مصدر سيادة الإنسان في الإسلام
مصدر سيادة الإنسان في الإسلام
غير أنَّ مصدر هذه السيادة في كتاب الله وحكمه مختلف اختلافاً بيِّناً عن مصدرها لدى أرباب النظم الديمقراطية، فهي في كتاب الله وشرعه خِلعةٌ كرَّم الله بها الإنسان الذي هو في ذاته وواقعه عبدٌ مملوكٌ له عزَّ وجلّ.
أمَّا في تصوُّر واضعي النظم الديمقراطية، فهي حقٌّ ذاتيٌّ استوجبه الإنسان لذاته، دون تفضُّلٍ من أحدٍ عليه بها.
وقد اقتضى هذا الاختلاف في النظر إلى المصدر أن يقرِّر أولـو النظم الـديمقراطية أنَّ الإنسان هو الذي ينبغي أن يحكم نفسه بنفسه، وأن يكون المشرِّع لبني جنسه، دون أن يكون ثمَّة أيُّ حقٍّ لكائنٍ ما في التدخُّل بشأنه.
في حين أنَّ الشريعة الإسلامية أبرزت كامل الانسجام والتوفيق بين السيـادة التي جاءت خلعةً من الله تعالى للإنسان، والعبودية التي يصطبغ بها هذا الإنسان لله عزَّ وجلَّ من حيث كينونته ومصدر وجوده.
ومن ثمَّ فإنَّ على هذا الإنسان الذي يمتَّع بسيادةٍ تامَّةٍ فوق هـذه الأرض بين أقرانه، وأن يدين في الوقت ذاته بـالعبودية لله U، وأن يخضع كامل الخضوع لكلِّ ما يشرِّعه له من نظمٍ وأحكام.
ومن نتائج هذا الاختلاف، ما قرَّرته الشريعة الإسلامية من أنَّ الإسلام هو المسؤول الأوَّل عن رعاية سيادة الإنسان ضدَّ سائر الآفات التي قد تتربَّص بها، ومن ثمَّ فــإنَّ السلطة التشريعية في حياة الإنسان هي لله وحـده، في حين أنَّ النظم الـديمقراطية ترى على اختلافها أنَّ الإنسان هو المسؤول الأوَّل عن سيادة ذاته، وأنَّه هو الذي يتحمَّل أعباء الحماية التامَّة لحقوقها ضدَّ كلِّ ما قـد يتربَّص بها من أخطار، ومن ثمَّ فإنَّ سلطة التشريع كما تراه هذه النظم إنَّما هي للإنسان.
وهنا يعود السؤال الذي افتتحنا به بحثنا هذا ليفرض نفسه من جديد: أيَّهما الأولى بل الأقدر على رعاية هـذه السيـادة التي ثبت بالاتِّفاق أنَّ الإنسان متَّصفٌ أو مكرَّمٌ بها؟ الإنسان نفسه، أم الإله الذي خلق الإنسان وأضفى عليه خلعة هـذه السيادة؟
لعلَّ التجربة التاريخية هي التي تملـك الجواب القـاطع عن هذا السؤال الكبير.
وأنا أعني بالتجربة التاريخية، تجربة تحميل الشريعة الإسلامية مسؤولية رعاية السيادة الإنسانية، أيَّام كانت هذه الشريعة مطلقة العنان، صاحبة السلطة فعلاً، وكان دور المجتمعات الإسلامية دور المنفِّذ لها، والأمين عليها… وتجربة تحميل النظم الوضعية بالمقابل في مجتمعـاتٍ كثيرةٍ أخرى، مسؤولية رعاية هذه السيـادة وتوفيرها بشكلٍ حقيقيٍّ لأصحابها بمن فيهم الأفراد والجماعات.
No comment yet, add your voice below!