بعد ١٤٠٠ سنة... كيف وصلتنا الأحاديث النبوية؟
مهما حاول أهل الباطل أن يضعوا الأحاديث كذباً على رسول الله ﷺ , فستبطل أهواؤهم أمام الأمانة والإتقان الذي اعتمده أهل الحديث في النقل
إنَّ من أهمِّ ما يجب معرفته فيما يخصُّ الحديث النّبويّ: المبادئ المهمَّة في فهم مراحل نشأة علم الحديث ومصطلحه, وتطوُّر هذا العلم ومراحل تدوينه, فأكثر المنتقدين ليسوا على معرفة بالإمام البخاري ومنهجه في الجمع والتصحيح.
المقدمة الأولى: مراحل انتقال الحديث النبوي من عصر النُّبوَّة إلى العصر الحاضر:
المرحلة الأولى: تلقِّي الصحابة عن رسول الله ﷺ :
كانت أُولى مراحل انتقال الحديث النبوي من خلال الصحابة رضوان الله عليهم سماعاً من لفظه الشريف وحفظاً في صدورهم, ساعدَ في ذلك روعة بيان النَّبيِّ ﷺ , وتنوّع أساليبه التّعليميَّة والتَّربويَّة, وصدق محبَّتهم له وحرصهم على اتِّباعه, وكان اهتمامه عليه الصّلاة والسّلام جلياً من خلال حَثِّه على حفظ الحديث, ومن ذلك قوله ﷺ فيما أخرجه الترمذي: “نَضَّرَ اللهُ امرؤاً سمع منَّا حديثاً فحفظه حتى يبلِّغه“.
- المرحلة الثانية: الحديث النَّبويُّ في القرن الأوَّل الهجريّ (ما قبل التَّدوين الرّسميّ):
انتقل كثيرٌ من الأحكام الشرعيّة بالتّواتر العمليّ مما أخذه الصحابة عن النَّبيِّ ﷺ ونقلوه إلى تابعيهم وهكذا جيلاً بعد جيل, وذلك كألفاظ الصلاة وغيرها, وأّخَذَت هذه الطريقة في النقل درجة القطعيَّة في أحكام النقل.
وكما تلقَّى التَّابعون عن الصحابة الأفعال تلقَّوا كذلك حديث النَّبيِّ ﷺ القوليّ, وذلك بعد تفرّق الصحابة بين الأمصار, وكان الحفظ عند العرب آنذاك أقوى من الكتابة وأبلَغ, وبذلك كان الأصل في نقل الحديث هو الحفظ مع الضبط والإتقان.
وكانت الكتابة موجودةً على قلَّةٍ, وإن لم تكن مشروعاً متكاملاً, فقد كتبت العديد من الصحف والكتب المتفرِّقة في عهد النَّبيِّ ﷺ وصحابته الكرام, منها رسائله إلى ملوك الأمصار يدعوهم فيها إلى الإسلام, وما كتب من صحائف من قِبَل بعض الصحابة, ثمّ كانت كتابة التابعين ومَن بعدَهم كثيرةً, وكانت المرتكز الأوّل للمصنّفين مِن بعدِهم.
- المرحلة الثالثة: مرحلة التّدوين الرسميّ إلى نهاية القرن الثاني الهجريّ:
عُدَّت جهود الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (101هـ) الانطلاقة الواسعة في ابتداء التدوين برعاية الدَّولة الإسلامية, حيث أصدرَ أوامره إلى عمَّاله على الأمصار بكتابة الأحاديث مع التحرِّي والتثبُّت.
وكان الزهريُّ (124ه) من طلائع المُدوِّنين وأبرز المبادرين بعد أمر الخليفة, وتتابعَ العلماء بعده على التَّصنيف, ولم يكن التدوين حينئذٍ مرتَّباً أو منقَّحاً من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين كما حصل بعدهم, ولكن بدأ الاعتناء يظهر بعد ذلك بالترتيب والتبويب في القرن الثاني الهجري, وشاعَ التصنيف في الأمصار ووصلَنا الكثير منهم, وكانت طريقتهم في التدوين تتضمَّن جمع أحاديثِ كلِّ بابٍ لوحده, ثمَّ جعلها في مصنَّف.
- المرحلة الرابعة: التَّصنيف في القرن الثالث (عصر السُّنَّة الذَّهبي) وفي القرن الرابع:
ومع لمعان القرن الثالث تجلَّى الحديث الشريف بإفراده بالتصنيف دونَ غيره من أقوال الصحابة والتابعين, فأُلِّفَت الصحاح وهي الكتب المختصَّة بجمع الأحاديث الصحيحة الثابتة كصحيح الإمام البخاري (256ه), والمسانيد التي تجمع الأحاديث مرتَّبةً حسب رواتها من الصحابة: كَمُسند أبي داوود الطّيالسيّ (204ه), والسُّنن التي يغلب عليها العناية بأحاديث الأحكام كسُنن الترمذي (279ه).
وبهذا الاستعراض يتبيَّن أنَّ سلسلة تدوين الحديث لم تنقطع, بل مرَّت بمراحل منتظمةٍ وأطوارٍ متلاحقة, وبذلك تفرَّدَ المسلمون بهذا الإبداع دوناً عن غيرهم من الأمم.
- المرحلة الخامسة: نسخ ورواية كتب الحديث بعد انتهاء مراحل التدوين:
توجَّهت عناية العلماء بعد التدوين إلى كيفيّة المحافظة على هذه الكتب وانتقالها من جيلٍ إلى جيل دون تحريفٍ أو تزوير, فوضع العلماء قواعد للرِّواية السّليمة والسماع والإجازة بهذه الكتب, فاهتمُّوا بنسخ الكتب والإشراف المتقن عليها, وأن يُحمل الكتاب عن مؤلِّفه بطريقةٍ مُعتبرةٍ من طرق التحمُّل, وأهُّمها السماع منه أو القراءة عليه, وبذلك يُضمن عدم التصحيف.
- المرحلة السادسة: انتقال كتب الحديث من عالم المخطوطات إلى عالم المطبوعات:
عندما ظهرت الطباعة في العصر الحديث قام العلماء بنشر الكتب في مختلف العلوم, وكان لعلم الحديث نصيبٌ كبيرٌ, فوضعوا قواعد في ضبط الكتاب ومقابلته واشترطوا الاعتماد على عدَّة أصولٍ خطيَّةٍ متقنة.
وبعد هذا الاستعراض يتبيَّن أنَّ سلسلة تدوين الحديث لم تنقطع, بل مرَّت بمراحل منتظمةٍ وأطوارٍ متلاحقةٍ, وبذلك تفرَّدَ المسلمون بهذا الإبداع دوناً عن غيرهم من الأمم.
ومهما حاول أهل الباطل أن يضعوا الأحاديث كذباً على رسول الله ﷺ , فستبطل أهواؤهم أمام الأمانة والإتقان الذي اعتمده أهل الحديث في النقل بعيداً عن الأهواء والفتن, ضمن حفظ الله تعالى ورعايته.
No comment yet, add your voice below!