وتكون شهادتها هي الأصل!
وتكون شهادتها هي الأصل!
وفي مجال التوارث جعلت شريعة الإسلام نصيب المرأة نصف نصيب الرجل… قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ…} [النساء:۱۱].
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية رواياتٍ منها ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: عادني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من مرضٍ نزل بي فوجدني لا أعقل شيئاً، فدعا بماءٍ فتوضَّأ منه ثمَّ رشَّ عليَّ منه فأفقت. فقلت: يا رسول الله، ما تأمرني أن أصنع في مالي؟ فنزلت هذه الآية.
وأخرج أبو داود والترمذي عن جابر أيضا قال: جاءت امرأة سعدٍ بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً، وإنَ عمَّهما أخذ مالهما فلم يترك لهما شيئاً لأنَّ النساء قبل نزول هذه الآية لم يكن لهنَّ نصيبٌ من الميراث، ولا تنكحان إلَّا ولهما مال. فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يقضي الله في ذلك))، فنزلت هذه الآية.
فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عمِّهما فقال له: أعط ابنَتَي سعد الثلثين، ولأمِّهما الثمن، وما بقي فهو لك.
والمعنى: يعهد الله تعالى إليكم ويأمركم أيُّها المؤمنون أمراً مؤكَّداً في شأن ميراث أولادكم من بعد موتكم، أن يكون نصيب الذكر منهم ضعف نصيب الأنثى.
وقد جعل سبحانه نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى بعد أن كانت لا ترث شيئاً قبل الإسلام، لأنَّ التكليفات المالية على المرأة، تقلُّ كثيراً عن التكليفات المالية على الذكر، إذ الرجل مكلَّفٌ بالنفقة على نفسه، وعلى أولاده، وعلى زوجته، وعلى كلِّ من يعولهم، بينما المرأة كما سبق أن بيَّنا نصيبها من الميراث لها خاصَّة لا يشاركها فيه مشارك، اللهمَّ إلَّا على سبيل التبرُّع والمساعدة
لغيرها. وبهذا يتبيَّن مظهرٌ من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة، ورعايته لأمرها.
وفي مجال الشهادة، احترمت شريعة الإسلام شهادة المرأة في الشؤون النسوية الخاصة التي لا يعرفها إلَّا النساء، واعتبرتها هي الأصل في ردِّ الحقوق إلى أهلها… وفيما عدا ذلك من الأمور التي تقبل شهادتها فيها كالأموال، جعلت شهادة المرأتين معادلةً لشهادة رجلٍ واحد، ولا تكون الشهادة كاملة الأركان إلَّا إذا شارك فيها الرجال.
قال تعالى في أطول آيةٍ في القرآن، وهي الآية التي تسمَّى بآية (الدَّين): {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}… [البقرة: ۲۸۲].
أي: اطلبوا -أيُّها المسلمون- شاهدين عدلين من الرجال، ليشهدوا على ما يجرى بينكم من معاملات، لأنَّ هذا الإشهاد يعطي الديون توثيقاً وتثبيتاً… فإن لم يتيسر رجلان للشهادة، فليشهد رجلٌ وامرأتان ممَّن تثقون بدينهم وخلقهم.
وقد جعلنا المرأتين بدل رجلٍ واحد في الشهادة خشية أن تنسى إحداهما، فتذكِّر كلُّ واحدةٍ منهما الأخرى، إذ المرأة لقوَّة عاطفتها، وشدَّة انفعالها بالحوادث، قد تتوهَّم شيئاً لم يحدث، فكان من الحكمة أن يكون مع المرأة أخرى في الشهادة، بحيث يتذاكران الحقَّ فيما بينهما، فقوله سبحانه: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا}، أي: تنسى إحداهما ((فتذكِّر إحداهما الأخرى))، بيانٌ للحكمة في أنَّ المرأتين تقومان مقام الرجل الواحد في الشهادة.
No comment yet, add your voice below!