الشذوذ الجنسي من الناحية التربوية _ الجزء الثاني
بقلم: م. إحسان هلالة
الشذوذ الجنسي من الناحية التربوية
ناقشنا في الجزء الأوَّل من هذه المقالة عنوانين رئيسيين هما:
- تعريف الشذوذ الجنسيّ.
- هل نحدِّث أبناءنا عن الشذوذ الجنسيّ؟ ومتى؟
ونفصِّل الحديث اليوم عن:
- أسباب الشذوذ الجنسيّ؟
- كيف نحمي أبناءنا من الشذوذ الجنسيّ؟
ثالثاً: أسباب الشذوذ الجنسيّ:
يقوم الخطاب الدَّاعم للمثليَّة الجنسيَّة بنشر فكرة “طبيعية” الشذوذ الجنسيّ معتمداً على ثلاثة محاور:
المحور الأول: هو مقارنة السلوك البشري بالسلوك الحيواني.
المحور الثاني: هو الزعم بوجود كود جيني معيَّن مسؤولٍ عن الشذوذ الجنسيّ والسلوك الجنسيّ بشكلٍ عامٍّ في الحمض النووي البشري.
المحور الثالث: فيدور حول أنَّ المتغيرات البيئية، والعوامل الاجتماعية لا علاقة لها بتحديد التوجُّه الجنسيّ والهويَّة الجنسيَّة. وقد دُحِضَت كلُّ هذه المزاعم ورُفضت بشكلٍ علميٍّ في كثيرٍ من الأبحاث . وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنَّما يدلُّ على كذب المروِّجين لهذه الظاهرة الشاذَّة، وأنَّها أمرٌ منافٍ للفطرة البشريَّة التي فطر الله الناس عليها.
وفيما يلي أهمُّ أسباب ظاهرة الشذوذ الجنسيّ:
أوَّلاً- أسبابٌ دينيَّة:
- ضعف الإيمان، وهو السبب الرئيسيُّ في انتشار الفواحش عامَّةً، والشذوذ الجنسيّ خاصَّةً.
ثانياً: أسبابٌ اجتماعيَّة: وهي كثيرةٌ من أهمِّها:
- التربية الخاطئة.
- تقليد النماذج المغلوطة سواءً في البيت أو المجتمع أو على شبكات التواصل الاجتماعيّ.
- الفقر والحاجة.
- الشعور بفقدان الحقوق الذاتيَّة، والشرف والمكانة في المجتمع.
- غياب المُشرف أو وليِّ الأمر، ممَّا يجعل الشخص عرضةً لكلِّ من أراد الاعتداء عليه.
- فقدان قنوات الاتِّصال والتفاهم بين الأب والأم من جهة، وبين الأبناء من جهةٍ أخرى.
- القسوة في معاملة الأبناء.
- التفكُّك الأسريُّ كالطلاق، أو الهجر، أو غياب أحد الزوجين، أو انشغال أحدهما، وعدم قيامه بواجباته الأسريَّة.
- قلَّة الأمن، وشيوع الفوضى، وانتشار الرُّعب، وكثرة الاضطرابات في المجتمع.
- رفاق السوء، حيث يُسيطر مبدأ التقليد الأعمى والمحاكاة.
ثالثاً: أسبابٌ اقتصادية: تعقيد أمر الزواج في بعض المجتمعات.
رابعاً: أسبابٌ نفسيَّة: ومنها ما يلي:
- عدم الارتياح الجنسيّ مع الطرف الآخر في العلاقة الزوجية.
- تجمعات الأجناس المتماثلة في مكانٍ معيَّنٍ لفترةٍ طويلةٍ كالسجون والمدارس الداخلية.
خامساً: أسبابٌ إعلاميَّة ومنها:
- المواد الإعلاميَّة المُفسدة بجميع أنواعها.
- الانفتاح الثقافي، وتيسير سبل التواصل الاجتماعيّ مع عدم وجود محاذير أخلاقيَّة تحكم هذا التواصل، وما يترتَّب على ذلك من إدمان الشبان والفتيات على مشاهدة المواقع والأفلام (الإباحيَّة) وبعضها يعرض لمثل تلك الممارسات ويدعو لها ويزينها.
سادساً: أسبابٌ قانونيَّة: عدم تفعيل القوانين الوضعية، والتساهل مع الجناة.
سابعاً: أسبابٌ عضويَّة: فقد يكون الشذوذ ناتجاً عن نقصٍ في الهرمونات أو جيناتٍ داخليَّةٍ معيَّنةٍ تجعل الشخص جسمانياً (ذكراً) لكنَّ المخَّ والتفكير والأسلوب أنثى، كمرض (العنة) أو مرض (الجَب) أو (الخصاء) أو يكون ناتجاً عن (الخنوثة).
ثامناً – أسبابٌ أخرى: هناك أسبابٌ إضافيَّةٌ ساعدت في نشأة هذه الظاهرة، ومنها:
- بعض الأفكار الغربية المناهضة للفطرة الإنسانية السَّليمة مثل نظرية (فرويد والسلوك الجنسي).
- مناداة الدول الغربيَّة بالحريَّة الجنسيَّة، إلى جانب الضغوطات الممارسة من قبل الجمعيات والمنظَّمات المدافعة عن حقوق الشواذّ جنسياً.
- الدعم الدولي للشذوذ الجنسيّ في العالم الغربي ومنظَّمات الأمم المتَّحدة.
- الدعم من قبل الدول والحكومات الغربية التي تقدِّم التسهيلات للشاذِّين جنسياً ومن ذلك: منحهم حقَّ اللجوء السياسي.
- دعوى الوراثة الجينية.
- الاغتراب: فالشخص الذي يبتعد عن أهله وقومه إلى بلادٍ غربيةٍ لا يعرفه فيها أحدٌ، وربَّما لا يجد فيها زواجاً، قد يجد ضالَّته في الشذوذ مع الغلمان وغيرهم، خصوصاً إذا كانت تلك الهجرة إلى بلدٍ لا يُنكر مجتمعه هذه الممارسات الشاذَّة.
- يُعتبر تعاطي المخدِّرات، وإدمان الخمر من أقوى الأسباب التي تؤدِّي إلى اضطراب الوعي والميزان القيميّ والأخلاقيّ إلى درجةٍ يسهل معها انتهاك كلِّ الحُرمات ممَّا يُساعد على وقوع الشذوذ الجنسيّ.
- نظرية دارون.
- الاختلاط المحرَّم بين الأجانب ذكوراً وإناثاً.
رابعاً –كيف نحمي أبناءنا من الشذوذ الجنسيّ:
من خلال عرضنا لأهمِّ أسباب الشذوذ الجنسيّ نجد تأكيداً على أنَّ هذه الظاهرة إنَّما هي خروجٌ عن الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها. ومن هذا المنطلق؛ إذا أردنا الحديث عن حماية أبنائنا من الشذوذ الجنسي فإنَّما هو حماية فطرتهم السليمة. قال الإمام القرطبيُّ رحمه الله: ” إنَّ الله خلق قلوب بني آدم مؤهَّلةً لقبول الحقّ، كما خلق أعيُنهم وأسماعهم قابلةً للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقيةً على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحقّ، ودين الإسلام هو الدين الحقّ، وقد جاء ذلك صريحاً في الصحيح، جبل الله الخلق على معرفته، فاجتالتهم الشياطين“. وقد دلَّ بذلك على الحديث الصحيح، فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: “مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ“، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ ]8[
أمَّا عن كيفية حماية أبنائنا من الشذوذ الجنسيّ فهو المبدأ العام في حمايتهم من انحراف الأخلاق والمبادئ.
ونضع بين أيديكم شرحاً لما يُسمَّى (معادلة التربية – كيف تسقط القيم عند الأبناء)]3[
المرحلة الأولى من المعادلة التربوية:
عادةً عندما يكون الأهل –أباء وأمَّهات– أسرةً ملتزمةً قائمةً على مبادئ الشرع الحنيف، فإنَّهم ومِن دافع محبَّتهم الشديدة لأبنائهم يسعون إلى تربية أبنائهم على شرع الله عزَّ وجلَّ، وبالتالي تكون ملاحظاتهم دقيقةً جدَّاً فيما يخصُّ أيَّ خطأ يقوم به الابن منذ نعومة أظفاره، لكنَّ المشكلة تكمن في طريقة تقويمهم وتأديبهم لابنهم، ففي الغالب تكون طريقةً شديدةً تتراوح حسب العائلة بين السلوكيَّات التالية: (الضرب– كثرة الصراخ– كثرة الانتقاد واللوم– الأحكام الانتقاديَّة القاسية– السبُّ والشتم- المقارنة السلبية– المحاضرات المملَّة– التهديد والوعيد– التشهير– السخرية والتهكُّم…). ومع الأسف، فإن كلَّ هذه السلوكيَّات التي يقوم به الآباء من دافع محبَّتهم لأبنائهم وغيرتهم عليهم إنَّما يُرافقها –في الغالب– حالةٌ من التوتُّر والغضب والانفعال، ولعلَّ هذه الحالة هي شبه دائمةٍ عند الأهل وفي معظم الوقت.
