سم ينتشر في مجتمعاتنا
“إنَّ التخلُّف الذى يعاني منه المسلمون اليوم ليس سببه الإسلام، وإنَّما هو عقوبةٌ مستحقّةٌ من الإسلام على المسلمين لتخلِّيهم عنه لا لتمسُّكهم به كما يظنُّ بعض الجاهلين“
غالباً ما نجد المنتقدين للإسلام يرمونه بتهمٍ عديدةٍ، ممَّا يؤدِّي إلى زرع الشّكِّ في نفوس الغربيين، وحتَّى في نفوس بعض المسلمين. وكان ممَّا يدَّعونه أنَّ الإسلام هو السبب في تخلُّف الأمَّة الإسلامية اليوم، فما الردُّ المناسب على من يقول مثل هذه الأقاويل؟!!
أولا: يبيِّن التاريخ أنَّ الإسلام قد استطاع بعد فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ من ظهوره أن يؤسِّس لحضارةٍ عظيمةٍ، كانت من أطول الحضارات عمراً في التاريخ، ولا تزال الشواهد على ذلك ماثلةً للعيان فيما ورَّثه المسلمون من علمٍ غزيرٍ في شتَّى مجالات العلوم والفنون، ناهيك عن ضمِّ مكتبات العالم آلافاً من المخطوطات العربية والإسلامية، التي تبرهن على عِظَم ما وصل إليه المسلمون من حضارةٍ، يضاف إلى ذلك الآثارُ المنتشرة في العالم والتي تشهد على بديع صنع المسلمين، وإنّ ما تبقَّى من معالم حضارتهم في الأندلس خيرُ شاهدٍ على ذلك، وقد قامت في أوروبا حركة ترجمةٍ كبيرةٍ لعلوم المسلمين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وكان ذلك هو الأساس الذي بنت عليه أوروبا حضارتها الحديثة، وهذا أمرٌ ثابتٌ في تاريخ العلوم والحضارات.
ثانيا: لقد منح الإسلام العلم والعلماء مكانةً كبيرةً فقال جلَّ وعلا: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة:11]
وحضَّ على النَّظر في الكون ودراسته، وعمارة الأرض، وكان أوَّل ما نزل من القرآن، آياتٌ عظيمةٌ تحثُّ على القراءة والتّعلُّم، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾[العلق: 1-5]
ثالثاً: حارب الإسلام العديد من مظاهر التَّخلُّف، كالأميَّة، والبطالة، والرِّبا، وغيرها من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية المدمِّرة، وعندما تخلَّف المسلمون عن إدراك المعاني الحقيقيَّة للإسلام تخلَّفوا في ميدان الحياة، ويعبِّر أحد الباحثين عن ذلك تعبيراً مثاليّاً حين يقول:
“إنَّ التخلُّف الذى يعاني منه المسلمون اليوم ليس سببه الإسلام، وإنَّما هو عقوبةٌ مستحقّةٌ من الإسلام على المسلمين لتخلِّيهم عنه لا لتمسُّكهم به كما يظنُّ بعض الجاهلين”
فليست هناك صلةٌ بين الإسلام وتخلُّف المسلمين.
رابعاً: هناك أسبابٌ خارجيةٌ ترجع في جانبٍ كبيرٍ منها إلى مخلَّفات سنوات الاحتلال الأوروبيّ للبلاد العربية، التي أعاقتها عن اللّحاق بركب التطوُّر، فنهبت خيراتها وحاربت أصحاب الفكر المنير فيها، بالإضافة إلى بعض الأسباب الداخلية مثل انتشار الأمية، والخرافات، والأفكار الهدّامة، وتفشِّي الجهل، والتي أدّت أيضاً إلى نسيان المسلمين للعناصر الإيجابيّة الدافعة لحركة الحياة في فهم الإسلام.
ولما حَدَّث أبو سفيان هرقلَ ملك الروم -وتعتبر دولة الروم في ذلك الوقت دولةً عظمى- بما عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ قال: (إن كان ما تقول حقّاً فسيملك ما تحت قدميَّ هاتين) [أخرجه مسلم- باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، رقم 1773]
وهذا ما حصل فعلاً بعد عدَّة سنوات.
فإن صحَّ العزم من المسلمين على إعادة مجد الإسلام، فلابدَّ من نهوضٍ فكريٍّ، وثقافيٍّ، ولابدَّ من عودةٍ إلى أخلاقنا ومبادئنا الإسلاميَّة، فقد وصل أسلافُنا إلى ما وصلوا إليه عندما تمسّكوا بدينهم ومبادئهم.
ختاماً: لا يجوز للباحث عن الحقيقة الخلطُ بين الإسلام والواقع المتدنّي للعالم الإسلامي، فالتخلُّف الذي يعاني منه المسلمون يعدُّ مرحلةً في تاريخهم، ولا يعني أنَّهم سيظلون كذلك إلى نهاية التاريخ، وخير دليلٍ على هذا أنَّ الإسلام نهض بالعرب قديماً من الحضيض، وجعلهم خير أمَّة بين الأمم، فلا يجوز اتِّهام الإسلام بأنَّه وراء هذا التخلف.
سم ينتشر في مجتمعاتنا
الإنسان هو خليفةُ الله في الأرض, وليس خليفةً عن الله في الأرض
هل سمعت أحد المسلمين خلال فترات الإساءة إلى النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: لماذا يُسيء #الغرب إلى شخصٍ يتبعه مليارٌ ونصف مليار شخص؟!
هل سمعتَ أحد المسلمين يدعو إلى الصَّلاة لأنَّها تزيد اللياقة البدنيَّة, وتقلِّل من أعراض الضَّغط والسُّكريّ وآلام المفاصل حسب الدِّراسات, وتُعلِّم الالتزام بالمواعيد و.. و.. و…؟
في قصَّةٍ قصيرة تدور أحداثها في القرن التاسع عشر نشر الفيلسوف الألماني #فريدريك_نيتشا مقالاً لاقى انتشاراً واسعاً في أوروبا وهو بعنوان: “لقد مات الإله“. !!
وهنا بدأ التَّمركز في الغرب ينتقل من تمركُز الإله إلى تمركُز الإنسان, وصار الإنسان #مركز_الكون, يسنُّ قوانين تناسبه بعيداً عن المرجعيَّة الإلٰهيّة المطلقة, ويسمِّيها ميثاق #حقوق_الإنسان، وراح يحدِّد قِيَم الأشياء, فقيمة أيِّ شيءٍ يحدّدها الإنسان حسب #الفائدة التي يعود فيها عليه.
تسرَّبت هذه الافكار إلى مُجتمعاتنا المسلمة عن طريق #العولمة, وصار كلُّ شيءٍ يكتسب قيمته حسب عدد أتباعه, والتَّفاعلات, والمشاهدات التي يحصدها, وعطفاً على ما بدأنا المقال به أولاً, نجد أنَّ الرَّسول اكتسب قدسيَّته من كثرة أتباعه, لا لأنَّ الله كرَّمه واصطفاه على #العالمين .
ولم تعد الصّلاة عبادةً تصل العبد بربّه, وتزيد قُربه إليه, وليست لأنَّها أمرٌ من فاطر السّماوات والأرض, بل لأنَّها _حسبما ارتأى الإنسان_ مفيدةٌ له, وهذان مثالان صارخان #للنَّزعة_الإنسانويّة (اعتبار الإنسان نفسه مركزاً للكون), وتمركز الإنسان حول ذاته فأصبح يعطي القيمة, وينزعها عمّا يريد بعيداً عن #المرجعيّة_الإلهيّة.
مثلاً: لا يُعجبني قول الشّيخ فُلان, لأنَّه لا يعجبني أصلاً, ثمَّ تقول لي: اعرف #الحقَّ تعرف أهله, وأنا الحقُّ وأنا من يحدّد الحقّ. ثمَّ يقدِّم نفسه, ومصالحه الشخصيّة على أيِّ مصلحةٍ مجتمعيَّة, ويستبدل بكلماتٍ مثل: العدالة الاجتماعيَّة, والنّضال, والكفاح, والقضيَّة كلماتٍ مثل: الطُّموح, والمهارات الشَّخصيَّة, والشَّغف, والنَّجاح, ولم تعُد هناك رغبةٌ شبابيَّةٌ للسَّعي إلى تحسين المجتمع, بل أصبح هدفه الهروب والانتقال من #مجتمعاتٍ بحاجةٍ إلى التَّحسين والنُّهوض إلى مجتمعاتٍ مُحسَّنةٍ, سعياً وراء #السَّعادة_الدنيويَّة, وطغت النّزعة الفرديَّة والأنانية, التي يسمِّيها عالم الاجتماع البولندي (#سيغموند_باومن): “احتلال الهموم الفردية للمساحة العامَّة“.
حسناً، وما الذي حدث بعد اعتماد الغرب للنَّزعة الإنسانويَّة في عصر الحداثة؟
تالياً, وبعد ذلك الإعلان بثمانين عاماً جاء الفيلسوف الفرنسي (#ميشيل_فوكو) ببيانٍ انتشر كالنَّار في الهشيم أعلن فيه موت الإنسان .
لقد انتقلنا لنعيش في عصر ما بعد الحداثة فيما سمّاه (#سيغموند باومن): “زمن الإيمان السَّائل“.
لم يعد الإنسان مركز الكون, بل وفقدَ قيمته فأصبح مساوياً #قيمة أيِّ شيءٍ آخر, وصرنا نرى أحدهم وقد تزوَّج بساطاً, والآخر تحوَّل كلباً, واستغنى غيره عن أكل الحيوانات لأنَّها تساوي الإنسان في القيمة حسب نظره.
ولكنَّ الشَّركات #الرَّأسماليّة كان لها رأيٌ آخر, فحدَّدت قيمة المرء بما يستطيع أن يقتنيه, وما يستطيع أن يحصّله, وسُمّي هذا الإنسان: “إنسان البعد الواحد“.
ونسأل الآن، هل الإنسان مركز الكون؟ أم أنَّه لا يعلو قيمةً عن باقي الأشياء؟ أم أنَّه مجرَّد أداةٍ للإنتاج والاستهلاك؟
يقول المفكر #عبد_الوهَّاب_المسيري رحمه الله: (الإنسان ليس مركز الكون, بل وضعه خالقه في مركز الكون, وهو ليس مالكاً للطّبيعة, بل هو خليفةٌ فيها من قِبَلِ خالقها).
وفي ظلِّ تخبُّط الغرب بين أمواج البحث عن مركزٍ ونقطةٍ مرجعيَّة بعد التَّخلِّي عن #الإلٰه
وقد قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾ [سورة العلق الآية 6] أدرك المسلم أنَّه خليفةُ الله في الأرض, وليس خليفةً عن الله في الأرض .
والحمد لله ربِّ العالمين.
No comment yet, add your voice below!