لقد صدق-مربع

أسرع بعض المشركين إلى أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه يحدِّثونه بما يقوله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، رجاء أن يستعظمه فلا يصدِّقه. فقال أبو بكر: لئن كان قال ذلك، لقد صدق.

حدث هذا عقب رحلة الإسراء والمعراج التي منَّ الله بها على نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وقصَّة الرِّحلة رواها البخاري ومسلم بطولها في صحيحيهما.

– ما معنى الإسراء والمعراج؟

يقصد بالإسراء: الرِّحلة التي أكرم الله بها نبيَّه عليه الصَّلاة والسَّلام من المسجد الحرام بمكَّة المكرَّمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشَّريف.

أمَّا المعراج: فهو ما أعقب ذلك من العروج به إلى طبقات السماوات العُلا، ثمَّ الوصول به إلى حدٍّ انقطعت عنده علوم الخلائق من ملائكةٍ وأنسٍ وجنّ، كلُّ ذلك في ليلةٍ واحدة.

– هل كان الإسراء والمعراج بالرُّوح فقط؟

كان الإسراء والمعراج بالجسد والروح معاً، وجمهور المسلمين على هذا. قال ابن حجرٍ في شرحه على البخاري: (إنَّ الإسراء والمعراج وقعا في ليلةٍ واحدةٍ، في اليقظة بجسده وروحه، وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدِّثين والفقهاء والمتكلِّمين. وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله حتَّى يحتاج إلى تأويل). [فتح الباري: 7/136-137]. لذلك فهي من معجزاته الباهرة صلَّى الله عليه وسلَّم التي أكرمه الله بها.

ومن الأدلَّة القاطعة على أنَّ الإسراء والمعراج كانا بالجسد والروح معاً:

استعظام مشركي قريش لهذا الأمر، وتعجُّبهم وتكذيبهم له صلّى الله عليه وسلَّم؛ فلو كان الإسراء والمعراج رؤيا مناميَّةً لما استدعى الأمر منهم أيَّ استعظامٍ أو تعجُّب؛ لأنَّ المرئيات في المنام لا حدود لها، ولا مُنكِر عليها، ولما سألوه عن صفات بيت المقدس وتفاصيله بقصد الالزام والتحدِّي.

– ليس كلُّ عجيبٍ مُنكَراً:

لا شكَّ بأنَّ قصَّة الإسراء والمعراج عجيبةٌ؛ لكن ليس كلُّ عجيبٍ مُنكراً، وليس من الصَّواب أن يشكِّك بعض الباحثين في كلِّ ما هو خارجٌ عن دائرة علمهم ومعرفتهم؛ فنراهم ينكرون الإسراء والمعراج قائلين بعدم إمكانية حدوثهما؛ لأنَّ الذهاب من مكَّة إلى بيت المقدس، ثمَّ الصعود إلى السماوات العُلا، ثمَّ الرجوع  في جزءٍ من الليل أمرٌ محال.

وهذا الادِّعاء لا قيمة له أمام البحث العلمي الصَّحيح:

فالإسراء والمعراج أمران ممكنان عقلاً، أخبر بهما القرآن الكريم المتواتر، كما أخبر بهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الأحاديث الصَّحيحة المشهورة الواردة في أصحِّ كتابين بعد القرآن الكريم (صحيح البخاري، وصحيح مسلم)، فوجب التَّصديق بحصولهما، ومن ادَّعى استحالتهما فعليه البيان.

لقد استطاع الإنسان في العصر الحديث أن يغزو الفضاء بإمكانيَّاته وقدراته المحدودة، واستطاع التنقُّل بين الأجواء، والصعود إلى القمر، ودراسة الشَّمس والكواكب، وإرسال الأقمار الصناعيَّة والمركبات الفضائية في أنحاء الفضاء الواسع، وكان هذا ضرباً من الخيال في القرون الماضية، وما يزال التقدُّم في العلم مستمرَّاً ويزداد يوماً بعد يوم، ممَّا يدحض زعم المنكرين أنَّ الإسراء والمعراج غير ممكنين عقلاً؛ فكيف يُستبعد عن الخالق مبدع الأكوان جلَّ جلاله أن يسري بنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، وأن يعرج به إلى السماوات العلا، وهو القادر على كلِّ شيءٍ.

– نقص الأوكسجين:

وممَّا ينكره بعضهم في هذه المعجزة العظيمة: أنَّ الهواء ينعدم عند الخروج من الغلاف الجوي، فكيف عرج صلَّى الله عليه وسلَّم إلى السماوات في ظلِّ انعدام الهواء؟

إنَّ الهواء ينعدم تحت الماء أيضاً، ومع ذلك نرى الغوَّاصين يمكثون ساعاتٍ طويلةً تحت الماء بما معهم من إسطوانات الهواء، ونجد رواد الفضاء يخزِّنون هواءً يكفيهم لساعاتٍ وأيَّامٍ وشهور؛ فإذا استطاع المخلوق التغلُّب على هذه المشكلة، أفيعجز عنها ربُّ العالمين وهو خالق السَّماوات والأرض.

إنَّ معجزة الإسراء والمعراج حقيقةٌ ثابتةٌ في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة المطهَّرة، وقد أثبت حصولها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم, وأفحم المشركين حينما وصف المسجد الأقصى وصفاً دقيقاً، وأجابهم حينما سألوه عن قافلةٍ لهم قادمةٍ من الشَّام، سألوه عن مكانها ومتى تقدم عليهم، فأخبرهم عنها وعن وقت وصولها، وقدَّم لهم دليلاً؛ حيث أخبرهم أنَّ هذه القافلة يتقدَّمها جملٌ أورق (و هو ما امتزج بياضه بسواد أو كان رمادياً) فكان هذا الوصف دليلاً آخراً على صدقه.

Recommended Posts

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *