مع رجالات حوار -الشيخ الشعراوي-

الرسالة الخاتمة

Loading

الرسالة الخاتمة

سؤال: كانت الرسالة المحمدية خاتمة للرسلات، فلماذا كانت هي الخاتمة؟ وما موضعها بين موجات التقدم الفكري الحديث؟

الجواب: انتهت الرسلات برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان الرسول الخاتم، الذي لا استدراك للسماء بعد ذلك على رسالته أبدا. . ولماذا كان هو الخاتم؟

لأن الرسل السابقين إنما جاءوا على فترة من الحياة في فطرة الكون، وفطرة الحركة في الكون، فطرة تقرب الإنسان من السكون. .
والناس قديماً كانوا يذهبون إلى العين – مثلا – فلا يجدون الماء، فيرفعون أكفهم إلى السماء ضراعة إلى الله أن تمطر السماء، لأنه لا وسائط بين شربهم وبين مطر السماء .
فلما كثرت الوسائط، وأصبحت هناك صهاريج، وأصبحت هناك آلات لرفع الماء في الصهاريج، وأصبحت هناك آلات تضخ الماء في الأنابيب، وأصبحت كل هذه المسائل ؛ وجدت وسائط كثيرة بين النعمة في أصلها الفطري من المطر وبين المنعم عليه في نعمته الحضارية.

فإذا انقطع الماء من الصنبور فإنك لا تفكر في السماء، ولكن تقول:
أطلب وابور المياه أو أقفل الخط الفلاني، أو غير ذلك من المتطلبات، إلى أن يقول أخيراً: إن الآبار التي عليها الآلات لا تخرج ماء، لأنها قد جفت .
حينئذ يلتفت الناس إلى السماء ويسألون الله أن يطمرهم.

إذن فوسائل البشر في الارتقاء قد تعطيهم لونا من الغرور بفكرهم. ولوناً من الغرور باستعلائهم، فيبتعدون عن أصل النعمة السماء، فكلما تقدم الزمن وتقدم العصر، وابتكرت العقول كان من الممكن أن يستعلى الإنسان. بعقله وفكره. ويظن أن له استغناء ..

إذن فلابد أن تكون الرسالة التي جاءت على عهد ارتقاء الحياة رسالة ملفته لفتاً قسرياً إلى الحق تتخطى حواجز الغرور العقلي كله، وتعطى الإنسان عطاء يخرجه من هذه المادية المطغية إلى الأصل الأصيل في واهب الأشياء .

رحمته في الجهاد

فكأن الإسلام الذى يتمثل في القرآن هو المنهج الذي يعطى كل منهج تساؤلات الوجود كلما ارتقى الفكر الإنساني في شيء أعطاه القرآن عطاء يدفع عنه أي ارتياب يؤدى إليه غرور العقل، وصلف الابتكار.

لذلك كان الإسلام في منهج القرآن متمثلا في أمرين :

أولهما : أمر يتمثل في كونية الحياة .
ثانيهما : أمر يتمثل في افعل» و «ولا تفعل».

فالأمر الذى يتمثل في افعل ولا تفعل لم يتغير أبداً، وليس لعقل أن يزيد فيه، وليس لعقل أن يبتكر ويجتهد فيه، لأنه حكم تكليفي، والناس فيه سواء من لدن، إلى أن تقوم الساعة.
فليس من المعقول أن يوجد بعد عصر محمد صلى الله عليه وسلم، افعل كذا بأمر جديد، أو لا تفعل كذا بنهى جديد أي إن كل أمر وكل نهى إنما جاء من لون محمد صلى الله عليه وسلم ، وسيظل كذلك إلى أن تقوم الساعة. أما الذي يمكن أن يتغير فهو عطاء الكونيات في الأرض. العطاء الذي إن تنبهت إليه أخذت نفعا، وإن لم تنتبه له لم يضرك في التكليف شيئاً.

فهب أنك لم تبتكر الكهرباء، وأنك لم تبتكر الطائرة، وأنك لم تبتكر الصاروخ، ما الذي أثر في حركة حياتك بـ «افعل» و «لا تفعل»؟ إن وصلت إليه انتفعت، به وإن لم تصل إليه لم يضرك شيء.
فكل الجديد لا يأتي في التكليف افعل كذا ولا تعل كذا. .
فالذين يحاولون أن يجعلوا لكل عصر افعل ولكل. عصر لا تفعل نقول لهم: أحلتم على الله، لأن افعل من الله لا تتغير، ولا تفعل لا تتغير.
فمن حاول أن يجعل افعل من الله في مقابل لا تفعل من البشر أو لا تفعل من البشر في مقابل افعل من الله، نقول لهم: إنكم أشركتم بالله.. ابحثوا بعقولكم في كونيات الحياة واستنبطوا من الحياة ما شاتم، لكن لا تعلموا بدينكم لتقولوا افعل كذا، ولا تفعل كذا.
فالله لا يتعلم كيف يكلفنا، ولا يستدرك عليه كيف يكلفنا.
فمن لم يطق افعل من الله في نفسه، ومن لم يتحمل لا تفعل من في نفسه فعلية أن يتقى الله ولا يتحمل وزر افعل ولا تفعل في سواه.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *