أرجوكم.. إلا الحيوانات
أرجوكم.. إلا الحيوانات
“يا الله… إنَّ القطط في غ.ز.ة تعاني تحت الأنقاض“
كثيرةٌ هي التعليقات التي نراها من هذا النمط، وهي تتفاعل مع فيديوهات إخراج الحيوانات من تحت الأنقاض، وبعض الذين يعلِّقون هنا تراهم لا يعلِّقون أو يتأثَّرون بمقاطع انتشال الأطفال من تحت الأنقاض .
“الكوكب ليس ملكاً لنا فقط، بل هم لهم حقٌّ فيه كذلك“
تعليقٌ كتبه شابٌّ على منشورٍ يعرض معاناة الكلاب والقطط في الشوارع، وهي ذاتها الصرخة التي توجِّهها معظم مجتمعات حماية الحيوان للحدِّ من التوحُّش الذي يمارسه البشر عندما يأكلون لحوم الحيوانات.
لطالما ظنَّ الإنسان أنَّه سيِّد هذه الطبيعة، وأنَّ له الحقَّ في أن يفعل فيها ما يشاء، وحماةُ الحيوانات هم الذين سيقفون في وجه هذا الغرور ويمنعونه .
أوَّلاً، وتأصيلاً للأفكار؛ دعونا نتكلَّم قليلا عن النباتيين .أتظنُّ أنَّ النباتيَّ هو مجرَّد شخصٍ اختار أن يسير على نظامٍ غذائي “صحيٍّ” دون أن تكون لديه أفكارٌ واعتقاداتٌ دفعته إلى هذا التوجُّه؟
هناك نباتيون يعتمدون في كلِّ أفعالهم على “عقيدة النباتية “، فنظامهم الغذائي يتبع لعقائد لا لمجرَّد توجيهاتٍ صحيَّة، فما هي أبرز الأفكار والفلسفات التي جعلت لـ “عقيدة النباتية” (لوبي) تصعب مواجهته في الغرب، _بل وحتَّى إنَّ بعض لوثاتها انتقلت إلى مجتمعاتنا الشرقية-؟ وما هي الخطوات التي أدَّت إلى ظهور هذه الفلسفات؟
أوَّلاً:
تمَّ إغفال دور الأديان السماوية التي كانت تضع الإنسان في مكانه الصحيح في هذا الكون، فهو أقلُّ درجةً من خالقه، وأعلى قدراً ممَّا سواه من الخلق، وهنا أعلن نيتشا: “موت الإله” وتمَّ وضع الإنسان في
مكانه، فتمرَّد هذا الإنسان وطغى، فنشأت تياراتٌ تحدُّ طغيانه باعتبار ذلك نتيجةً حتميةً لما سبقها من أفكارٍ متطرِّفة، ولكنَّ هذه التيَّارات توجَّهت نحو التطرُّف بدورها، فسلب الإنسان من مكانته التي نصَّب نفسه فيها، وانحطَّ إلى أدنى المستويات، فأصبح في قدره مساوياً للحيوانات، وسائر المخلوقات بل حتَّى آلات الإنتاج. وقد ساعدت الأديان الوضعية الباطنية كالهندوسية والبوذية في ظهور هذه التيَّارات لأنَّها تؤمن بأنَّ الإنسان عندما يموت إمَّا أن تتحوَّل روحه إلى آلهةٍ إن كان صالحاً في حياته، أو تتحوَّل إلى حيوانٍ إن كان فاسداً، أي إنَّ كثيراً من الحيوانات هي أرواحٌ بشريةٌ لم تُحسن التصرُّف في حياتها السابقة .
هنا، ومع مرور الزمن وقد تساوى الإنسان مع ما دونه من المخلوقات، لم يتمكَّن بعض الناس من أن يستأصلوا فكرة كون الإنسان مكرَّماً، فهي فطرةٌ جبلوا عليها، ولكنَّهم استطاعوا أن يرفعوا بقية المخلوقات إلى منزلة الإنسان من الإكرام، وبذلك أصبح وجود بعض الحيوانات في الطرقات يتساوى في ذهنهم مع وجود بشريٍّ على ذات الرصيف، ومع صقل هذه الأفكار بعامل الزمن، أصبح بعض الناس يتأثَّرون ويتألَّمون لوجود قطٍّ مشرَّد أكثر من ألمهم لرؤية طفلٍ مشرَّد، وأصبح البعض الآخر يتَّخذ من الكلاب أصدقاء عوضاً عن البشر، وأنشئت فنادق خاصَّةٌ للحيوانات الأليفة؛ دون وجود مشكلةٍ في أن يكون استهلاك قطٍّ للموارد في بقعةٍ جغرافيةٍ أكثر من الاستهلاك البشري فيها، ولكنَّ المشكلة الحقيقية هي ظهور كثيرٍ من المعترضين على قضية التضحية بالذبائح بحجَّة أنَّ لها حقَّاً كما لنا، والسؤال الأوَّل هنا : إلى من سنحتكم؟
هل ندع العقل البشري والأفكار الوضعية التي أثبتت فشلها في معظم التجارب التي ذكرناها سابقاً تحظى بفرصةٍ أخرى للتَّجربة، أم نحتكم جميعنا للمصدر المطلق الذي قال:
“ولقد كرَّمنا بني آدمَ وحملناهم في البرِّ والبحرِ وفضَّلناهم على كثيرٍ ممَّن خلَقَنا تفضيلاً“ [الإسراء 70]، فوضع الإنسان في مكانه الصحيح دون غلوٍّ أو إسفاف، وقال:
“وذلَّلناها لهم فمنها رَكوبُهم ومنها يأكلون“ [يس72]، فوضع الأنعام في مكانها الصحيح، بل أمر الله الناس برحمتها، وحرَّم أذيَّتها، على لسان نبيه الذي يقتدي به المسلمون، ومن أحاديث الأمم السابقة: المرأة التي دخلت النار في هرَّةٍ حبستها .
والسؤال الثاني:
هل يمكن للإنسان إن اعتبر قتل الحيوان وأكله ظلماً أن يمنع كلَّ الظلم الذي يحدث في السلاسل الغذائية؟
والسؤال الثالث: لماذا لا يتألَّم أصحاب هذه الأفكار عندما يجدون نبتةً مرميةً على الطريق، أو حشرةً من أي نوعٍ تُدهس وتُقتل، أليسا من الأحياء، أم أنَّ المعيار هنا هو ما تشتهيه أنفسنا؟
السؤال الرابع: هل نكترث للأحياء التي تشعر بالألم، أي تمتلك جهازاً عصبياً، (كالحشرات التي تملك جهازاً عصبياً)، أم نكترث للأحياء التي لديها وجهٌ وعيونٌ وتعابير؟ تلك أسئلةٌ يختلف في أجوبتها رؤوس مفكِّري تيَّار “نباتيي العقيدة” فلماذا ندع رشقاتٍ من نتاج أفكارهم تتسلَّل إلى أمَّةٍ اتَّخذت الإسلام مصدراً راسخاً لأفعالها واعتقاداتها .
No comment yet, add your voice below!