هل يمكن لأي إنسان في العالم أن يتخلى عن عقيدته
هل يمكن لأي إنسان في العالم أن يتخلى عن عقيدته
إنَّنا حينما ننظر إلى جوهر ما يسمَّى بالعقيدة، أو الفلسفة، أو الرؤية الكونية، نجد أنَّها في حقيقتها ما هي إلَّا خريطةٌ وجوديةٌ للإنسان تبيِّن مكانه في هذا العالم. وهي في أهميَّتها للإنسان كأهمية الخريطة الجغرافية للمسافر حيث تحدِّد موضعه الذى هو فيه، والمكان الذى يصير إليه، حتَّى لا يضلَّ طريقه، أو يُهلك نفسه، ويفقد مبتغاه.
ولقائلٍ أن يقول: وما وجه الشَّبه بين الأمرين، أو بين المثالين: بين المسافر وبين الإنسان!؟
وأقول له: بماذا تُعرِّف المسافر؟ سيُجيبني بأنَّ المسافر هو الشخص الذي لا يستقرُّ في موضعٍ معيَّن، بل يُغيِّر موضعه، ويبدِّل مكانه بشكلٍ مستمرٍ، قاصداً وجهةً معيَّنة لا يتوقَّف قبل بلوغها.
وأقول له كذلك: إنَّ الإنسان بشكل ٍعامٍّ مسافرٌ في هذا الوجود الكلِّي، ومرتحلٌ عن هذا العالم.
وإذا كان المسافر العاديُّ ينتقل من مكانٍ إلى آخر أو من بُقعةٍ جغرافية إلى أخرى.
كذلك كلُّ إنسانٍ يتحقَّق فيه هذا المعنى من الرحلة والانتقال، ولكن بنحوٍ أعظم، وبوجهٍ أتم.
فهو ينتقل من عالمٍ كلِّي له قوانين معيَّنةٌ إلى عالمٍ كلِّيٍّ آخر بقوانين مختلفة اختلافاً كلياً عن قوانين العالم الذي يسبقه. وهذا ما نراه واضحاً، ونشاهده عياناً.
فلو نظرنا إلى ما قبل ولادة أيِّ إنسانٍ في هذا العالم، وما قبل مجيئه إلى هذه الدنيا، نجد أنَّه قبل ولادته لم يكن يحظى بأيِّ نحوٍ من أنحاء الوجود في هذا العالم الدنيوي. ثمَّ بعد ذلك يولد في هذه الدنيا، ويصبح طفلاً وشاباً وكهلاً، “وقد يتعامل مع هذه الدنيا وكأنَّه من أهلها“.
ولا يزال يتغيَّر، ويتغيَّر باستمرار كلَّ آنٍ ولحظة، لا تخلو لحظةٌ من تغيُّرٍ يحدث فيه.
ثمَّ يأتي بعد ذلك موعد خروجه الحتمي من هذا العالم بالموت المحقَّق، فيخرج من هذه الدنيا بشكلٍ كلِّي، وينتقل إلى عالم ما بعد الموت.
والذى يسمى بحسب العقيدة الإسلامية: عالم البرزخ، هو عالمٌ له قوانينه المختلفة بالكلية عن عالم الدنيا.
ثمَّ يبعث فينتقل من عالم البرزخ إلى عالم الآخرة: ((الجنَّة أو النار))، والذي يختلف تماماً عن العوالم الكلية التي سبقته، وهنا يحقُّ لي أن أتساءل: أليس هذا هو السفر الحقيقي بأتمِّ معانيه؟
وهل هناك معنىً للغربة أو للسفر أو للرحلة والانتقال إذا لم يتحقَّق هنا هذا المعنى؟
أظنُّ أنَّ الإجابة تكون بلا ريب: نعم، هذا هو السفر الحقيقي، وتلك هي الرحلة، ومادامت هذه هي الإجابة فإنَّ حاجتنا إلى خريطةٍ وجوديةٍ تكون كأعظم ما تكون الحاجة.
No comment yet, add your voice below!