المرحلة الثانية من المعادلة التربوية:
تكمن المشكلة في سلوكيَّات الأهل من خلال ثلاث نقاط:
- تعتبر هذه السلوكياتٌ سلوكيَّاتٍ فظّةٌ بعيدةً كلَّ البعد عن سلوك النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام والذي خاطبه الله عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [البقرة 44]، وبالتالي؛ وعند استمرار هذه السلوكيَّات فإنَّها ستُسبِّب نفور الأبناء من آبائهم وأمهاتهم، وهذا ما يُسمَّى (الفجوة بين الآباء والأبناء).
- إنَّ هذه السلوكيَّات تُسبِّب عند الأبناء حالةً من انعدام الثقة بالنفس وتقدير الذات، لأنَّها تُشوِّه نظرتهم لأنفسهم بسبب ممارستها عليهم منذ نعومة أظفارهم من قبل الأهل، حيث يُشكل كلامهم وتقريرهم مرجعيةً لأبنائهم في تصوُّرهم عن ذواتهم.
- إنَّ حالة التوتُّر والانفعال –شبه الدائمين عند الأهل– تحرم الأبناء من أحد أهمِّ احتياجاتهم النفسية ألا وهي العاطفة والأمان، لأنَّ الإنسان المنفعل والمتوتِّر لا تصدر منه عاطفة.
المرحلة الثالثة من المعادلة التربوية:
- إنَّ حالة الحرمان والنقص العاطفي تجعل الابن مُنجذباً إلى أصدقائه الذين يعطونه العاطفة بطريقةٍ غير مباشرةٍ من خلال تقبُّلهم له، وحوارهم وتعاطفهم معه بكلِّ أحواله الإيمانيَّة والسلوكيَّة والأخلاقيَّة دون قيدٍ أو شرط -وهذا ما يُسمَّى “الحبَّ غيرَ المشروط-
- وأمام حالَتي انعدام تقدير الذات، والنفور من الأهل يُصبح الأبناء غير مؤمنين بقيم أسرتهم ومبادئها، بل لا يشعرون بالفخر من الانتماء إلى أسرتهم بسبب نفورهم من آبائهم وأمهاتهم، ولا يؤمنون بالمنهج الأخلاقيّ لهذه الأسرة. وبالتالي يُصبح الأبناء عُرضةً لكلِّ أنواع الاقتراحات الفاسدة التي تقولها لهم جماعة الأصدقاء التي ينتمون إليها. وهنا يبدأ سقوط القيم وتهاويها شيئاً فشيئاً.
- وفي معرض حديثنا عن أسباب الشذوذ الجنسي نجد أنَّ الأبناء قد يُصبحون عرضةً للانحلال الأخلاقيّ شيئاً فشيئاً، وقد نستغرب أنَّهم يسقطون في مهاوي الخمر والمخدرات ثمَّ في الإباحيَّة بكلِّ ما فيها.
نسأل الله عز وجل أن يعصم أبناء المسلمين من مكائد شياطين الإنس والجنّ.
والحمد لله ربِّ العالمين.
المراجع:
[1] المثلية الجنسية.. سلوك مكتسب أم جينات لا نتحكم بها؟ مقال للدكتور إبراهيم السيد نُشر على شبكة الإنترنت موثق بالمراجع والأبحاث.
[2] التدابير الواقية والعلاجية للمجتمع من الشذوذ الجنسي في ضوء القرآن الكريم – د. حنان شبانة إبراهيم عبد الواحد (بتصرف).
[3] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
[4] معادلة التربية – برنامج صناعة الأبناء العظماء 2013 – إحسان هلالة
No comment yet, add your voice below!