الحركة النسويّة في مواجهة الظلم الديني والاجتماعي

الحركة النسويّة في مواجهة الظلم الديني والاجتماعي

ترفع النسويَّات أصواتهنَّ في مواجهة ما تتعرّض له المرأة من الظلم الذي فرضته العادات والأديان، فعاشت مضطهدةً مقهورةً مسلوبة الحقوق… وكانت الحركة النسويّة هي المخلّص لها، وتسعى إلى تحريرها من تلك القيود، واستعادة حقوقها وكرامتها!

إنّ هذا الظلم يلاحق الأنثى منذ نشأتها ويدوم معها طيلة حياتها!

تقول الدكتورة نوال السعداوي في هذا الصدد: (بدأ الصراع بيني وبين أنوثتي مبكّراً جدّاً، قبل أن تنبت أنوثتي، وقبل أن أعرف شيئاً عن نفسي وجنسي وأصلي… قبل أن أُلَفَّظ إلى هذا العالم الواسع. كلُّ ما كنت أعرفه في ذلك الوقت أنّني بنتٌ كما أسمع من أمّي. ولم يكن لكلمة بنت في نظري سوى معنىً واحد، هو أنّني لست ولداً، لست مثل أخي، أخي يقصّ شعره ويتركه حرّاً ولا يمشطه، وأنا شعري يطول ويطول، وتمشطه أمّي في اليوم مرّتين، وتقيّده في ضفائر، وتحبس أطرافه بأشرطة. أخي يصحو من نومه ويترك سريره كما هو، وأنا عليّ أن أرتّب سريري وسريره أيضاً. أخي يخرج إلى الشارع ليلعب بلا إذن من أمّي وأبي، ويعود في أيّ وقت، وأنا لا أخرج إلا بإذن… أخي يأخذ قطعة من اللحم أكبر من قطعتي، ويأكل بسرعة ويشرب الحساء بصوت مسموع، وأمّي لا تقول له شيئاً. أمّا أنا فأنا بنت، عليَّ أن أراقب حركاتي وسكناتي،…عليّ أن أخفي شهيّتي للأكل، فآكل ببطء وأشرب الحساء بلا صوت…) [مذكرات طبيبة: (ص:13)].

فعين الرقابة غضيضة عن الولد، وترمق البنت بنظرات حادّة!  

نعم هذا لا يُنكَر في كثير من المجتمعات، وإنّ هناك عاداتٍ وتقاليد بالية قد تساهم في ظلم المرأة، وظلم الضعفاء، وذلك مرهونٌ بالابتعاد عن الدين والعلم والعدل، وقلّة الوعي، وكلّما تمسّك المجتمع بالدين والعلم وتحلّى بالوعي تلاشت مظاهر هذا الظلم. ولكنَّ ما تشكو منه الكاتبة في هذا المقطع وغيره، وتراه ظلماً وانتقاصاً من حقّ البنت والمرأة، ليس مبرّراً لنشر النسويّة، وبعض ما تراه ظلماً لا يعدو كونه تمييزاً للأنثى عن الذكر من حيث المظهر، أو حرصاً عليها وتقويماً لسلوكها، من حيث تهذيب حركاتها، واستئذان أهلها في الخروج، وعدم الشراهة في الطعام، ونحو ذلك، وهذا كلّه من الآداب العامّة التي تصبّ في صالحها…

فقد يقصّر المجتمع في توجيه الأولاد وتقويم سلوكهم، ويؤكد على البنات من باب العادات أو الحرص أو غير ذلك.

أمّا الإسلام: فإنه بريء كلّ البراءة من ظلم البنت، فلا يحقّ للأخ تسخير الأخت في خدمته إلّا عن طيب نفس منها، وهي غير مسؤولةٍ عن إهمال أخيها، ولم يحرم الدين المرأة شيئاً من حقوقها لجنسها، بل منحها شخصيّتها المستقلّة، وحقوقها كاملة، لكنّه راعى الفروق بينهما والفطرة التي نشأت عليها من الزينة واللطف، فميّزها بما يصلحها، من صفة اللباس الذي ترتديه، وأباح لها لبس الذهب والفضّة والزينة، وجعلها مستقلّة بمالها، ولم يوجب عليها إنفاق شيءٍ منه، ولم يلزمها بالعمل وكسب المال، وأوجب على ذويها الإنفاق عليها حتى لو كانت غنيّة.

وبالمقابل ميّز الرجل بما يناسب طبيعته، فحرّم عليه الحُليّ والزينة وما يتعلّق بالليونة، وأوجب عليه الكسب والإنفاق على المرأة والأولاد…  

  وقد حرص الإسلام على العدل، وضمان حقوق المرأة في جميع تفاصيل الحياة، والكلام في ذلك يطول، وليس ثمّ مقام التفصيل، ولكن نكتفي بمثال واحد، يشير إلى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على معاملة البنات بالعدل مع الأولاد، حتّى في أصغر الأمور، ولو في القُبلة، فعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رجل جالسٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه ابن له، فأخذه فقبّله، ثمّ أجلسه في حجره، وجاءت ابنة له، فأخذها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا عدلت بينهما؟)) [الطحاوي في شرح معاني الآثار:(5847)، البيهقي في شعب الإيمان: (8327)].

يعني: حضَّه على تقبيل البنت، وأن يضعها في حجره كما صنع بولده. وإنّ العدل والمحبّة بين الأولاد والبنات لم يغفلها دين ولا خُلق…

ولم يقف الدين الإلهي ولا قانونٌ منصف، ولا مجتمع واعٍ ضدّ المرأة، وإنّ معالجة حالات ظلم المرأة تتمّ بنشر الوعي والتمسُّك بتعاليم الدين الذي ضمن العدل للجميع.

على أنّ القصد من هذا المقال بيان الحقيقة تحت مظلّة الدين والأخلاق، وليس الحوار مع من يسعى إلى نسف الدين من أصله.  

فإذا نظرنا في النسويّة نجدها لا تبحث عن حقوق المرأة وإنصافها، ولا تقصد مناهضة الظلم، بل تريد التمرُّد على المجتمع بكلّ أركانه، فضخَّمت الأمور، وهوّلت الصورة، ووضعت المرأة في معركةٍ وهميّةٍ حامية الوطيس، ووصفتها بأنّها تقف وحيدةً ضعيفةً عازلةً مظلومةً مهزومة، مسلوبة الحقوق، يواجهها جيشٌ جرّارٌ من المجتمع والأديان يرفعون عليها سلاح الظلم والبطش والقهر…

تقول د. نوال السعداوي: (معركة الرجل والمرأة، تلك المعركة المزيّفة العجيبة، تقف فيها المرأة أمام الرجل وحدها، ويقف فيها الرجل أمام المرأة ومن ورائه متاريس من التقاليد والقوانين والأديان وسدودٌ من التاريخ والأحقاب والأجيال، وصفوفٌ من الرجال والنساء والأطفال، يحملون ألسنةً ممدودةً حادّةً كسنان السيوف، ويصوّبون عيوناً مفتوحة كفوّهات البنادق، ويفتحون أفواهاً واسعةً كالمدافع والرشَّاشات) [مذكرات طبيبة: (ص:54)].  

فقد عمّمت الصورة وهوّلت الأمر، وادّعت أنَّ التمرّد على الدين والمجتمع هو السبيل الأوحد لنيل حقوق المرأة.

ولكن إذا قارنّا بين الشعارات التي يرفعنها وبين أفعالهنّ في الواقع نجد التناقض جليّاً، وأنّ تلك الشعارات خلّابة خدّاعة.

فإنّ ممّن رفع شعار النسويّة وادّعى رفع الظلم الذي يحيط بالمرأة بالصورة المبالغ فيها، هدى شعراوي زعيمة النسويّات في مصر، التي خلعت الحجاب في ميدان الإسماعيليّة، ونادت بحرّيّة المرأة وإنصافها ورفض الاعتداء عليها…

وإليكم قصَّة زعيمة النسويّات هذه التي ذكرها الأديب مصطفى أمين:

 ذات يوم قام محمد ابن هدى شعراوي بملاحقة الفنانة فاطمة سريّ، من مسرحها إلى بيتها، وهي تصدّه وتردّه لكنّه بقي يتابعها، حتى اغتصبها، فحملت منه، وطلبت إصلاح خطئه بتثبيت العقد في المحكمة الشرعيّة؛ للحفاظ على حقوق الجنين الذي بينهما، والستر على الطرفين، فوافق على طلبها، وفعل ما طلبت منه.

وعندما سمعت بذلك أمّه هدى شعراوي ثارت ثائرتها، ورفضت الاعتراف بالزواج من هذه الفنانة، وأجبرته على إلغاء تثبيت هذا العقد، وأمرت ولدها أن يسافر إلى أوروبّا للابتعاد عن تلك المرأة، كي لا يعترف بالمولود عند وضع الحمل، لكنّ محمد الشعراوي وعد فاطمة سريّ بأن تلحقه إلى تلك البلاد، وسوف يتَّفقان هناك، ثمَّ سافرت فاطمة سري إلى أوروبا، وقد ولدت بنتاً وأخذتها معها، وتواعدت مع محمَّد شعراوي، لكنَّه أتعبها في تحديد الأمكنة التي يلتقيان فيها من دولةٍ إلى دولة، فهي تتبعه وهو يهرب ويخلف، حتى تمّ اللقاء في باريس، ولم يزل متهرباً من مسؤوليّته واعترافه ببنته، فيعدها أن يعترف ببنته ويخلف، حتى صرّح بأمره صبيحة يوم عندما اتصلت به، فأغلق في وجهها الهاتف وانهال عليها سبّاً وشتماً، فلجأت فاطمة سريّ إلى أمّه، هدى شعراوي، زعيمة النسويّة التي تدافع عن حقوق المرأة ولا ترضى لهنّ بالظلم!  

وأرسلت لها رسالة تطلب منها الإنصاف بعد أن خدعها ولدها، فقالت في مقدمة الرسالة: (سلاماً وبعد: إنّ اعتقادي بك وبعدلك، ودفاعك عن حقّ المرأة، يدفعني كلّ ذلك إلى التقدّم إليك طالبة الإنصاف، وبذلك تقدّمين للعالم برهاناً على صدق دفاعك عن حقّ المرأة) ثمّ عرضت قضيتها ومما قالته: (فلم يجد محمد منّي قبولاً للمال، وعندما وجد منّي امتناعاً عن إنكار نسب ابنته سكت عنّي تماماً، فوسّطت حضرة فهيم أفندي باخوم مُحامِيَهُ، فاجتهد في إقناعه بصحّة حقوقي وعقودي واعترافه بابنته، وتوسّط في أن ينهي المسألة على حلّ يرضي الطرفين، فلم يقبل نجلك نصيحته بالمرّة، وكان جوابه أن ألجأ برفع دعوى عليه ومقاضاته، وهو يعلم تماماً نتيجة الدعوى تكون في صالحي، ولا أدري ماذا يفيده التشهير في مسألة كهذه سيعلم بها الخاصّ والعامّ، وسنكون أنا وأنتم مضغة في الأفواه… وهذا يضطرني إلى أن أرجع إليك قبل أن أبدأ أي خطوة قضائيّة ضدّه، وليس رجوعي هذا عن خوف أو عجز، فبرهاني قويّ، ومستنداتي لا تقبل الشكّ، وكلّها لصالحي، ولكن خوفاً على شرفكم وسمعتكم وسمعتي… فهل توافقين يا سيّدتي على رأي ولدك في إنهاء المسألة أمام المحاكم؟

أنتظر منك التروّي في الأمر، والردّ عليّ في ظرف أسبوع؛ لأنّني قد مللت كثرة المتدخّلين في الأمر… ودمتِ للمخلصة فاطمة سري).

وما كادت زعيمة حقوق المرأة هدى شعراوي تتلقّى هذه الرسالة حتّى ثارت ثائرتها، وعدّته إعلاناً لحرب، وإنذاراً نهائيّاً مدّته أسبوعٌ واحد، ولم تقصد تلك المرأة شيئاً من هذا أبداً… وعدّته النسويّات المحيطات بالزعيمة بأنَّه قلَّة أدبٍ ووقاحةٌ وتطاولٌ من تلك المغنّية على هذه الزعيمة، ودفعوا هدى شعراوي للدخول في صراعٍ معها، وكانت من بينهنّ نوال سعداوي!

 وتحمّس الكبراء والعظماء ضدّ فاطمة سري، هذه الصعلوكة الفلّاحة التي تتطاول على القامات العليا، وتلوّث شرف أعرق الأسر والعائلات!

وفي كلّ يوم تتضاءل فاطمة سريّ وتتضخم زعيمة حقوق المرأة!

فانقسم الناس إلى قسمين:

الفقراء والبسطاء والمظلومين تعاطفوا مع الفنانة.

والأغنياء والكبراء والمترفين وقفوا مع هدى شعراوي! 

ثمّ برز محام وصحفي اسمه فكري أباظة، ووقف مع فاطمة، ورفع القضيّة إلى سعد زغلول فأبى أن يتدخّل، ثمّ رفعها إلى وزير العدل، فأقرّ بالظلم، وأبدى استعداده لنصرة صاحب الحقّ، والوقوف مع الضعفاء، فوظّفت هدى شعراوي كلّ ما تملك من جاه وأموال لأثبات براءة ولدها من فعلته الشنيعة، ووصف تلك المرأة بأنّها أفّاكة خدّاعة محتالة، وبذلت الكثير من الأموال في الرشاوى، ولكن في نهاية المطاف ربحت تلك المرأة دعواها. [يُنظر: مسائل شخصيّة للكاتب مصطفى أمين (ص: 111) وما بعدها].

لم نذكر هذه القصة تعاطفاً مع فاطمة سريّ ولا تبريراً لخطئها الفادح وتعريض نفسها للابتذال، وإنَّما نذكرها لإظهار الحقيقة المزيّفة التي ترفعها النسويّات، فإنّ زعيمة النسويّة ذاتها تقف مع ولدها الظالم ضدّ المرأة المظلومة، وتثور ثائرتها عندما ترفع إليها تلك المرأة شكواها وتطلب الإنصاف منها!… بل تبذل زعيمة النسويّات الأموال الطائلة في الرشاوى؛ لتسلب تلك المرأة حقّها، وتتّهمها بالباطل، وبأنّها محتالةٌ خدّاعةٌ أفّاكة!… وتأخذها العزّة والتجبّر والفخر بعراقتها وتستصغر وتحتقر تلك المرأة المظلومة!

وتقف معها جميع النسويّات اللواتي يرفعن الشعارات البرّاقة الخدّاعة الخالية الخاوية من المضمون والحقيقة ومن بينهنّ نوال سعداوي!  

  لو كانت النسويّة تدعو إلى الحقّ، لطالبت بحقوق المرأة المشروعة ضمن ما يتفق مع القانون والدين والعرف، فالعدل لا ينكره منصف، والظلم لا يقرّه عاقل، لكنّ الحركة النسويّة لم تأتِ بهذا، بل جاءت بالعدوانيّة والتمرّد على المجتمع كافّة، فهي تسعى إلى إزاحة الدين ونسفه ومهاجمته، وتفكيك الأسرة وتشتيتها، ومحو السلطة الأبويّة، وإنهاء الزواج وفق منظوره التقليدي، ونشر الحرّيّة الجنسيّة، ورفض الاختلاف البيولوجي بين الذكر والأنثى، ورفض الاختلاف الجندري، والدعوة إلى التفلّت والفساد بكلّ أنواعه…  

إنّ هذه المطالب التي ترفعها النسويّات تنبع من اضطراب نفسيّ، إذ لا يُتخيّل أن يرفض إنسانٌ سويٌّ نفسيّاً الفروق البيولوجيّة الطبيعيّة بين البشر، وهو أمر مستقرّ تاريخيّاً على وجه الأرض، وثابتٌ علميّاً وعقليّاً ومنطقيّاً، محسوسٌ وملموس في الهيئة والشكل والتصرّفات والقدرات البدنيّة الجسديّة، فكيف لإنسان أن ينكر ذلك ويكون سليماً نفسيّاً؟

إنّهنّ يعادين المجتمع معاداةً سافرة، ولا يراعين السلوك المقبول، ولا يُقِمن اعتباراً للصواب والخطأ، مع قلوبٍ متحجّرةٍ خالية من العواطف، ويتجاهلن مشاعر الآخرين ولا يأبَهْن بها… هذه الأعراض ذاتها التي تظهر بجلاء في أحد ركائز الفلسفة النسويّة (الفيمينزم) هي من مظاهر الاضطرابات النفسيّة. [ينظر: صفحة أخيرة، مقال بعنوان: النسويّة والأمراض النفسيّة والعقليّة، بقلم: مولانا العارف، واحة النفس المطمئنّة، مقال بعنوان: سيكلوجيّة التطرّف، للدكتور محمد المهدي استشاري الطب النفسي].  

 وإنّ الآثار التي تتركها النسويّة على المجتمع آثارٌ كارثيّةٌ هدّامة، فإنّهن يسعين إلى الانحلال من الدين والأخلاق وتفكيك الأسر، والتمرّد على المجتمع، وإزالة الفروق بين الذكر والأنثى، ونشر المثليّة، والجندر…

وكانت النتائج السلبيّة للنسويّة ظاهرة حسب ما ذكره تقرير (u.s.a TO DAY) في الولايات المتّحدة، وقد ذكر التقرير أنّ:

– 80% من الأمريكيّات يعتقدن أنّ الحرّيّة التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاماً هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن.

– 75% منهنّ يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي.

– 87% يرين لو أنّ عجلة الحياة عادت إلى الوراء لاعتبرن المطالبة بالمساواة مؤامرةً اجتماعيّةً ضدّ الولايات المتحدة وقاومن اللواتي يرفعن شعارها. [المرأة في عالم مختلف، أ.د أكرم ضياء العمري: (ص: 68)]

Recommended Posts

2 Comments


Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *