شباب حوار (و اضربوهن)-تويتر

موضوعٌ يندرج تحت اسم: العنف ضدَّ المرأة, أو العنف الأسري … الذي كثُر الحديث عنه في الفترة الأخيرة بسبب قصَّة الشَّابَّة آيات الرفاعي التي انتهت حياتها بسبب ضرب زوجها لها …

وأكثر ما أثار استغرابي تعليقٌ مرَّ على أحد وسائل التواصل: (الإسلام سمح بضرب النساء والقرآن قال: اضربوهنَّ)، وكأنَّ المعلِّق يقول قاصداً أو خاطئاً: إنَّ التشريع له دورٌ بما حصل.

(وهذه المقالة موجّهةٌ لكلِّ مسلمٍ فهم حديث القرآن عن التأديب بالضرب فهماً خاطئاً… دعونا نجلس على طاولة الحوار ونناقش الأمر).

 مع الأسف يظنُّ بعض المسلمين أنَّ ضرب المرأة مسموحٌ به، وقد يتجاوز البعض الحدَّ ويظنُّ أنَّ  تشريعاً من السماء نزل يُجيزُ ذلك.

 نقول: من سمع أو قرأ أو علم يقيناً نصَّاً شرعيّاً يحثُّ على ضرب أحدٍ من الكائنات ظُلماً وزوراً فليخبرنا به لعلَّه يعطينا معلومةً جديدةً لم نستطع الوصول إليها فيما بحثنا فيه من كتب الحديث والتفسير والفقه المعتمدة عندنا نحن المسلمين مناهجَ نفهم بها ديننا الحنيف، فغاية ما وصلَنا هو تحريم الظُّلم بكلِّ أشكاله وأنواعه، ويشمل هذا كلَّ الكائنات لا البشر أو النساء فقط.

وورد في صحيح مسلمٍ عن أبي ذرٍّ في الحديث القدسي: ((يا عبادي إنِّي حرَّمت الظُّلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّماً فلا تظالموا …)) (2577) فلم نجد في الحديث تخصيصاً لجنسٍ أو نوع.

والأصل في الشرع حرمة الإيذاء بكلِّ صوره وأشكاله؛ قال تعالى: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينً)) [الأحزاب: 58]

وعن  النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: ((المسلمُ من سلمَ المسلمونَ مِن لِسانهِ ويَدهِ)) ]متفقٌ عليه (البخاري 1/11 – مسلم 1/65)[

 يتوقَّع أن ينظر إلينا الآن أحدٌ بطرف عينه مبتسماً ابتسامة المتسائل قائلاً: (وآية الضرب ..!!!)

ألم يُبح ذلك في قول الله تعالى: ((……. وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)) ]النساء:34[.

وقائل يقول: وجود هذه الآية في القرآن العظيم يبيح الضرب بإطلاقه دون قيود. وكأنَّ أحدهم يهمس من بعيدٍ لا تخبروا بها المسلمين الجدد أو من يرغب في الإسلام لأنَّها قد تترك لديه انطباعاً بأنَّنا أمةٌ تعالج أمورها بالضرب والعنف.

نستطيع أن نتحاور بهذا الشَّأن: 

نتفق أنَّنا -بصفتنا مسلمين- نعلم أنَّ في القرآن آيات لا نستطيع فهمها أو تطبيقها دون الرجوع إلى أمرين أساسيّين:

أوَّلهما: السُّنَّة سواءً كانت من فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أو قوله أو إقراره. 

وثانيهما: كتب التفسير المعتمدة عند المسلمين والتي أجمعوا على الأخذ منها.

أمَّا السُّنَّة فلم يضرب النبيَّ امرأةً قط، وفي حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: «ما ضرب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- شيئاً قطّ بيده، ولا امرأةً، ولا خادماً» ]رواه مسلم (2328)[

 وربّما يقول قائلٌ هنَّ أمَّهات المؤمنين ولا يفعلن الخطأ.

أقول: من قال إنَّهنَّ معصومات، فقد وردت حوادث كثيرةٌ في كتب السُّنَّة المعتمدة ينظر إليها الناظر بعين التَّعجب: كيف لم يغضب منها النبي صلَّى الله عليه وسلّم؟ كحادثة اتّفاق السَّيِّدة حفصة والسَّيِّدة عائشة رضي الله عنهما، والتي نزلت بسببها آياتٌ من سورة التحريم، وتمَّ الأمر بعلاجٍ من الله تعالى، ولم نسمع أو نعلم أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ضربهما بسبب فعلهما.

أمَّا التفسير فسنذكر عباراتٍ وردت بنصِّها في كتاب: (التحرير والتنوير لابن عاشور4/44)

في تفسير الآية 34 من سورة النِّساء التي نتحدث عنها، قال:

(فإذا كان الضرب مأذوناً فيه للأزواج دون ولاة الأمور، وكان سببه مجرَّد العصيان والكراهية دون الفاحشة، فلا جرم أنَّه أُذِن فيه لقومٍ لا يعدّون صدوره من الأزواج إضراراً ولا عاراً ولا بدعاً من المعاملة في العائلة)، ونبَّه إلى أنَّه ورد للترتيب لا للأمر، ونلاحظ أنَّ هذا الترتيب منطقيٌّ يأخذ وقتاً زمنياً واضحاً، وذكر أنَّ الوعظ وكذا الهجر قد تتجاوز  مدّة كلٍّ منهما شهراً أو أكثر، فالتي تتعظ بالهجر لن تحتاج ضرباً، والتي لم تتعظ به فلن ينفعها ولا حتَّى الضرب.

وقال أيضاً: (والحاصل أنَّه لا يجوز الهجر والضرب بمجرَّد توقُّع النشوز قبل حصوله اتفاقاً)، وبعد أن بيَّن خطورة اللجوء إلى الضرب، وأنَّه ليس على إطلاقه للأزواج، ويشترط به السلامة من الأذى، وألّا يكون للإهانة والازدراء يقول:

(يجوز لولاة الأمور إذا علموا أنَّ الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها، ولا الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أنَّ من ضرب امرأته عوقب، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيَّما عند ضعف الوازع).

وبهذا يتَّضح لنا أنَّ الآية ليست ثغرةً في ديننا نحتاج أن نتكتَّم عليها فلا نذكرها، وكلام الله واضحٌ، وتطبيق نبيِّه صلَّى عليه وسلَّم وأصحابه ينفي كلَّ احتمالٍ للشُّبهة.

ولم أجد في ما أعلمه أحداً أجاز الضرب أو الإيذاء للمرأة _أو غيرها من الكائنات الحية_ مطلقاً، ليس بالضرب فحسب بل حتى بالإهانة اللفظية أو الازدراء المعنوي، فلا يجوز ما فيه انتهاكٌ للكرامة الإنسانيَّة التي حفظها الله سبحانه، وليس لبشرٍ أن ينتهكها.

الزواج ليس معركةً طاحنةً ينتصر فيها الأقوى، فالزواج هو العشرة بالمعروف … هو الكلمة الطيبة … هو المودة والسكن .. هو الذُّرِّيّة الصالحة التي ننتظر نفعها في الدنيا والآخرة …

والمرأة في ديني محترمةٌ مقدَّرةٌ لها مكانتها بصفتها إنسانةً ومسلمةً وعضواً فاعلاً في الأسرة والمجتمع.

هذا ما نعلمه نحن من ديننا ونعتقده ونؤيِّده .. و الله تعالى أعلم.

خديجة الموصللي

بقلم: أ. خديجة موصللي

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *