مع رجالات حوار الدكتور البوطي -مستطيل-

ما هي المساواة؟

ما هي المساواة

والحديث _كما تعلم_ عن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.

فما هي المواساة التي يعنيها وينشدها الناس المعجبون بالغرب من رجالٍ ونساء؟

إن كانت المساواة المنشودة لديهم أن يُصبَّ الرجال والنساء في قوالب اجتماعية واحدة، فيتحرَّك الكلُّ بنسقٍ واحد، ويسكنوا في ميقاتٍ وعلى نظامٍ واحد، وتتكافأ فيهم الجسوم والأحجام، وينطلق الكلُّ إلى واجباتٍ محدَّدةٍ واحدة، ثمَّ يتقلَّب الكلُّ في نعيمٍ مكرَّر لحقوقٍ لا تخضع لأيِّ تنوُّعٍ أو تمايز، بحيث تسقط ممَّا بينهم فوارق القدرات والإمكانات، ويظهر الجميع وكأنَّهم أحجارٌ مرصوفة في حجمٍ واحد، وتربيعات واحدة.

أقول:

إن كانت المساواة المنشودة لديهم هي هذه المساواة الآلية الحرفية، فبوسعهم أن ينشدوها ويبحثوا عنها فيما تنتجه المخارط الآلية فقط. أمَّا في عالم الأناسي، فحتى الرجال فيما بينهم، والنساء فيما بينهن، بل حتى الطبقة الواحدة في مجتمع الرجال، والطبقة الواحدة في مجتمع النساء، إنَّما يتساوون، من حيث إنسانيتهم الواحدة، في مبدأ تحمُّل الواجبات ومبدأ ممارسة الحقوق، ثمَّ إنَّهم يتفاوتون في ذلك كلِّه حسب تفاوتهم في القدرات، والملكات، والاختصاص، والإمكانات. فالتساوي المبدئيُّ ناظرٌ إلى وحدة الإنسانية فيما بينهم جميعاً، والتفاوت الطبقيُّ ناظرٌ إلى الحكمة الربَّانية التي اقتضت بعد ذلك أن يتفاوتوا في القدرات، ويتنوعوا في الخصائص والملكات.

فإذا قلنا:

إنَّ المرأة مؤهلةٌ لممارسة الحقوق السياسية، ثُمَّ صنفنا النساء بين صالحاتٍ لهذه الحقوق وغير صالحات، وقسمنا الحقوق ذاتها إلى ما قد تتمكَّن المرأة من ممارسته وممَّا لا تتمكن، فذلك كما لو قلنا: إنَّ الرجل مؤهَّلٌ لممارسة الحقوق السياسية بأنواعها، ثُمَّ صنَّفنا الرجال بين صالحين لممارسة هذه الحقوق أو بعضها، وغير صالحين لذلك.

وإذا قلنا:

إنَّ المرأة مؤهَّلةٌ لأداء الشهادة، ثمَّ اشترطنا لصحَّتها شروطاً أسقطت صلاحية شهادة المرأة في بعض القضايا أو الخصومات؛ فذلك كما لوقلنا: إنَّ الرجل مؤهَّلٌ لأداء الشهادة، ثمَّ اقتضت تلك الشروط ذاتها إسقاط صلاحية كثيرٍ من الرجال _وربَّما كلِّهم في بعض الأصقاع- للشهادة في بعض القضايا والخصومات، بل في جميعها ربما.

إنَّ الملاحظ أنَّ الذكورة أو الأنوثة، لا مدخل لها بحدِّ ذاتها في هذا التصنيف أو الإسقاط.

وإنَّما العامل الوحيد الذي يلعب الدور في ذلك هو العوارض التي تعرض للمرأة أو تعرض للرجل، فيتسبَّب عن ذلك حجب الصلاحية بعد وجودها. 

أمَّا الأهلية الأساسية، فهي موجودةٌ ولا تتأثَّر بالعوارض فقداً أو وجوداً.

إنَّ الجدل الذي يُثيره من ينعتون أنفسهم اليوم بحماة حقوق المرأة بين يدي تبريرهم لاتِّهام الإسلام بهضم حقوقها، وبترسيخ النظرة الدونية إليها، إنَّما يدور على محور الخلط بين الأهلية الواحدة في كلٍّ من الرجل والمرأة، والعوارض المختلفة والمتفاوتة في كلٍّ منهما. وقد غاب عنهم أنَّ الجدل على هذا الأساس يستدعي منهم القول بأنَّ الإسلام هضم حقوق الرجال أيضاً، ووسَّعَ عوامل النظرة الدونية إليهم.

نقول هذا الكلام بهذه الصيغة الإجمالية تمهيداً بين يدي تفصيل القول في جزئيات المسائل التي هي اليوم مثار الجدل في هذا الموضوع، والتي يجعل منها المفتئتون على الإسلام دلائل ناطقة على أنَّ الشريعة الإسلامية لم تساوِ بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وأنَّها حجبت كثيراً من الحقوق المدنية وغيرها عن المرأة، في حين أنَّها متَّعت بها الرجل، ويسَّرت أمامه السبيل إليه واسعاً غير مقيَّد.

لسوف نوضح فيما يلي بإذن الله، أنَّ المساواة المطلقة التي يهتف بها عشَّاق المدنية الغربية، مستعصيةٌ على التطبيق في المجتمعات الإنسانية كلِّها بين سائر الأفراد وعلى مختلف المستويات. ولو تحقَّقت هذه المساواة الحرفية المطلقة، لتفكَّك المجتمع، ولتناثر أفراده على ساحةٍ واسعةٍ ممتدةٍ من التناكر والتدابر، ولاختفت ممَّا بينهم جسور التواصل والتعاون.

ولكنَّنا سنؤكِّد في الوقت ذاته أنَّ المواساة التي متَّع الله بها الإنسان على أساس الأهليات الإنسانية، وقواسم القابليات، والملكات المشتركة، موجودةٌ ومقررةٌ فيما بين الرجال بعضهم مع بعض، وفيما بين النساء بعضهن مع بعض، وفيما بين الرجال والنساء معاً.

إذن فحديثنا الآن سيتناول جملة المسائل التي يكثر الجدل فيها، والتي يحسب بعض الناس أنَّها تدين الشريعة الإسلامية، وتحمل الدليل على أنَّها فضَّلت الرجال على النساء في كثيرٍ من الحقوق، وعلى أنَّها ميَّزتهم في بعض الواجبات.

ولسوف تزداد يقيناً، إن شاء الله، بأنَّ منشأ ما قد تراه مظهراً لهذا التفاضل، في أيٍّ من جزئيات المسائل التي سنعرض لها، إنَّما هو عوارض وعوامل خارجيةٌ طارئةٌ، وليس جوهر الذُّكورة أو الأنوثة، بأيِّ حال. 

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *