيت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين. فلو كان ثمّة أدنى شكٍّ من عمر بن الخطاب في أمانة ابي هريرة، ما عرض عليه الولاية مرَّةً أخرى.

فمن كان على هذه الشاكلة، فهل يعقل أن يتجرَّأ على سرقة أموال العامة!

الشبهة الرابعة:

قولهم: إنَّ عمر بن الخطاب منع أبا هريرة من رواية الحديث عن رسول الله ﷺ وقال له: (لتتركن الحديث عن رسول الله أو لأُلحقنَّك بأرض دوس) ولو وثق بروايته وعلمه لما منعه.

فالجواب: إنَّ عمر منع أبا هريرة من رواية الحديث، ليس تكذيباً له، وإنَّما هذا مذهبه ورأيه، فكان يكره رواية الأفراد للعامَّة، خشيةً من الغلط في النقل أو الفهم، بأن توضع الأحاديث في غير مواضعها، وتؤخذ على غير مُرادها، فكان يرى أن يكون حديث رسول الله ﷺ محصوراً بين أهل الحلِّ والعقد، وصادراً عن اجتماع أهل العلم؛ لأنَّهم أعلم بتحقيق مناطه، ووضعه في مواضعه، ولهم درايةً بناسخه ومنسوخه، وهذا لا يعرفه العامَّة.

قال الذهبي: “كان عمر يقول: أقلُّوا الحديث عن رسول الله ﷺ, وزجر غير واحدٍ من الصحابة عن بثِّ الحديث، وهذا مذهب لعمر وغيره”.

فنَهيُ عمر لأبي هريرة عن الرِّواية ليس اتّهاماً له، وإلّا كيف يوليه إمارة البحرين، فهو أشدُّ الخلفاء في التحرِّي عن أحوال الولاة، والتنقيب عن دينهم وسلوكهم، فهل يعقل أن يولّي رجلاً على الإمارة وهو متَّهم بالكذب على رسول الله ﷺ, وهذا من أكبر الكبائر!

الشبهة الخامسة:

وقالوا : لو لم يكن كاذباً لما كان أكثرَ الصحابة روايةً للحديث، فهل يعقل أنَّ يصحب النَّبيَّ ثلاث سنين أو أقلّ ثمَّ يروي من الأحاديث أكثر ممَّا يرويه كبار الصحابة كأبي بكرٍ وعمر؟ فالجواب:

إنَّ كبار الصحابة  لم يُكثروا من رواية الحديث، ليس بسبب عدم حفظهم له، أو عدم سماعهم من النَّبيِّ ﷺ وإنَّما لم يكونوا يكثرون من الرِّواية عن النَّبيِّ ﷺ تهيُّباً وإعظاماً للسُّنَّة النَّبويَّة، حتى لا يستخفَّ العامَّة بروايتها، فيزيدوا وينقصوا ويغيِّروا.

أمَّا أبو هريرة فقد كانت أغلب روايته عن النَّبيِّ ﷺ على سبيل الفتوى، فقد عاش طويلا ًبعد وفاة النَّبيِّ ﷺ وكان طلبة العلم والمستفتون يجتمعون به، فكان يحدِّث النَّاس في المدينة المنورة ومكَّة المكرَّمة، كما حدَّث في دمشق، وحفظ عن أهلها، وحدَّث في العراق والبحرين، وكان يحدِّث حيثما حلَّ، ويُفتي الناس بما سمع من رسول الله ﷺ.

وجعل بيته معهداً يتردَّد إليه الناس، ليسمعوا حديث النَّبيِّ ﷺ.

وبعد وفاة الرَّسول ﷺ كان يطلب الحديث من الصحابة، فكثيراً ما يسألهم ويسألونه، حتى أنَّه كان يأتي إلى كلِّ من يظن أنَّ عنده بعض العلم ويسأله.

إضافةً إلى ذلك فقد كان جريئاً في سؤال النَّبيِّ ﷺ وطلب الحديث منه.

قال أبيُّ بن كعب: ( كان أبو هريرة جريئاً على أن يسأل رسول الله ﷺ عن أشياء لا يسأله عنها غيره).

الشبهة السادسة:

قالوا: إنَّ عائشة اتَّهمته لأنَّه كان يكثر من الحديث.

 والجواب: إنَّ عائشة رضي الله عنها نهته عن الإكثار من الحديث؛ لكنَّها لم تتَّهمه، فعندما قالت له: أكثرت الحديث، قال: (إنِّي والله ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب -أي عن رسول الله ﷺ- ولكنِّي أرى ذلك شغلك عما استكثرتُ من حديثي)، قالت: (لعلّه).

ولتثبّته ممَّا يرويه فقد كان يجلس إلى حجرة عائشة رضي الله عنها، وهو يريد أن يُسمعها ما يحدِّث عن النَّبيِّ ﷺ، ولو لم يكن صادقاً من روايته لتخفَّى، وابتعد عن الأنظار، لا سيَّما أنَّ عائشة رضي الله عنها من أعلم الناس بحديث رسول الله ﷺ, فلو لم يكن متثبِّتاً من الرِّواية لما اجترأ أن يروي عن النَّبيِّ ﷺ تحت سماعها، فكانت رضي الله عنها تصدّقه؛ لكنَّها لا توافقه بالإكثار من سرد الحديث.

لقد تفرَّغ أبو هريرة لملازمة رسول الله ﷺ وخدمته، يدور معه حيث دار، ويكثر السؤال، ويحرص على العلم، ولم يشتغل بالدنيا، فحفظ مالم يحفظ غيره، ثم إنَّ رسول الله ﷺ دعا له بالحفظ، فحفظ ولم ينس، وكانت تلك حجَّته على من ينهاه عن كثرة الرواية، قال الأعرج: سمعت أبا هريرة يقول:

(إنَّكم تزعمون أنَّ أبا هريرة، يكثر الحديث عن رسول اللهوالله الْمَوعد، كنت رجلا مسكينا، أخدم رسول الله ﷺ على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فقال رسول الله ﷺ:《من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه منّي》فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثمّ ضممته إليّ، فما نسيت شيئاً سمعته منه).

ولو لم يكن موضع ثقةٍ من الصحابة والتابعين، لما روى عنه ما يربو على ثمانمئة رجل.

وقد صرّح بعض الصحابة بتزكيتهم له، وأقروا بأنَّه سمع من النَّبيِّ ﷺ ما لم يسمعوا؛ لانشغالهم في معايشهم، قال عمر : (أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله ﷺ وأعلمنا بحديثه)

وإذا استخدمنا لغة الأرقام سنجد المفاجأة بأنّ ما اشتهر من كثرة رواية أبي هريرة للحديث أغلبها مكرّر، أو لها شواهد من رواية غيره من الصحابة، وأنّ ما انفرد به من الرِّوايات لا يتجاوز عشرة أحاديث في الكتب الستة، وأثنين وأربعين حديثاً في الكتب التسعة.

كتب الشيخ محمَّد عبده يمانيّ مقالةً بعنوان: (أبو هريرة: أمانة الرّواية وصدقها) قال فيها:

(وعندما قمت بنفسي بالتحقُق من هذه المسألة، بواسطة فريق مختصٍّ في الحاسب الآلي، ظهرت لنا حقائق مهمّة عن روايات أبي هريرة، فعندما تتبّعنا رواياته، وجدنا أنّ هناك ما يزيد عن ثمانمئة صحابيٍّ وتابعيٍّ رووا عنه الحديث، وكلُّهم ثقاتٌ، لكنَّ القضيَّة الأساسيَّة التي أفادتنا عند استخدام الحاسب الآلي هي: أنَّه عندما أُدخِلت هذه الأحاديث المرويَّة في كتب الحديث الستَّة، وجدنا أنَّ أحاديثْ أبي هريرة بلغت (٥٣٧٤) ثمَّ وجدنا بعد الدراسة بواسطة الكومبيوتر أنَّ المكرر منها هو: (٤.٧٤)  وعلى هذا يبقى العدد غير المكرر (١٣٠٠) وهذا العدد تتبّعناه، فوجدنا أنَّ العديد من الصحابة قد رووا نفس هذه الاحاديث من غير طريق أبي هريرة، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ اخرى، وبعد أن قمنا بحذف الأحاديث التي رُويت من غير طريق أبي هريرة في كتب الصحاح الستة، وجدنا أنَّ ما انفرد به أبو هريرة ولم يروه أيُّ صحابيٍّ آخر هو أقلّ من عشرة أحاديث.

ثمَّ شاء الله أن نطوّر العمل في أحاديث أبي هريرة، فانتقلنا من الكتب الستة إلى الكتب التسعة، وقد لاحظنا أنَّ الاحاديث في الكتب التِّسعة المنسوبة إلى أبي هريرة هي (٨٩٦٠) حديثاً، منها: (٨٥١٠) بسندٍ متَّصلٍ و(٤٥٠) حديثاً بسند منقطع، وبعد التَّدقيق، انتهينا إلى أنَّ الأحاديث التي رواها أبو هريرة في كلِّ هذه الكتب التسعة، بعد حذف المكرر، هي (١٤٧٥) حديثاً، وقد اشتركَ في روايتها معه عدد من الصحابة.

وعندما حذفت الأحاديث التي رُويت عن طريق صحابةٍ آخرين، وصلنا إلى حقيقةٍ مهمَّةٍ وهي أنَّ ما أتى به أبو هريرة مع المكرَّرات في كتب الحديث التسعة هي: (٢٥٣) حديثاً، ثمَّ إنَّ الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة بدون تكرارٍ، ولم يروها أحدٌ غيره في الكتب التسعة هي: (٤٢) حديثاً، وما زلنا نواصل البحث، لكنَّ هذه الأمور، وهذه الحقائق، أزالت كلَّ تلك الشُّبَه والتُّهم العقيمة والمغرضة التي كانت تُلصق بأبي هريرة، ويتَّهمونه فيها بالإكثار، ويقولون عنه إنَّه روى: (٨٠٠٠) حديثٍ بمفرده…

وبعضهم يقول إنَّه روى (٥٠٠٠) حديثاً بمفرده هكذا دون رويَّةٍ أو تدقيق أو تمحيص.

فيكون بهذا: إنَّ أبا هريرة انفرد  ب(١٠) رواياتٍ فقط من كلِّ تلك المرويات التي استكثروها، وإذا جمعنا المرويَّات التي نُسبت إليه في الكتب التسعة نجد أنَّه انفرد ب(٤٢) حديثاً من أصل: (٨٩٦٠).

وإذا نظرنا إلى هذه الأحاديث التي انفرد بها، فسنجدها داخلةً تحت أصولٍ عامّةٍ من أصول الشريعة الثابتة، ولم يفتر سيِّدنا أبو هريرة على الدِّين حرفاً واحداً، وقد تفرّد بألفاظ بعض الروايات لكنَّه لم يتفرّد بمعانيها وفحواها.

للباحثين عن إشكاليات أحاديث البخاري….دعونا نخبركم بهذا

للباحثين عن إشكاليات البخاري
للباحثين عن إشكاليات البخاري

للباحثين عن إشكاليات أحاديث البخاري....دعونا نخبركم بهذا

Loading

ما ادخلت في كتابي الجامع إلا ما صحَّ وتركت من الصحاح لحال الطول [ الإمام البخاريّ ]

الدَّعوى الأولى:

بعد كلِّ هذه الدِّقَّة والمنهجيَّة العلمية التي رأيناها في صنيع المحدِّثين، وعلى رأسهم الإمام البخاري، يّدعي المشكّكون أنَّ في صحيح البخاري أحاديث وضعها الزَّنادقة!

وقد نشأ هذا التَّشكيك من خلال التَّصوُّر الدَّالّ على الجهل المطبق، وكأنّ صحيح البخاري كتابٌ منقطعٌ عن سلسلة الأحاديث النبويّة، ولا علاقة له بكتب الحديث التي سبقته، وأنَّ البخاري كان يجمع الأحاديث كحاطب ليل، فيروي عن الكذَّابين والزَّنادقة دون أن يتنبَّه لذلك!

وإنَّ مثل هذه السذاجة لا تستحقُّ الردَّ والنقاش، ولكن لابدَّ من تلقيح العقول من هذه الشبهات، وبيان الحقيقة لمن يتحرَّى الصواب ويطلب الحقّ.

فلنذكّر بمصادر الإمام البخاري مرةً أخرى؛ ليعلمَ القارئ بأنَّ الإمام لم يأت بشيءٍ من عنده، وإنَّما الأحاديث التي أخرجها في صحيحه موجودةٌ كلُّها في كتب الحديث الأخرى، التي رويت بالسَّند المتَّصل إلى النَّبيِّ ﷺ، ككتب الإمام الزُّهري، وابن جريج، والأوزاعي، ومعمر، والإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، ومصنَّف عبد الرَّزاق، ومسند ابن أبي شيبة، وغيرها من الأمَّهات، أو الأجزاء الحديثيَّة الأخرى التي كانت قبل صحيح البخاري، أمَّا جهود الإمام فكانت تتمثَّل بأنَّه تلقَّى الحديث عن شيوخه بالسَّند المتَّصل إلى النَّبيِّ ﷺ، ثمَّ صنَّف (الجامع الصحيح) واشترط فيه الصّحّة، فانتقى بعض الأحاديث الصحيحة ودوَّنها في هذا الكتاب، وإنَّ جُلَّ الأحاديث التي أوردها فيه لها طرقٌ عديدةٌ من شواهد أو متابعات.

وقد قال الإمام: (ما ادخلت في كتابي الجامع إلا ما صحَّ وتركت من الصحاح لحال الطول)

 وقد فاق الإمام البخاري أقرانه في ذلك، فاشترط أعلى شروط الصّحّة، وكان يدع آلاف الأحاديث من الرّاوي لعدم الاطمئنان إليه.

قال محمّد بن أبي حاتم: (سئل محمّد بن إسماعيل عن خبر حديث، فقال: يا أبا فلان أتراني أُدَلِّس؟ تركتُ عشرة آلاف حديثٍ لرجلٍ فيه نظر، وتركتُ مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر).

فما أخرجه في صحيحه وأثبته إلى رسول الله ﷺ كان أصحَّ الصَّحيح، وإنَّ الإمام -رحمه الله– جعل كتابه الصَّحيح حجَّةً له بين يدي الله تعالى، لثقته بصحَّته فقال: (صنّفت كتابي الصَّحيح لست عشرة سنة، خرَّجته من ستّمئة ألف حديثٍ، وجعلته حجّة فيما بيني وبين الله تعالى)

ومن ثمَّ نجد الهجمة المقصودة على صحيح البخاري بالذَّات؛ لأنَّه الصَّحيح من حديث النَّبيِّ ﷺ، وإنَّ أعداء السُّنَّة إنَّما يصوِّبون أهدافهم إلى الأحاديث الصحيحة لا إلى الضعيفة.

وإنَّ من يطعن في صحيح البخاري ويشكِّك فيه ويدَّعي أنَّ فيه أحاديث مكذوبة فإمَّا أن يكون جاهلاً وعليه أن يتعلَّم من أهل الاختصاص.

أو أن يكون مُغرضاً يريد أن يهدم الإسلام بدعوى الحرص على أحاديث رسول الله ﷺ، وعلى الدِّين، ومن ثمَّ فإنَّ هذا القدح لا وزن له لأنَّ الخوض في مثل هذه المواضيع يجب أن يكون مبنيّاً على منهجيَّةٍ علميَّةٍ لا عن هوى.

وأين ذلك القادح من مُحدِّثي الأمَّة وهم أعلم النَّاس بهذا الفنِّ وأغْيَرُهم على دينهم، فقد أفنوا حياتهم في حفظ حديث رسول الله ﷺ، بحثاً وشرحاً، وتتبُّعاً، وسبراً، وبذلوا للسُّنَّة النَّبويَّة كلَّ غالٍ ونفيسٍ، ومع هذا الحرص الشَّديد لم نجد منهم هذا العويل وهذا التَّباكي على الحديث، والقدح بصحيح البخاري، بل اتَّفقوا جميعاً على صحَّة أصل كتاب الإمام البخاري دون منازعٍ، وكفى بأولئك الأئمَّة وحفَّاظ الأمَّة شهادةً مزكَّاةً.

ويطرح بعضهم الشُّبهة بطريقةٍ أخرى فيقول: الأحاديث المكذوبة ليست من صنيع البخاري وإنَّما ألصقها الزَّنادقة بالجامع الصحيح بعد وفاة البخاريّ, والدَّليل على ذلك فقدان النّسخة التي خطّها البخاريُّ بيده.

الجواب: لقد أحكم علماء الحديث كتب السُّنَّة إحكاماً تامَّاً لا سيَّما صحيح البخاريّ فقد لقي عنايةً منقطعة النّظير, ولم يقبلوا النّسخة من كتاب الحديث مالم تُقابل بنسخٍ أخرى.

ومن المعلوم أنَّ كتاب: (الصحيح الجامع) رواه جمعٌ عظيمٌ عن الإمام البخاريّ نفسه سماعاً وإجازةً ومناولةً.

قال تلميذه الفربري: (سمع كتاب الصحيح لمحمَّد بن إسماعيل سبعون ألف رجل) وفي روايةٍ: (تسعون ألف رجل).

وقد قرأه في كلِّ طبقةٍ عشرات الآلاف من المحدِّثين على شيوخهم حتَّى يومنا هذا، فكانوا يقرؤون هذا الكتاب ويقابلون نسخهم على نسخ من يقرؤون عليهم حتّى وصل إلينا بالسّند المستفيض من عدّة طرقٍ إلى الإمام البخاريّ جيلاً بعد جيلٍ حتَّى يومنا هذا.

وأشهر روايات صحيح البخاريّ هي:

١-رواية ابي ذرّ عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عبد الله الهرويّ الحافظ.

٢-رواية ابن السّكن: أبو عليّ سعيد بن عثمان الحافظ.

٣-رواية الأصيليّ: أبو محمّد عبد الله بن إبراهيم الأصيليّ.

٤-رواية النَّسفيّ: أبو إسحاق بن معقل النّسفيّ.

والرّوايات الثّلاث الأولى كلُّها عن طريق الفربري, وهو أشهر تلاميذ البخاريّ الذي قرأ عليه الصحيح.

أمّا الرّواية الرّابعة فهي للنّسفيّ نفسه عن طريق البخاريّ، فقد سمع بعضه وأجاز له من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب.

ومن أشهر مخطوطات الكتاب التي وصلتنا في العصر الحديث:

نسخة الحافظ أبي عليّ الصّدفي (ت٥١٤) التي كتبها من نسخةٍ بخطّ محمّد بن عليّ بن محمود مقروءةٌ على أبي ذرّ الهرويّ رحمه الله.

وهناك نسخةٌ خطيَّةٌ لتلميذه كُتبت عام (٣٧٠ ه)، برواية المروزيّ عن الفربري نفسه الذي قرأها على الإمام البخاريّ.

وممّن كانت له جهودٌ في ذلك: الحافظ شرف الدِّين عليّ بن محمّد بن عبد الله اليونيني، جهبذ زمانه، وحافظ أوانه، فقد قام بضبط رواية البخاريّ، وقابل أصله بأصلٍ مسموعٍ على الحافظ أبي محمّد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي وبأصل أبي القاسم ابن عساكر وبأصلٍ مسموعٍ على أبي الوقت.

فلا يمكن لذي منهجيّةٍ علميّةٍ أن يشكّك بأنّ الطريقة التي نُقل فيها صحيح البخاريّ هي أقوى طرق النقل وإنَّ الجامع الصحيح وصلنا عن طريقٍ قطعيٍّ يقينيّ.

وعندما نشأت المطابع أصدر السُّلطان عبد الحميد الثاني أمره بطبع صحيح البخاريّ سنة ١٣١١ ه، على أن يعتمد تصحيحه على النسخة اليونينية -المعوّل عليها عند المتأخّرين في جميع رواياته- وعلى نسخٍ أخرى عرفت بالصّحّة واشتهرت بالضّبط.

وقد قوبلت هذه النسخة المعتمدة برواياتٍ كثيرةٍ لصحيح البخاري قبل صدور الطَّبعة.

وقد أعاد طباعة النُّسخة (السُّلطانيَّة) الشيخ أحمد شاكر، وكتب مقدّمةً عرَّف بها النسخة اليونينية وما فيها من مزايا، وعرَّف بالحافظ اليونيني الذي اشتهرت النسخة بنسبتها إليه.

أمّا الأخطاء التي وقعت في نسخ البخاريّ الأخرى فهي طفيفةٌ وأكثرها مكرّرٌ ومعظمها -إن لم يكن كلّها- راجعٌ إلى اختلافاتٍ في الشكل أو الرّسم الذي اتبع في رسم المصحف، أو في تسهيل بعض الهمزات أو قطعها ووصلها، أو في بعض أسماءٍ اختُلِف في ضبطها أو صرفها، أو في بعض أرقام الصفحات المطبوعة وهذا مما لا يخلو منه كتاب.

والخلاصة: إنَّ صحيح البخاري قُرئ عشرات آلاف المرَّات قبل طباعته، وقوبلت نُسَخُهُ ببعضها، ولقي عنايةً من العلماء، فصحّحوه وضبطوه.

وعند طباعته روعيت فيه ضوابط البحث العلمي فقوبلت بطبعاتٍ عديدةٍ، وألّفت لجنةٌ من كبار العلماء لتحقيقه وتدقيقه، والتَّثبُّت من سلامته وصحَّته تحت إشراف شيخ الأزهر آنذاك فكانوا يتابعون الفروق بين النُّسخ على حرفٍ واحدٍ, فمن أين يُخترق هذا الكتاب، وقد حُصِّن بالتَّحقيق والعناية التي لا نظير لها!

الدَّعوى الثَّالثة:

يطرح الْمُتمارون إشكالاً يُجافي الحقيقة العلميّة فيقولون: إنَّ الحديث الشَّريف ظنّيٌّ وليس قطعياً لأنَّ الذين نقلوه بشرٌ غير معصومين ولا يبتعد عنهم الخطأ والسَّهو، وما جاز عليه الخطأ لا يحتجُّ به، والجواب:

 إنَّ هذا الإشكال يدلُّ على انزواء الفكر عن الواقع وبعده عن المنهجيَّة العلميَّة، فالظَّنِّية حكمٌ عقليٌّ لا واقعيّ أي لا علاقة للظنِّ العقليّ بعدم الصّحّة.

وإليك مثالاً يُوضح ذلك:

إذا نقل رجلٌ ثقة خبراً وهو صادق فيه فإنَّ الخبر يكون ظنِّياً وليس قطعيَّاً لأنَّ الخطأ يجوز عليه.

فالحكم العقليُّ يقول: هو خبرٌ ظنِّي لأنَّ الذي نقله رجلٌ واحدٌ ويجوز عليه الخطأ، والواقع يقول: إنَّ الخبر صادقٌ مئةً بالمئة، ومن ثمّ نجد أنَّ الصّحّة والضّعف يحكم عليهما الواقع، لا علاقة لهما بالتجويز العقليّ.

لذا نجد رسول الله ﷺ كان يبعث رجلاً أو رجلين إلى الأمراء أو الأقوام ويُلزِمهم بالحجّة؛ لأنَّ نقل الرَّجل الصادق للخبر وإن كان ظنِّيَّاً عقلاً إلَّا أنَّه صحيحٌ شرعاً وتقوم عليه الحجَّة.

وإنَّ أكثر العلوم النّظرية ظنّيّةٌ لا قطعية، ولو أخذنا بهذه الشُّبهة لما تعلَّم أحدٌ علماً نظريّاً ولا سعى إليه أحدٌ لنيل مصلحةٍ دنيويّة لا أخرويّة، لأنَّ جلَّ المصالح ظنّيّة الوقوع، ولا يُنكِر العمل بالظّنّ إلا جاهل.

قال الإمام العزُّ بن عبد السلام: (لا يجوز تعطيل هذه المصالح الغالبة الوقوع خوفاً من ندور وكذب الظّنون، ولا يفعل ذلك إلّا الجاهلون).

ومن ثمَّ فإنَّ الله تعالى قَبِلَ من عباده غلبة الظَّنِّ في علومهم وأمور دينهم ودنياهم وعبادتهم، بشرط بذل الجهد وإفراغ الوسع في أخذ الأسباب وطلب الكمال.

فإذا قام المكلَّف بواجبه على أكمل وجهٍ فقد برئت ذمَّته أمام الله تعالى، وهذا ما فعله الإمام البخاريّ في إخراج أصحّ الصّحيح من الحديث الشّريف.

ولنذهب إلى ما هو أبعد من ذلك:

فلو افترضنا أنَّ أحد أئمَّة الحديث أخرج حديثاً صحيحاً حسب الظاهر لِورودهِ عن طريق الثّقات العدول، وحَكم عليه أهل الاختصاص بالصّحّة والقبول حسب منهجيّة الجرح والتّعديل وعلم الحديث، وهو في الحقيقة لم يقله النَّبيّ ﷺ، لزم العمل به ومن يأخذ به يثاب ومن يردُّه بقصد مخالفة أمر رسول الله ﷺ يأثم، وبالمقابل لو ورد حديثٌ عن طريق الكذَّابين والواهين، أو كانت فيه علَّةٌ قادحةٌ وردَّه علماء الحديث لعدم تحقيقه لشروط الصّحّة، وكان هذا الحديث المردود في الحقيقة قد قاله النَّبيُّ ﷺ ولكن لم يروِه إلَّا الضعفاء والمتروكون فإنَّ العمل به غير لازمٍ بل لا يجوز.

وهذا لا يمكن وقوعه، ولكن لبيان أنَّ التّكليف مبنيٌّ على الظَّاهر، وإنَّ الله تعالى لم يكلِّف عباده أن يصلوا إلى الحقائق الخفيَّة، فمتى كان الرُّواة مُنصفين، ومتى جاوز شروط الصّحة وجب طرحه.

قال الإمام الكمال بن الهمام: (فالعمل بالظَّنِّي واجبٌ قطعاً في الفروع).

وهذا لا خلاف فيه عند أهل الحقّ.

ويلزم العمل بالحديث الشريف مادام الرّواة الذين نقلوه ثقات، أي متَّصفين بالعدالة والضّبط، وحينئذٍ يكون حجَّةً.

ومن ثمَّ يرد الكلام على المعترضين أنفسهم فيقال لهم:

أيّهما أولى: أن نأخذ بقول الأئمّة العلماء الذين بذلوا أعمارهم في دراسة الحديث الشّريف، مع قربهم من عهد النُّبوّة ومعرفتهم بالرّجال الذين رووه، وملاقاتهم، ومعرفة أحوالهم، وتمكُّنهم من هذا العلم -وإن جاز عليهم الخطأ والوهم بنسبةٍ ضئيلةٍ- أم ممّن جاء بعد اثني عشر قرناً، وليس لهم صلةٌ بهذا العلم أبداً، وإنّما كان انتقادهم إنشائيَّاً من وهمٍ وخيالٍ وتكرارٍ لأقوال المستشرقين الحاقدين؟

فأيّهما نقدّم: غلبة الظَّنِّ أم الوهم الذي يطرحه المشككون!

الدّعوى الخامسة:

زعموا أن الإمام البخاري لا يجيد العربية لأنَّه أعجمي، ومن ثمّ فلا يمكن أن يحفظَ الحديث الشريف ويصنِّفَ فيه.

الإمام البخاري من بخارى على نهر جيحون من بلاد ما وراء النّهر، وقد وصلها الإسلام باكراً، فقد فُتحت عام (٦١ه) ودخل أهلها في الإسلام وأحبُّوا هذا الدِّين وتمسَّكوا به، وشاع فيها العلم وانتشر سريعاً، ونبغ فيها كثيرٌ من الأئمَّة، فكانت اللغة العربية جزءاً من حياتهم؛ لأنَّها لغة الدِّين والوحي.

وفي هذه البيئة نشأ الإمام البخاري رضي الله عنه في مجتمعٍ مسلم يتكلَّم باللغة العربية في بيت علمٍ وصلاحٍ، بل كان أبوه مُحدِّثاً أيضاً كما ترجم له الإمام البخاري، وقد روى عنه العراقيون، قال ابن حبّان:

(إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو الحسن: يروي عن مالك وحمّاد بن زيد، روى عنه العراقيون)

فتح الإمام البخاري عينيه على كتاب الله وسنة رسوله، فدخل الكتّاب منذ نعومة أظافره، وتعلَّم اللغة العربية وأخذ في حفظ القرآن الكريم، وأمَّهات الكتب المعروفة في زمانه حتّى بلغ العاشرة من عمره ثمَّ بدأ بحفظ الحديث والاختلاف إلى الشيوخ والعلماء، وملازمة حلقات الدروس.

واذا نظرنا في علماء العربية أنفسهم نجد أنَّ أساطينها من الفُرس، فمصدّر قواعد النَّحو العربي هو كتاب سيبويه الفارسيّ الأصل، وقد فاق أهل زمانه بعلوم اللغة العربية، ومثله الفارسي والزَّجاج وغيرهم.

وقد شهد للإمام البخاريّ أهل عصره بالذّكاء، والهمَّة العالية في تعلُّم العلوم، وسرعة الحفظ والدّقة والاتقان حتّى بلغ مرتبة الاجتهاد، قال عنه ابن حجر: (كتابه الجامع يشهد له بالتّقدم في استنباط المسائل الدّقيقة، وبالاطلاع على اللغة والتوسُّع في ذلك، وبإتقان العربيّة والصرف وبما يعجز عنه الواصف، ومن تأمَّل في اختياراته الفقهية في جامعه علم أنَّه كان مجتهداً)

ويظنُّ المشكِّكون أنَّهم قد وقعوا على أمرٍ عظيمٍ فيستشهدون بقول صالح بن محمّد الأسديّ فينقلون قوله عن البخاريّ: (ما رأيت خرسانيّاً أفهم منه، لولا عيٌّ في لسانه)!

إن العيّ والحبسة باللسان لا علاقة لها بفهم اللغة العربية ومعرفة اصولها، فقد أثنى القائل على الإمام البخاري وذكر أنَّه تميَّز بالفهم، وهل اللغة العربية إلّا وسيلةٌ لفهم النُّصوص؟

وقد وجدت هذه الحُبسة في النطق عند كبار أئمّة النحو والبيان، فما عُدَّ ذلك منقصةً فيهم، كإمام النَّحو سيبويه، والمبرّد، وشيخ شيوخ عصره صفيِّ الدّين الهندي، وأمير الشعراء أحمد شوقي وغيرهم.

بعد ١٤٠٠سنة…كيف وصلتنا الأحاديث النبوية؟

بعد 1400 سنة
بعد 1400 سنة

بعد ١٤٠٠ سنة... كيف وصلتنا الأحاديث النبوية؟

Loading

مهما حاول أهل الباطل أن يضعوا الأحاديث كذباً على رسول الله , فستبطل أهواؤهم أمام الأمانة والإتقان الذي اعتمده أهل الحديث في النقل

إنَّ من أهمِّ ما يجب معرفته فيما يخصُّ الحديث النّبويّ: المبادئ المهمَّة في فهم مراحل نشأة علم الحديث ومصطلحه, وتطوُّر هذا العلم ومراحل تدوينه, فأكثر المنتقدين ليسوا على معرفة بالإمام البخاري ومنهجه في الجمع والتصحيح.

المقدمة الأولى:  مراحل انتقال الحديث النبوي من عصر النُّبوَّة إلى العصر الحاضر:
المرحلة الأولى: تلقِّي الصحابة عن رسول الله :
كانت أُولى مراحل انتقال الحديث النبوي من خلال الصحابة رضوان الله عليهم سماعاً من لفظه الشريف وحفظاً في صدورهم, ساعدَ في ذلك روعة بيان النَّبيِّ , وتنوّع أساليبه التّعليميَّة والتَّربويَّة, وصدق محبَّتهم له وحرصهم على اتِّباعه, وكان اهتمامه عليه الصّلاة والسّلام جلياً من خلال حَثِّه على حفظ الحديث, ومن ذلك قوله ﷺ  فيما أخرجه الترمذي: “نَضَّرَ اللهُ امرؤاً سمع منَّا حديثاً فحفظه حتى يبلِّغه“.

  • المرحلة الثانية: الحديث النَّبويُّ في القرن الأوَّل الهجريّ (ما قبل التَّدوين الرّسميّ):

انتقل كثيرٌ من الأحكام الشرعيّة بالتّواتر العمليّ مما أخذه الصحابة عن النَّبيِّ ونقلوه إلى تابعيهم وهكذا جيلاً بعد جيل, وذلك كألفاظ الصلاة وغيرها, وأّخَذَت هذه الطريقة في النقل درجة القطعيَّة في أحكام النقل.

وكما تلقَّى التَّابعون عن الصحابة الأفعال تلقَّوا كذلك حديث النَّبيِّ  القوليّ, وذلك بعد تفرّق الصحابة  بين الأمصار, وكان الحفظ عند العرب آنذاك أقوى من الكتابة وأبلَغ, وبذلك كان الأصل في نقل الحديث هو الحفظ مع الضبط والإتقان.

وكانت الكتابة موجودةً على قلَّةٍ, وإن لم تكن مشروعاً متكاملاً, فقد كتبت العديد من الصحف والكتب المتفرِّقة في عهد النَّبيِّ  وصحابته الكرام, منها رسائله  إلى ملوك الأمصار يدعوهم فيها إلى الإسلام, وما كتب من صحائف من قِبَل بعض الصحابة, ثمّ كانت كتابة التابعين ومَن بعدَهم كثيرةً, وكانت المرتكز الأوّل للمصنّفين مِن بعدِهم.

  • المرحلة الثالثة: مرحلة التّدوين الرسميّ إلى نهاية القرن الثاني الهجريّ:

عُدَّت جهود الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (101هـ) الانطلاقة الواسعة في ابتداء التدوين برعاية الدَّولة الإسلامية, حيث أصدرَ أوامره إلى عمَّاله على الأمصار بكتابة الأحاديث مع التحرِّي والتثبُّت.

وكان الزهريُّ (124ه) من طلائع المُدوِّنين وأبرز المبادرين بعد أمر الخليفة, وتتابعَ العلماء بعده على التَّصنيف, ولم يكن التدوين حينئذٍ مرتَّباً أو منقَّحاً من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين كما حصل بعدهم, ولكن بدأ الاعتناء يظهر بعد ذلك بالترتيب والتبويب في القرن الثاني الهجري, وشاعَ التصنيف في الأمصار ووصلَنا الكثير منهم, وكانت طريقتهم في التدوين تتضمَّن جمع أحاديثِ كلِّ بابٍ لوحده, ثمَّ جعلها في مصنَّف.

  • المرحلة الرابعة: التَّصنيف في القرن الثالث (عصر السُّنَّة الذَّهبي) وفي القرن الرابع:

ومع لمعان القرن الثالث تجلَّى الحديث الشريف بإفراده بالتصنيف دونَ غيره من أقوال الصحابة والتابعين, فأُلِّفَت الصحاح وهي الكتب المختصَّة بجمع الأحاديث الصحيحة الثابتة كصحيح الإمام البخاري (256ه), والمسانيد التي تجمع الأحاديث مرتَّبةً حسب رواتها من الصحابة: كَمُسند أبي داوود الطّيالسيّ (204ه), والسُّنن التي يغلب عليها العناية بأحاديث الأحكام كسُنن الترمذي (279ه).

وبهذا الاستعراض يتبيَّن أنَّ سلسلة تدوين الحديث لم تنقطع, بل مرَّت بمراحل منتظمةٍ وأطوارٍ متلاحقة, وبذلك تفرَّدَ المسلمون بهذا الإبداع دوناً عن غيرهم من الأمم.

  • المرحلة الخامسة: نسخ ورواية كتب الحديث بعد انتهاء مراحل التدوين:

توجَّهت عناية العلماء بعد التدوين إلى كيفيّة المحافظة على هذه الكتب وانتقالها من جيلٍ إلى جيل دون تحريفٍ أو تزوير, فوضع العلماء قواعد للرِّواية السّليمة والسماع والإجازة بهذه الكتب, فاهتمُّوا بنسخ الكتب والإشراف المتقن عليها, وأن يُحمل الكتاب عن مؤلِّفه بطريقةٍ مُعتبرةٍ من طرق التحمُّل, وأهُّمها السماع منه أو القراءة عليه, وبذلك يُضمن عدم التصحيف.

  • المرحلة السادسة: انتقال كتب الحديث من عالم المخطوطات إلى عالم المطبوعات:

عندما ظهرت الطباعة في العصر الحديث قام العلماء بنشر الكتب في مختلف العلوم, وكان لعلم الحديث نصيبٌ كبيرٌ, فوضعوا قواعد في ضبط الكتاب ومقابلته واشترطوا الاعتماد على عدَّة أصولٍ خطيَّةٍ متقنة.

وبعد هذا الاستعراض يتبيَّن أنَّ سلسلة تدوين الحديث لم تنقطع, بل مرَّت بمراحل منتظمةٍ وأطوارٍ متلاحقةٍ, وبذلك تفرَّدَ المسلمون بهذا الإبداع دوناً عن غيرهم من الأمم.

ومهما حاول أهل الباطل أن يضعوا الأحاديث كذباً على رسول الله , فستبطل أهواؤهم أمام الأمانة والإتقان الذي اعتمده أهل الحديث في النقل بعيداً عن الأهواء والفتن, ضمن حفظ الله تعالى ورعايته.